المسرحي علي علاوي: الجامعات المغربية في حاجة إلى شعبة النقد الفني

يبدي المغربي علي علاوي جهودا مهمة تتنوع بين التمثيل والبحث الأكاديمي، يسعى من خلالها لدعم المسرح المغربي وحركة النقد المسرحي والفني عموما، حيث لا يكتفي بالنشاط الفني وإنما يشتغل على البحث والنقد والتوثيق، مشددا في حوار جمعه بـ”العرب” على أهمية أن يصبح النقد الفني شعبة تدرس في الجامعات المغربية.
الرباط - أعلنت وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة عن دعم محترف شامة للإبداع المسرحي لتنظيم لقاءات تواصلية وأكاديمية تحت عنوان “إنجاز البحث العلمي في المسرح المغربي المعاصر”، وذلك في دار الشباب ابن أحمد، ويتم تنظيم هذه الفعالية بالتعاون مع الفنان والباحث المسرحي علي علاوي، وقد لاقت الفكرة ترحيبا واسعا من المهتمين بالبحث العلمي المسرحي في المدينة.
ويعتبر هذا الحدث خطوة مهمة لزرع ثقافة الإبداع، خاصة في مدينة ابن أحمد التي لطالما كانت مركزا للإشعاع الثقافي في المغرب، إذ تسعى هذه اللقاءات إلى تعزيز الفهم الأكاديمي للمسرح المعاصر، وهو ما يعتبره العديد من المتابعين ضرورة لتوثيق تطور المسرح المغربي بشكل علمي وموضوعي.
في هذا السياق يوضح الممثل والباحث الأكاديمي علي علاوي لـ”العرب” أن البحث العلمي يكتسب أهمية كبيرة ويساهم بشكل مباشر في توثيق المسرح المغربي، ويضمن استمراريته من خلال جمع الدراسات النقدية وتحليلها، مؤكدا أن المسرح المغربي شهد في السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا جعل من الضروري توثيق هذا التطور بشكل علمي.
ويرى أن البحث العلمي يتفوق على النقد المسرحي حيث يضمن توثيق الأعمال بشكل أكثر شمولية وموضوعية، على عكس النقد الذي يركز على العرض المحدد، حيث يقدم البحث العلمي تحليلا أعمق لأبعاد المسرح المختلفة.
توثيق الأعمال المسرحية ليس مجرد توثيق لأحداث المسرح بل هو أيضا وسيلة لفهم تأثير المسرح على المجتمع والمشاهد
ويؤكد علاوي في حوار مع “العرب” أن البحث المسرحي في المغرب يواجه تحديات كبيرة وذلك بسبب حداثته في الساحة الأكاديمية وصعوبة في تقبل المجتمع الأكاديمي، خاصة في ظل تصادم هذا المجال مع توجهات أخرى قد تكون بعيدة عن الاهتمام العلمي، ويشير إلى أن هناك فرقا بين البحث الجامعي والنقد المسرحي، حيث يتطلب البحث الجامعي منهجيات صارمة بينما يركز النقد المسرحي على متابعة العروض وتقديم تحليلات لحظية لها، إلى جانب أن البحث العلمي المسرحي يتناول جميع جوانب المسرح بما في ذلك الفلسفة والترجمة المسرحية وهو ما يتيح تقديم رؤى جديدة ومبتكرة قد تغيب عن باقي المجالات.
ويشدد الباحث المغربي على أهمية الورشات المسرحية في مدينة ابن أحمد، حيث يعتبرها أداة رئيسية لتحفيز الشباب على التفاعل مع البحث العلمي في المسرح كونها تلعب دورا في جذب انتباه الجيل الجديد من الشباب وتوجيههم نحو أهمية البحث في هذا المجال. كما يعتبر دار الشباب في ابن أحمد المكان المثالي لتنظيم هذه الورشات حيث أنها تعد من أكثر الأماكن المناسبة لتعزيز الثقافة المسرحية لأن تنظيم هذه الفعالية في مسقط رأسه له طابع خاص فهو يعبّر عن التزامه بتطوير المسرح في المدينة التي نشأ فيها.
وينوه محدثنا بأن المسرح فن زائل بطبيعته وهو ما يجعل من الضروري توثيقه لضمان استمراره في الذاكرة الثقافية، والبحث العلمي هو الذي يضمن بقاء هذا الفن حيّا عبر توثيق الأعمال المسرحية وتحليلها بشكل علمي مما يساعد في فهمها بشكل أعمق، كما يعتبر أن هذه العملية ليست مجرد توثيق لأحداث المسرح بل هي أيضا وسيلة لفهم تأثير المسرح على المجتمع والمشاهد.
وفي حديثه عن المسرح المغربي، يؤكد الباحث أنه لا يمكن اختصاره في اللغة أو المواضيع التي يناقشها فقط بل هو فن شامل يتجاوز اللغة إلى العرض البصري والسمعي، وهذا هو ما يميز المسرح المغربي عن غيره من المسارح، فهو يتميز بتنوعه وانفتاحه على جميع المواضيع واللغات، وهذا ما يجعله قويا ومرنا في مواجهة التحديات، مشددا على أن هذا التنوع هو ما يجعل المسرح المغربي يتمتع بشعبية كبيرة على المستويين المحلي والعالمي.
ويؤكد علاوي أن التراكم الفكري والمعرفي هو ما يساهم في تحسين المسرح وتطويره، إذ يعتقد أن هذا التراكم يتيح للمسرحيين والمبدعين تجربة رؤى وأساليب جديدة باستمرار، وهو ما يعزز من جودة العروض ويعطي للمسرح المغربي تميزا عن باقي المسارح العربية، وهذه العملية لا تحدث بين ليلة وضحاها – كما يقول – بل هي نتيجة لجهود مستمرة من البحث والابتكار.
المسرح المغربي يتميز عن غيره بانفتاحه على جميع المواضيع واللغات وهذا ما يجعله مرنا في مواجهة التحديات
وتناول الممثل المغربي في حواره مع “العرب” دور الورشات المسرحية في تعزيز الثقافة المسرحية، حيث أكد أن الهدف الرئيسي من هذه الورشات هو نشر الوعي بأهمية البحث العلمي المسرحي في الأوساط الفنية والشبابية، مشيرا إلى أن الورشات توفر فرصة للمشاركين للتفاعل مع المفاهيم البحثية وتطبيقها عمليا، ليساعد في تطوير المشهد الثقافي والفني في المغرب، فهذه الورشات تمثل بداية لمرحلة جديدة من التعاون بين الأكاديميين والمبدعين في مجال المسرح، وهو ما يعتبره خطوة إيجابية نحو توطين البحث العلمي المسرحي في المغرب.
ويركز علاوي على دور البحث العلمي في تطوير مستوى العروض المسرحية، لأنه يوفر أدوات جديدة للمبدعين لتحليل أعمالهم، ويساعد في فتح نقاشات حول الجوانب غير المرئية في العروض المسرحية، وهو ما يساعد المبدعين على تحسين أعمالهم. كما يعتبر أن البحث العلمي هو المحرك الأساسي للنقد المسرحي حيث يساهم في تقديم ملاحظات هامة حول العروض والأساليب المستخدمة.
أما عن رؤيته لمستقبل البحث المسرحي في المغرب، فيدعو علاوي إلى ضرورة إنشاء شعبة خاصة بالنقد المسرحي في الجامعات المغربية، بينما يعتقد أن وجود مثل هذه الشعبة سيسهم بشكل كبير في تدريب الباحثين على أصول النقد المسرحي وتوفير الأدوات اللازمة لهم لإجراء دراسات نقدية مؤثرة، مشيدا ببعض الباحثين المغاربة الذين يساهمون في هذا المجال مثل الدكتور خالد أمين والدكتور فهد الكغاط، معتبرا أن هؤلاء الباحثين يمثلون ركيزة أساسية في تطوير البحث المسرحي في المغرب.
وعلي علاوي هو فنان وباحث مسرحي وعضو باحث بمختبر السيميائيات وتحليل الخطابات الأدبية والفنية بكلية بنمسيك للآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وخريج المعهد العالي للموسيقى والفن الدرامي بالدار البيضاء، وحاصل على الإجازة في الفلسفة في موضوع “فلسفة العبث ومسرح اللامعقول”، ودرجة الماجستير في الفلسفة والمجتمع في موضوع “التراجيديا عند نيتشه”، وهو يعد الآن أطروحة دكتوراه في موضوع “فلسفة المسرح: نحو تفكيك آليات الفكر المسرحي العربي” تحت إشراف الدكتور عبداللطيف محفوظ والدكتور السعيد لبيب.
حصل على الجائزة الأولى في مسابقة الهيئة العربية للمسرح للبحث العلمي المسرحي، دورة القاهرة عام 2019 وعلى نفس الجائزة والرتبة في عام 2021، وشارك كممثل في العديد من الأعمال المسرحية المغربية المحترفة مثل مسرحية “جيل شو” إخراج بوسرحان الزيتوني، و”الحر بالغمزة”، و”الزين اللي فيه”، و”عينك ميزانك”، و”كلام الليل” تأليف وإخراج إسماعيل بوقاسم.