اتساع رهانات المغرب على تعزيز دور التكنولوجيا المالية

اتسع اهتمام صناع القرار النقدي المغربي بتجربة التكنولوجيا المالية بعدما أثبتت نجاحها، حيث تأمل الأوساط الاقتصادية في تحقيق أقصى استفادة من هذه الأداة وتعزيز مكانتها في إحلال الشمول المالي وبناء الاقتصاد على أسس قوية بما يتلاءم والطفرة التقنية العالمية.
الرباط - وجهت السلطات المغربية والقطاع المصرفي والتجارة وشركات المدفوعات أنظارها باتجاه تعزيز دور التكنولوجيا في النظام المالي (فينتيك)، في محاولة أخرى لترسيخ دعائم الرقمنة، وكذلك تحقيق الشمول المالي بما يخدم تنمية الاقتصاد.
وكخطوة لدعم الابتكار الرقمي كشف المدير العام للبنك المركزي عبدالرحيم بوعزة عن خطط لإطلاق مركز مخصص للتكنولوجيا المالية مطلع يناير المقبل، لتعزيز جهود الفاعلين المصرفيين والماليين للانخراط في ديناميكية “الشمول المالي” ورقمنة الخدمات.
وقال بوعزة أثناء جلسة تحت شعار “كيف نجعل الثورة الرقمية أمرا واقعا بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة” ضمن فعاليات القمة المالية الأفريقية 2024 المنعقدة مؤخرا في الدار البيضاء إن المركزي “يعمل لتعزيز الفينتيك عبر إنشاء قطب للتكنولوجيا المالية.”
وأوضح أن هذا القطب سيسعى لتعزيز جهود الفاعلين في المنظومة، مع توفير المواكبة والدعم المالي لأصحاب المشاريع المبتكرة في المجال المالي.
وشدد بوعزة على الدور المحوري الذي تضطلع به الشركات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد المغربي، مشيرا إلى أن ما بين 40 و45 في المئة من القروض البنكية تخصص حاليا لهذه الشركات.
وتهدف فينتيك إلى دمج التكنولوجيا الحديثة مع الخدمات المالية لتحسين وتبسيط العمليات المالية. ويُستخدم هذا المصطلح لوصف مجموعة واسعة من التطبيقات والخدمات التي تعتمد على التكنولوجيا لتقديم حلول مالية مبتكرة وسهلة الاستخدام.
وتشير المعطيات إلى أن 50 شركة فينتيك ناشئة تنشط في السوق المحلية وهي تعمل في مجالات مثل المدفوعات الرقمية والإقراض الرقمي والخدمات المصرفية الرقمية والتأمين الرقمي. كما أن نسبة تبني المستهلكين للتكنولوجيا المالية في المغرب في ارتفاع مستمر، خاصة مع زيادة استخدام الهواتف المحمولة وخدمات الإنترنت.
ولا تزال القوانين المغربية المتعلقة بالتكنولوجيا المالية في طور التبلور، إذ يكون على الشركات الناشئة في هذا القطاع الحصول على تراخيص مسبقة من البنك المركزي والهيئة المغربية لسوق الرساميل لعرض بعض المنتجات والخدمات المالية.
وأكد يونس مليح، أستاذ باحث بجامعة مولاي إسماعيل، لـ”العرب” أن تحديات التكنولوجيا المالية بالمغرب تشمل عدة جوانب تؤثر على نمو وتطور هذا القطاع. وأوضح أن ذلك يتعلق بالتشريعات القديمة أو النقص في النصوص القانونية، بحيث إن التكنولوجيا المالية تتطلب بيئة قانونية وتنظيمية ملائمة لتمكين الابتكار وضمان الأمان المالي.
وفضلا عن ذلك، تحدي تحقيق الأمان والخصوصية، حيث يرى مليح أن التعامل مع البيانات المالية والشخصية يتطلب معايير أمان عالية لمنع الاختراقات والاحتيال، مما يجعل الأمان وحماية الخصوصية تحديات رئيسية لشركات فينتيك.
وركز مليح في حديثه على جوانب التمويل والاستثمار التي تدخل ضمن تحديات الوصول إلى القروض والديون اللازمة لتطوير وتوسيع الخدمات، والتقنيات المالية الجديدة قد تكون عائقا أساسيا للشركات الناشئة في هذا القطاع.
وتركز الجهات المعنية في المغرب على رقمنة الخدمات المالية وخاصة التعاملات عبر الهواتف المحمولة عبر التقنين التكنولوجي على المخاطر التشغيلية ومكافحة الجرائم المالية كتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
وسيترافق ذلك مع إتاحة مساحة لشركات الفينتيك والبنوك الرقمية لتنظيم نفسها على نحو يواكب التطورات المتسارعة في هذا المجال الناشئ.
680
مليون دولار حجم التمويلات المتوقعة للشركات الناشئة في البلاد حتى العام 2030
ويهدف التقنين إلى إرساء منظومة تمكن من الدفع وتحويل الأموال بشكل فوري، ومتسمة بانسجام تشغيلي على الصعيدين الوطني و الدولي، أي تمتيع النظم المختلفة بالقدرة على الاشتغال في تناغم.
واعتبرت إيمان شريوي، المسؤولة بشركة زيبز المتخصصة في تكنولوجيا التحويلات المالية، أنه لا بد من تقنين صارم ومرن في الوقت ذاته لتطوير هذه المنظومة.
وأوضحت ضمن مائدة مستديرة خلال القمة المالية الأفريقية بمشاركة أكثر من ألف شخص من قادة القطاع المالي في القارة، وصناع القرار السياسي أن الزبائن والمتعاملين يعولون على الحلول والخدمات المبتكرة والموثوقة التي تقترحها تقنية فينتيك. وقالت خلال مداخلتها إن من يقول “موثوقة” يعني آمنة، ولا يمكن ضمان الأمان “دون الانضباط لقوانين دقيقة.”
وبحسب البيانات الرسمية يُقدر عدد الشركات الناشئة بالبلاد بنحو 380 شركة، وسط توقعات بأن يتضاعف عددها سبع مرات بحلول نهاية العقد الحالي.
ومن المتوقع أن تتضاعف تمويلاتها من 25.2 مليون دولار العام الماضي إلى 680 مليون دولار، مع بلوغ 10 شركات ناشئة تحقق إيرادات أكثر من 5 ملايين دولار في غضون عامين.
وأكدت وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة نزهة مزور أن بلدها سيسعى في إطار إستراتيجية المغرب الرقمي 2030 إلى دعم الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة في مجال الذكاء الاصطناعي التي تعمل في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية.
وإلى جانب ذلك، تعزيز جهود البحث والتطوير وتعزيز الابتكار في هذا المجال، كما سيتم تنفيذ أنشطة توعوية لدعم تحول السوق في ما يتعلق بالاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي.
وفي هذا الإطار، شدد بوعزة على أهمية توفير معلومات موثوقة ومتاحة، والتي تعد ضرورية لطمأنة البنوك وتعزيز منح القروض عبر منصات بيانات مركزية ومكاتب ائتمان. وحسب شريوي لا يمكن أن يضع المستهلكون أموالهم بين يدي شركات رقمية دون التحقق من المعالجة الآمنة والمضبوطة لهذه الأموال.
وترى أن التكنولوجيا المالية تخضع لنفس القوانين التي تخضع لها المؤسسات المالية التقليدية، لكنها عرضة لمخاطر أخرى تجهلها هذه الأخيرة على غرار الهجمات السيبرانية والاحتيال.
وفي تدخله اعتبر المهدي جاير، المسؤول بشركة هواوي الصينية، أنه في السياق الأفريقي، يبقى التحدي اليوم هو التضارب بين إرساء أنظمة متينة وصارمة من ناحية، والحفاظ على قابلية الابتكار من ناحية أخرى.
وقال “هناك جهات فاعلة تشعر بالقلق إزاء هذه المشكلة”، مقترحا لتجاوز هذه “الازدواجية” تعزيز التعاون بين مختلف الفاعلين، ولاسيما البنوك المركزية والفاعلين في مجال التكنولوجيا، وشركات التكنولوجيا المالية والمؤسسات المالية التقليدية.
كما أقر جاير بأن التنظيم والتقنين يطوران السوق، ضاربا المثال بأسواق أفريقية شهدت طفرة في المجال بعد تقنينها و”يكفي توجيهه في الاتجاه الصحيح ومساندة شركات التكنولوجيا المالية وكافة الفاعلين الماليين على استخدام التكنولوجيات الحديثة.”