قصر الشعب وسجن فلسطين والمقاومة.. مسميات خدعت السوريين

شعار محور المقاومة الذي تبناه الأسد مع إيران وضم حركات متعددة، هو واحد من الشعارات المضللة التي تبناها النظام السوري.
السبت 2024/12/14
قصر الشعب لا يعرفه الشعب

دمشق - في روايته الشهيرة “1984” كتب الروائي البريطاني جورج أورويل “أن الحرية هي العبودية والحرب هي السلام والجهل هو القوة” في صورة شعارات رفعها النظام الدكتاتوري وكررها بشكل مستمر من أجل غسل أدمغة شعبه وضمان ولائه.

ولم يكن أورويل يدرك أن روايته سوف تشكل منهج عمل للعديد من الأنظمة الدكتاتورية في العالم، وأن الشعارات التي نسبها إلى النظام الشمولي المفترض في روايته، لفضح الهوة الشاسعة بين الكلام المعسول والواقع المر، انتحلها نظام البعث السوري وسرق الفكرة ليمارس الخداع على المواطنين.

فالقصر الذي كان يقيم فيه بشار الأسد قبل فراره، والذي يعد من أسوأ حكام العالم في التنكيل بشعبه، أطلق عليه “قصر الشعب”، واكتمل بناءه عام 1990، والمفارقة لا تكمن فقط في تسميته، إنما في كلفة البناء الباهظة التي أصر عليها الأب حافظ الأسد، دون أن يثنيه الوضع الاقتصادي الصعب عن استكماله ليكون واحدا من أكبر القصور في المنطقة، وشاهدا على التناقض الفاضح بين التسمية الحالمة والواقع المؤسف.

وأطلق نظام الأسد الأب ومن بعده الابن اسم فلسطين على أحد السجون سيئة السمعة في دمشق وأنشئ في سبعينات القرن الماضي، وارتبط بعمليات اعتقال وتعذيب تعرض لها معارضون، واعتبره الكثير من السوريين رمزًا للقمع السياسي، وتكمن المفارقة في إعلان النظام السوري تضامنه مع القضية الفلسطينية.

وهناك شعار محور المقاومة الذي تبناه الأسد مع إيران وضم حركات متعددة، وهو واحد من الشعارات المضللة التي تبناها النظام السوري، إذ لم يقدم أعضاء المحور مبادرات جيدة تشير إلى دعم المقاومة، وكشفت تطورات الحرب الإسرائيلية الأخيرة على كل من قطاع غزة ولبنان نأي دمشق عن المقاومة.

نظام حزب البعث السوري سرق فكرة الروائي البريطاني جورج أورويل ليمارس الخداع على المواطنين

ولا يوجد تسجيل رسمي دقيق حول الشعارات الجوفاء في العالم، وكيف ومتى بدأت لكن يمكن بسهولة رصد أن أغلب هذه الشعارات ظهرت وعاشت في دول عربية، منذ حقبتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي اللتين شهدتا ازدهار شعار “أمجاد يا عرب أمجاد” الذي لم يكن هناك صوت يعلو عليه في مصر وسوريا والعراق، بينما كان الواقع العربي في تلك الحقبة بعيدا عن المجد.

وعانت مصر من هزيمة عسكرية قاسية عام 1967، وكانت سوريا والعراق غارقين في الانقلابات، حيث شهدت دمشق 5 انقلابات في الفترة بين عامي 1954 و1970، والأخير (انقلاب البعث في عام 1970،) قاده حافظ الأسد نفسه، بينما شهدت بغداد 3 انقلابات بين عامي 1958 و1968.

ولا يعرف ما إذا كان السياسيون العرب الذين يطلقون مثل هذه الشعارات قرأوا رواية جورج أورويل، مثلما لا يعرف ما إذا كان أورويل نفسه استقى فكرة الشعارات المزيفة من جوزيف غوبلز وزير الدعاية في حكومة ألمانيا النازية الذي كان أول من استخدم الدعاية الكاذبة كوسيلة للسيطرة السياسية في العصر الحديث، وينسب إليه قوله “اكذب كذبة كبيرة بما فيه الكفاية وسوف يصدقها الناس،” ونجحت خطته في توجيه أفكار الشعب للولاء الكامل للقائد النازي أدولف هتلر، وزرع العنصرية بين أفراده تجاه كل ما هو غير ألماني.

واعتمد االعقيد الراحل معمر القذافي في ليبيا اسم “الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى” لإقناع الناس بأنه حقق لهم ما لا يمكن لأي زعيم آخر تحقيقه، دون أن يهتم بأن الاسم الفخم لا يتضمن شيئا حقيقيا سوى كلمة ليبيا فقط وأنها عربية، فلم تكن البلاد لنحو 42 عاما جماهيرية أو شعبية أو اشتراكية، وبالتأكيد ليست عظمى.

وأطلق الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على حرب قوات التحالف الدولي ضده عام 1991 اسم “أم المعارك” وأطلق وزير إعلامه محمد سعيد الصحاف ليملأ أدمغة المواطنين بالأخبار الزائفة عن انتصار الجيش مثل قوله “نحن ننتصر في كل معركة، وسنطرد المعتدين من أرضنا” في حين كانت القوات العراقية تتعرض لهزائم.

التناقض بين الشعارات والواقع لم يقتصر على العرب فقط، وإنما امتد إلى معظم دول العالم الثالث

وكان صدام نفسه شريكا في إطلاق شعار آخر لم يكن له ظل في الحقيقة، حين أطلق على الجبهة التي شكلها مع قادة ليبيا والجزائر وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية ما كان يعرف بـ”جبهة الصمود والتصدي” لمواجهة إسرائيل ومعارضة اتفاقية كامب ديفيد للسلام التي وقعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1979، والتي لم تفعل شيئا مما حمله اسمها ثم تفككت بعد مصرع السادات في أكتوبر عام 1981.

ولحسن الحظ لم يقتصر التناقض بين الشعارات والواقع على العرب فقط، وإنما امتد إلى معظم دول العالم الثالث، وقبلها دول الكتلة الشيوعية التي كانت تثير السخرية بإصرارها على إضافة كلمة “ديمقراطية” بجانب اسمها مثل جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وهي دولة لم تكن فيها رائحة للديمقراطية، وحكمها حزب واحد هو حزب الوحدة الاشتراكية، وامتدت التسمية إلى دول أخرى مثل كوريا الشمالية واسمها الرسمي “جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية” بينما الحقيقة أن هناك حاكما واحدا ورأيا واحدا وقرارا واحدا، ولا يملك الشعب سوى السمع والطاعة.

وأطلق قادة الجيش في تركيا وباكستان مسمى “الجيش حامي الديمقراطية” بعد استيلائهم على السلطة في أكثر من مناسبة، وتذرع الجيش التركي بحماية العلمانية وإرث مصطفى كمال أتاتورك حينما نفذ 4 انقلابات في أعوام 1960 و1971 و1980 و1997، بينما لجأ الجيش الباكستاني إلى ترويج فكرة حماية الديمقراطية حينما انقلب في 3 مناسبات على الحكم المدني في أعوام 1958 و1977 و1999.

والمثير أن الشعوب صدقت أو تظاهرت بأنها صدقت تلك الشعارات ولم تنتبه لحقيقة أن إزاحة الحكم بأي طريقة غير الانتخابات تصرف لا يمت للديمقراطية بصلة.

والملاحظ أن الشعارات مرتبطة بالأنظمة الدكتاتورية التي تملك وسائل الإعلام والسياسيين وتزرع الأفكار من خلالهما في عقول الشعوب، لكن الكثير من الزعماء في دول غربية لجأوا إلى شعارات خادعة، مثلما فعل جورج بوش الابن حين أسبغ على غزوه العراق عام 2003 وصفا رومانسيا هو “عملية تحرير العراق”.

كما روج بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا السابق، وقت أن كان عمدة لندن وتزعم حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016، شعار “خذ السيطرة”، مبشرا الشعب بأن الخروج يعني استعادة السيادة البريطانية والتحكم في الأمور السياسية والاقتصادية، لكن الأيام أثبتت أن هذا لم يكن سوى شعار لم يراع التعقيدات الناجمة عن مغادرة الاتحاد الأوروبي.

6