سجال بين موسكو وطرابلس يعكس سعي الدبيبة للتنصل من الروس

الدبيبة يريد إبلاغ الغرب بأنه غير معني بالعلاقة مع موسكو، خاصة مع الحديث عن انتقال القوات الروسية في سوريا إلى ليبيا.
السبت 2024/12/14
هل حان الوقت لقطع العلاقة مع الروس

يحاول رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة التنصل من العلاقات التي ربطها مع الروس منذ وصوله إلى السلطة سنة 2021 في سياق ترتيب التوازنات الذي فرضته نتائج حرب طرابلس.

وافتعل الدبيبة أزمة مع موسكو بالقبض على أحد مواطنيها، في خطوة يبدو أن الهدف منها إبلاغ الغرب بأنه غير معني بالعلاقة مع موسكو، خاصة في ظل ما يتواتر من أنباء بشأن إمكانية أن تكون ليبيا بديلا للقوات الروسية في سوريا التي قد يطلب منها حكام دمشق الجدد الانسحاب في أي لحظة.

ودخلت سلطات طرابلس في سجال مع موسكو حيث حذرت السفارة الروسية رعاياها من زيارة ليبيا، خصوصا الجزء الغربي، سواء لأغراض شخصية أو للسياحة، مؤكدة استمرار التوصيات الصادرة منذ عام 2011 والخاصة بمنع السفر إلى ليبيا، في ما يبدو أنه جاء ردا على اعتقال مواطن روسي في طرابلس.

وما إن اطلعت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في حكومة الوحدة الوطنية الليبية على التحذير الروسي، حتى سارعت إلى إصدار بيان دعت فيه موسكو إلى تقديم توضيح حول دوافع هذا التحذير وأسبابه.

♣ موقف وزارة الخارجية في رده على البيان الروسي جاء مرتبطا بالسياق العام للأحداث في المنطقة ولاسيما بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد

وقالت الوزارة إن “الإجراءات المتخذة بحق أحد المواطنين الروس جاءت وفق القوانين الليبية وبالتنسيق الكامل مع مكتب النائب العام،” مشيرة إلى “تورط الشخص المقبوض عليه في أنشطة تهدد النظام العام وتستهدف الشباب الليبي، بالإضافة إلى ارتباطات بجماعات مسلحة أجنبية تنشط في أفريقيا،” في إشارة إلى مجموعة فاغنر.

وشددت الوزارة على أن “هذه الإجراءات تأتي في إطار الحفاظ على الأمن الوطني،” ورفضت أي “محاولات للإساءة إلى صورة الاستقرار الذي تحقق في ليبيا.” وأكدت أن “الحوار الدبلوماسي هو السبيل الأمثل لمعالجة القضايا بما يخدم المصالح المشتركة ويحترم السيادة الوطنية.”

ورغم الغموض الذي أثارته إشارة خارجية طرابلس إلى اعتقال مواطن روسي، إلا أنه أعاد إلى الأذهان قصة اعتقال مكسيم شوغالي وسامر سويفان، الروسيين العاملين في مؤسسة حماية القيم الوطنية، في طرابلس في مايو 2019 واتهامهما بـ”محاولة التأثير على الانتخابات المقبلة في ليبيا.”

وتحسنت العلاقات بشكل لافت بين طرابلس وموسكو خاصة خلال الأشهر الأخيرة حيث زار مسؤولون تابعون لحكومة الدبيبة روسيا في أكثر من مناسبة. وفي الثالث من يونيو الماضي أعلنت السفارة الروسية لدى ليبيا بدء العمل بشكل رسمي في القسم القنصلي بطرابلس، وحددت مواعيد عملها لتقديم خدماتها للمواطنين خلال أربعة أيام تبدأ من الاثنين حتى الخميس.

وكانت روسيا قد أعادت فتح سفارتها بالعاصمة طرابلس في فبراير الماضي، وذلك بعد سبعة أشهر من اعتماد المجلس الرئاسي أوراق السفير الروسي حيدر آغانين، فيما تخطط موسكو لافتتاح قنصلية عامة في بنغازي هذا العام.

♣ حكومة الدبيبة ترغب في إبلاغ العواصم الغربية، وخاصة واشنطن، بأنها غير معنية بالعلاقات مع موسكو أو بالوجود الروسي في ليبيا

ويرى مراقبون أن موقف وزارة الخارجية الذي تضمنه ردها على البيان الروسي جاء مرتبطا بالسياق العام للأحداث في المنطقة، ولاسيما بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا الذي لاقى ترحيبا كبيرا من سلطات غرب ليبيا وتيار الإسلام السياسي وأمراء الحرب الذين اعتبروا تطورات الأحداث في دمشق انتصارا لهم ولحليفيهم التركي والقطري على سلطات المنطقة الشرقية وحليفتها الأبرز موسكو.

وبحسب أوساط ليبية تضمنت مسارعةُ سلطات طرابلس إلى الترحيب بالانتقال السياسي في سوريا جملة من الأبعاد، من بينها ما يتعلق بالتوازنات السياسية في المنطقة. وتشير الأوساط ذاتها إلى أن حكومة الدبيبة ترغب في إبلاغ العواصم الغربية، وخاصة واشنطن، بأنها غير معنية بالعلاقات مع موسكو أو بالوجود الروسي في ليبيا الذي بات هناك من يتحدث عن إمكانية اتساعه بعد الإطاحة بنظام الأسد، ولاسيما إذا أقدم النظام الجديد على دعوة الروس إلى إخلاء قواعدهم في الأراضي السورية.

وكانت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في حكومة الوحدة الوطنية قد أصدرت بيانا أكدت فيه انحياز ليبيا التام لمطالب الشعب السوري وتطلعه إلى الحرية والعدالة ووقوفها المبدئي إلى جانب ثورته.

وأعربت الخارجية في بيانها “عن أمل دولة ليبيا في أن تُشكّل هذه التطورات انطلاقة حقيقية نحو بناء دولة مدنية ديمقراطية تُلبي آمال السوريين وتُحقق العدالة لجميع أبناء الوطن، مؤكدة دعمها الثابت لنضال السوريين المشروع ضد الاستبداد، ومعتبرة أن هذه المرحلة تعد تتويجا لمسار كفاح طويل من أجل الكرامة والحرية.”

وشدد البيان على ضرورة ضمان عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى ديارهم بكرامة وأمان، بما يكفل حماية حقوقهم ويعزز مسار المصالحة الوطنية العادلة التي لا تُغفل تضحياتهم. كما دعت وزارة الخارجية في بيانها إلى أهمية تهيئة الظروف الملائمة التي تتيح لهم المشاركة الفاعلة في إعادة إعمار وطنهم، بما يُسهم في تحقيق الازدهار والتنمية لسوريا حرة وعادلة.

1