رؤى سياسية متباينة تعقد إقرار تشريعات بالبرلمان المصري

الحكومة المصرية تصطدم بمطبات سياسية أثناء محاولتها تصويب بعض الإجراءات أو القرارات السابقة، ما يضعها في مواجهة مع أصحاب المصلحة.
الجمعة 2024/12/13
البرلمان يعج بمشروعات القوانين ويقوم بإدخال تعديلات كبيرة عليها

القاهرة- تصطدم بعض مشروعات القوانين التي قدمتها الحكومة المصرية للبرلمان المصري أخيرا باعتراضات من جانب أشخاص وكيانات تتأثر بها، ما يساهم في طول أمد النقاش حولها بمجلسي النواب والشيوخ، ويضع تمريرها الحكومة أمام مأزق آخر يجعلها كمن لا يعير اهتماما بالانتقادات، اعتمادا على أغلبيتها في البرلمان.

وتواجه الحكومة المصرية أزمة اعتراض اتحاد المهن الطبية ويضم نقابات (الأطباء البشريين وأطباء الأسنان والصيادلة والبيطريين)، على مشروع قانون المسؤولية الطبية الذي وافق عليه مبدئيا مجلس الشيوخ، بسبب تقنين الحبس في قضايا الخطأ الطبي وفي غير قضايا الإهمال الطبي الجسيم.

وقال مجلس اتحاد المهن الطبية في بيان له الثلاثاء، إن مبررات الحبس الاحتياطي غير متوفرة في القضايا المهنية، وهو أمر معمول به في معظم دول المنطقة، وأن مشروع القانون يدفع إلى هجرة المزيد من الأطباء بحثا عن بيئة عمل آمنة، ليسوا مهددين فيها بالحبس طوال الوقت.

وتجاوزت الحكومة العديد من المقترحات ومشروعات القوانين التي تقدم بها أعضاء بمجلس النواب لإقرار قانون للمسؤولية الطبية، ورغم أن ذلك مطلب رئيسي للأطباء غير أن مواده التي جاءت من وزارة الصحة تواجه اعتراضات منذ الكشف عنها قبل أيام، ما دفع نقابة الأطباء إلى التأكيد على أنها ستراعي أشكال التصعيد لرفض القانون.

وتكررت الأزمة الحالية مع قوانين أخرى، أبرزها قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذي مازال البرلمان يناقشه ويواجه صعوبة في تمريره لكثرة التعديلات التي جرى إدخالها على مسودة القانون.

ويواجه قانون الإجراءات الجنائية بصيغته الحالية اعتراضات واسعة من نقابات المحامين والصحافيين ونادي القضاة وعدد من المنظمات الحقوقية التي مازالت تنتقد القانون بشكل لاذع رغم تعديل العديد من مواده استجابة للمطالب النقابية.

عبدالمنعم إمام: القوانين تتأثر بوجود حكومة تكنوقراط ليس لها حس سياسي
عبدالمنعم إمام: القوانين تتأثر بوجود حكومة تكنوقراط ليس لها حس سياسي

وتعرض قانون العمل للمشكلة ذاتها، إذ اضطرت الحكومة إلى سحبه من البرلمان مرتين لإدخال تعديلات عليه ويواجه اعتراضات من النقابات العمالية المستقلة التي ترى أن القانون القديم الذي جرى إقراره قبل 20 عاما يتضمن مكاسب لهم لا يكفلها القانون الجديد، ويواجه تعثرا بسبب عدم منح العمال الفرصة للتعبير عن اعتراضاتهم على أوضاعهم المالية عبر حظر حق الإضراب عن العمل، ووجود توجس من أنه يخدم رجال الأعمال والمستثمرين على حساب العمال والموظفين.

ويرى مراقبون أن الحكومة التي تولي اهتماما بتعديلات تشريعية عديدة على قوانين لم يتم التطرق إليها منذ عقود وتهدف إلى مسايرة التطورات في مجالات مختلفة، تصطدم بمطبات سياسية أثناء تمرير القوانين، ما يضعها في مواجهة مع أصحاب المصلحة ممن يستفيدون من القوانين، وقد يكون هدفها تصويب بعض الإجراءات أو القرارات السابقة، غير أن حالة فقدان الثقة في نواياها الحقيقية نقل عدم الثقة للبرلمان عقب تمرير قوانين رآها مواطنون ضد صالحهم.

قال أمين سر لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان المصري عبدالمنعم إمام إن القوانين تتأثر بوجود حكومة تكنوقراط ليس لها حس سياسي يجعلها قادرة على التواصل المجتمعي مع أصحاب الفئات المختلفة وتضمن أن تحظى القوانين بالحد الأدني من موافقتهم عليها، وحينما تفكر الحكومة في عقد هذه اللقاءات فالاستعانة تكون بمن هم موالون لها، وتأخذ الانتقادات في التصاعد مع طرح مشروعات القوانين في البرلمان.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن البرلمان منذ بداية الفصل التشريعي الثاني الذي كان يعج بمشروعات القوانين وهو يقوم بإدخال تعديلات كبيرة على ما تقدمه الحكومة وتصل في بعض الحالات إلى تعديل 70 في المئة من عدد من القوانين، ما يجعلها تأخذ مدة زمنية أطول في النقاش ويتم إرجاء قوانين أخرى.

وأشار إلى أن غياب التواصل الحقيقي مع أصحاب المصلحة قبل إرسال القانون إلى البرلمان وعدم الاستعانة بمتخصصين في بعض المشروعات المقدمة وقلة الاهتمام الإعلامي بما يدور في البرلمان ساهم في تصاعد معدلات الأخطاء في بعض القوانين.

إيهاب منصور: الحكومة تصر أحيانا على وجهة نظرها مستفيدة من الأغلبية
إيهاب منصور: الحكومة تصر أحيانا على وجهة نظرها مستفيدة من الأغلبية

وتشير تعليقات عدد من النواب إلى أن القوانين بحاجة إلى إعادة صياغة، وأن وجود فقيه دستوري على رأس المجلس (المستشار حنفي الجبالي) يساهم في خروج القوانين بشكل منضبط في النهاية، لكن ذلك لا يلغي وجود مشكلات سياسية تفرزها عدم الدراسة الجيدة للقوانين من جانب الحكومة ورغبتها في تمريرها وفق رؤيتها فقط.

وشدد إمام في حديثه لـ”العرب” على أن المشكلات السابقة انحصرت في وجود قوانين منضبطة بينما هناك اعتراضات من نواب محسوبين على المعارضة، والدور الأساسي لنواب البرلمان كيفية الحفاظ على مسافة بين رغبات الحكومة وتطلعات أصحاب المصلحة بما لا يقوض عمل مؤسسات الدولة ويخصم من مكاسب المجتمع.

وتعكس القوانين وما تحمله من بنود وضعية سياسية عامة تبقى فيها دوائر حكومية أمام هواجس عدم قدرتها على السيطرة على النظام العام وتعبر عن فلسفة نظرتها للقضايا المجتمعية والسياسية واستمرار التضييق الذي يؤمن لها قدرة على الإمساك بزمام الأمور، غير أن توالي الانتقادات يجعلها أمام معارك سياسية مستمرة لتمرير رؤيتها.

أكد رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إيهاب منصور أن السبب الرئيسي وراء أزمات قوانين الحكومة يتمثل في الأداء الضعيف والأزمات التي تنتج عن التنفيذ السيئ لبعض القوانين التي ترى النور عقب إقرارها بشكل نهائي وإن كانت تلك القوانين جيدة في مجملها، وأن قانون التصالح في مخالفات البناء أكبر مثال على ذلك بعد أن جرى تمريره منذ خمس سنوات دون أن تتمكن الحكومة من تطبيقه مع رفضها تعديلات وعدت بتضمينها في اللائحة التنفيذية للقانون.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة تُصر في أحيان كثيرة على وجهة نظرها مستفيدة من الأغلبية البرلمانية التي تضمن لها تمرير القانون وتواجه بعد ذلك انتقادات سياسية وشعبية تجعل هذه القوانين غير مفعلة أو قد تقود إلى مشكلات أكبر، وتبقى الثقة مفقودة في عملها على تحسين الوضع القائم، وأن ذلك يدفع ثمنه البرلمان الذي يفتقد للتنوع وغير قادر على كسب ثقة المواطنين ومن المفترض أن يعبر عنهم.

2