مطالب نقابية في المغرب باستئناف عمل مصفاة سامير لتكرير البترول

الرباط - إثر حسم المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في قضية التحكيم بين الحكومة المغربية ومجموعة “كورال موروكو القابضة” على قضية المصفاة المغربية للبترول “سامير”، بإصداره قرارا نهائيا بتاريخ 6 نوفمبر الماضي، بموجبه يدفع المغرب 150 مليون دولار لفائدة مجموعة كورال، طالبت الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل الحكومة بضرورة العودة لتكرير البترول بالمغرب وتسريع استئناف أنشطة هذه المنشأة العمومية.
واعتبرت النقابة في مراسلة للحكومة المغربية، أنه لم يعد هناك ما يبرر استمرار التهرب من مسؤولياتها في حسم نشاط هذه المؤسسة الحيوية للاقتصاد المحلي وفق ما يحفظ المصالح والحقوق المتعلقة بهذا الملف، مبرزةً أن الصعوبات في التفويت القضائي، منذ 2016 حتى اليوم، تعود بالأساس إلى غياب الموقف الواضح للحكومة من مستقبل الطاقات البترولية وصناعات التكرير.
وأكدت المراسلة الموجهة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش أن “الطاقة البترولية تشكل أزيد من 50 في المئة من مزيج الطاقة للمغرب،” موضحةً أن “المصفاة المغربية ما زالت قادرة على استئناف الإنتاج وتلبية أكثر من 67 في المئة من الحاجيات الوطنية واسترجاع الفوائد الضائعة في سيادة الطاقة والميزان التجاري والشغل والتنمية المحلية والجهوية وغيرها.”
ولفتت الهيئة النقابية ذات التمثيلية الواسعة إلى أن المماطلة في إحياء الشركة المغربية لصناعة التكرير سيزيد في حجم الخسائر الجسيمة التي يتكبدها المغرب، مؤكدة أنه قد يصل الأمر إلى حد فقدان الأمل واستحالة إنقاذ الأصول المادية للشركة وللثروة البشرية التي تزخر بها، خصوصا وأن الاقتصاد الوطني تكبد أكثر من 10 ملايين دولار منذ إغلاق المصفاة سنة 2015.
وكان المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار قد رفض غالبية مطالب مجموعة “كورال موروكو القابضة” التي تقدر بـ 2.7 مليار دولار، ومنحها تعويضا بقيمة 150 مليون دولار فقط، أي أقل من 6 في المئة من المبلغ الذي كانت المجموعة قد طالبت به.
وأوضح الحسين اليماني، الكاتب العام للكونفيدرالية الديمقراطية للبترول والغاز أنه “بهذا الحكم ستنتفي نهائيا كل الذرائع التي تتحجج بها الحكومة، للتنصل من مسؤوليتها في العمل على إنقاذ المصفاة المغربية للبترول واستئناف نشاطها، حتى يستفيد المغرب من المكاسب التي توفرها هذه الصناعات.”
وأكد لـ”العرب” على “ضرورة إنقاذ المصفاة وذلك لتعزيز أمن الطاقة وتخفيض أسعار المحروقات والحد من تبذير العملة الصعبة واسترجاع المال العام العالق في مديونية الشركة، في ظل النتائج الكارثية لتحرير سوق المحروقات وغلاء أسعارها، بالإضافة إلى الوضع الإقليمي والدولي المضطرب.”
ونبه اليماني إلى أنه “بعد تسع سنوات على تعطيل تكرير البترول بمصفاة المغرب (سامير) دخلت الشركة، مرحلة التلاشي والتآكل لمعداتها المادية وتناقص ثرواتها البشرية، وهو ما يرفع مبالغ الصيانة والتأهيل ويدفع الوضعية إلى مستوى الصعوبة والتعقيد لاستئناف الإنتاج مستقبلا.”
كما شدد الحسين اليماني على أن “المغرب يجب أن يوفر المخزون الوطني من المواد النفطية (لأكثر من ستين يوما) لأننا نعيش ظرفية عالمية صعبة، ليس فقط بسبب التوترات والنزاعات الدولية، بل أيضا نتيجة تغير الظروف المناخية، حيث يمكن أن يمنع علو أمواج البحر السفن المحملة بالمواد النفطية من الرسو في الموانئ.”
الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل ترى أن المماطلة في إحياء الشركة المغربية لصناعة التكرير سيزيد في حجم الخسائر الجسيمة التي يتكبدها المغرب
وكان نواب برلمانيون قد تقدموا بمقترح قانون لم يتم تفعيله، ينص على أن تُفوت لحساب الدولة المغربية جميع الأصول والممتلكات والعقارات والرخص وبراءات الاختراع المملوكة للشركة المغربية لصناعة التكرير (سامير)، مطهرة من الديون والرهون والضمانات، بما فيها الشركات الفرعية التابعة لها والمساهمات في الشركات الأخرى.
وقالت فاطمة التامني النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي إن “هذا المقترح يأتي من أجل المصلحة العليا لبلدنا والتي تقتضي ضمان التزويد المنتظم بمواد الطاقة ولاسيما المواد البترولية التي تستورد كلها من الخارج، وتفويت شركة سامير لحساب الدولة المغربية سيحقق مكاسب مالية واقتصادية واجتماعية مهمة للمغرب.”
وتسعى نقابات وأحزاب سياسية لإنقاذ هذه الشركة، المتواجدة بمدينة المحمدية، من سيناريو التلاشي والاندثار، وهو ما يتطلب الإصلاح واستئناف النشاط الطبيعي لها في تكرير النفط الخام وتخزين المواد البترولية لضمان المحافظة على المكاسب التي توفرها.
وحتى لا تبقى هذه المصفاة مغلقة، أكدت معطيات الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، أن المصفاة ستكون جاهزة بعد 8 أشهر من الإصلاحات التقنية، بميزانية تناهز ملياريْ درهم، لتوفير 67 في المئة من حاجيات المغرب من المواد النفطية (الغازوال والبنزين والكروزين والفيول)، مع فائض للتصدير يقارب مليونيْ طن سنويا من المنتوجات نصف المصنعة ولاسيما المستعملة كمادة أولية في الصناعات البتروكيماوية.
ويرى خبراء الطاقة أن غياب صناعة محلية لتكرير البترول يزيد من فاتورة الطاقة لاستيراد المحروقات بما يناهز 16 مليار درهم سنويا، وأنه منذ بدء الحرب الروسية – الأوكرانية تضاعفت هوامش تكرير البترول ثلاث مرات، مما جعل فارق الثمن بين السلعة الخام والمصفاة قد يصل إلى 2 درهم، مشددين على أهمية صناعات التكرير في تعزيز سيادة الطاقة وتطوير الصناعة الوطنية المنتجة للشغل والثروة.
وفي الإطار ذاته، دعت الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل إلى “ضرورة تمتيع الأجراء والمتقاعدين بكل حقوقهم المهضومة في المعاشات والأجور (عدم أداء اشتراكات التقاعد منذ 2016 وخصم أكثر من 40 في المئة من الأجور وتجميدها)، مشددةً على أهمية المحافظة على الثروة البشرية والرأسمال اللامادي للشركة المغربية لصناعة التكرير واحترام مقتضيات الاتفاقية الجماعية للشغل في ظل استمرار عقود الشغل وفق الأحكام الصادرة عن المحكمة التجارية للدار البيضاء.”