أطفال المغرب ضحايا التحرش السيبراني

توصية بإدماج التربية الرقمية في المناهج الدراسية وتشديد الوالدين لرقابتهما على الأطفال.
الاثنين 2024/11/25
استدراج الأطفال سهل على المتحيّلين

أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي بضرورة تشديد الرقابة على الأطفال الذين يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي من قبل آبائهم، داعيا إلى إدماج التربية الرقمية في المناهج الدراسية في سن مبكرة. ويتعرض الأطفال في المغرب إلى التحرش الجنسي والاستغلال والابتزاز نظرا لعدم معرفتهم بالتعاملات الرقمية إضافة إلى تعرضهم لاضطرابات النوم والأكل والدخول في نزاعات مع الأهل والأصدقاء.

الرباط ـ كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة دستورية) ارتفاع حالات تعرّض الأطفال المغاربة الذين يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي لاضطرابات النوم، ودخولهم في نزاعات مع الأسرة والأصدقاء، فضلاً عن وقوعهم ضحايا للتحرش السيبراني ولرسائل مهينة على الإنترنت، مُوصياً بتحديد سن الرُشد الرقمي وإدماج التربية الرقمية في المناهج الدراسية في سن مبكرة، مع تشديد الرقابة على الأبناء من قبل الوالدين.

واستند المجلس، في تقرير تحت عنوان “من أجل بيئة رقمية دامجة توفر الحماية للأطفال”، إلى بحث أُجري مؤخراً على 1293 طفلاً وشاباً مغربياً تتراوح أعمارهم بين 8 و28 عاماً، بيّن أن “80 في المئة من الأطفال والشباب في المغرب يستعملون الإنترنت، و70 في المئة منهم يلجأون إلى شبكات التواصل الاجتماعي، و43 في المئة من هذه العينة يعانون من اضطرابات النوم ويهملون هذه الحاجة الأساسية، بالإضافة إلى الأكل، بينما دخل 35.6 في المئة في نزاعات مع أسرهم أو أصدقائهم، فيما عانى 41.5 في المئة منهم تعثراً في نتائجهم الدراسية.

وعدّ المجلس أن “الأخطر من ذلك أن ثلث هؤلاء الشباب صرحوا بتعرضهم للتحرش السيبراني،” مُبرزاً في معطيات تفصيلية مستقاة من البحث عينه أن من تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة هم الأكثر تعرضا لهذا النوع من العنف، إذ يمثلون 59 في المئة من حالات التبليغ بـ”منصة فضاء مغرب الثقة السيبرانية”، يليهم البالغون من 26 سنة فأكثر بـ28.40 في المئة من التبليغات، “أما المراهقون ما بين 13 و17 سنة والأطفال من 5 إلى 12 سنة، وحتى وإن كان عددهم أقل بكثير، فهم أيضا عرضة لهذه التهديدات.”

وبشأن خطر ارتفاع احتمال تعرض نسبة مهمة من الأطفال والشباب لمخاطر مرتبطة بالاستغلال الإجرامي للمعطيات الشخصية، على غرار الاحتيال والنصب والقرصنة وسرقة الهوية، بيّنت المعطيات التي استند إليها رأي المجلس أن 40 في المئة من هؤلاء يشاركون معطياتهم الشخصية مع أشخاص لا يعرفونهم، و40 في المئة منهم كذلك لا يعرفون كيفية تغيير إعدادات الخصوصية، بينما “20 في المئة لا يعرفون التمييز بين ما يمكن تقاسمه وما لا يمكن”.

80  في المئة من الأطفال والشباب في المغرب يستعملون الإنترنت 35 في المئة منهم دخلوا في نزاعات مع أسرهم أو أصدقائهم
◙ 80  في المئة من الأطفال والشباب في المغرب يستعملون الإنترنت 35 في المئة منهم دخلوا في نزاعات مع أسرهم أو أصدقائهم

وأمام المخاطر التي يتعرض لها الأطفال على شبكات التواصل الاجتماعي يبقى لجوء الوالدين إلى آليات الرقابة الرقمية هامشيا، وفق رأي المجلس، نافياً أن تكون الكلفة السنوية لهذه الخدمة البالغة 100 درهم سنويا أو 10 دراهم شهريا “عائقا أساسيا لاستعمالها،” ومُبرزاً أن الأمر راجع، حسب ترجيح خبراء، إلى “غياب الوعي لدى الوالدين بالمخاطر المرتبطة باستعمال الأطفال للإنترنت، وعدم إدراكهما بشكل كاف مزايا هذه الحلول الرقمية”.

وهناك مسؤولية كبيرة على الأسر، التي يتعين عليها فرض رقابة ذاتية على الأطفال وتوعيتهم وتحسيسهم بمخاطر المواقع المهددة لهم، لهذا أكد حسن خرجوج، باحث في التطوير الرقمي والمعلوماتي، لـ”العرب”، أنه رغم استخدام منصات التواصل الاجتماعي تقنية التحقق من العمر، إلا أن “استخدام الأطفال القصر لمنصات التواصل الاجتماعي لا يزال مرتفعا، عدا أن استخدام التقنية تطرح إشكالية حماية خصوصية المستخدمين”.

ووعيا منها بأهمية دور الأسر، إلى جانب باقي الفاعلين، في حماية الأطفال من مخاطر الإنترنت، أعدت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، بالتعاون مع اليونيسيف، “دليل الأسر لحماية الأطفال من مخاطر الإنترنت”، في إطار تفعيل الهدف الإستراتيجي الرابع للسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة 2015 – 2025 والمتعلق بالنهوض بالمعايير الاجتماعية الحمائية للأطفال. ويسعى هذا الدليل إلى تعزيز معارف وكفاءات الأسر لمواكبة أنشطة أطفالهم على الإنترنت، والتعريف بسبل الوقاية، والتعريف بمحركات البحث الملائمة للأطفال، مع التعريف بتطبيقات الحماية المتوفرة.

ويقول خبراء في علم النفس التربوي إنه على قدر منافع الإنترنت في تطوير قدرات ومهارات الأطفال، إلا أن هناك مخاطر عليهم. وهي مخاطر قد تهدد سلامة الطفل، وقد تعرضه للإساءة أو العنف أو الاستغلال، كما قد تعرضه للإدمان، مما ينعكس على صحة الطفل ونموه الجسدي والعقلي وتوازنه العقلي. وتزداد فرص التعرض لهذه المخاطر في حالة غياب الوعي بها وعدم اتخاذ التدابير الاحترازية.

من جهته حذّر رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق المستهلك علي شتور من تهاون الأسر في فرض الرقابة على استعمال أطفالها لشبكة الإنترنت الآخذة في التطور، والتي تحمل “بين طياتها بعض الإيجابيات، لكن السلبيات أكثر بكثير، إن لم يحسن استخدامها بالشكل المطلوب، فهي تتربص بعقول الأطفال، وتؤثر على حياتهم اليومية خصوصا وأنهم يستخدمونها بعيداً عن أنظار أسرهم، في تجاهل تام لما يحدث من مشاكل، قد تكون أقرب إلى الإدمان”.

وقدّم المجلس جُملة من التوصيات، على رأسها “تحديد سن الرشد الرقمي، أي إرساء السن التي يمكن للطفل الولوج فيها إلى شبكات التواصل الاجتماعي، مع اتخاذ تدابير تقييدية للمنصات، مثل الالتزام برفض تسجيل القاصرين دون موافقة الوالدين”.

◙ أمام المخاطر التي يتعرض لها الأطفال على شبكات التواصل الاجتماعي يبقى لجوء الوالدين إلى آليات الرقابة الرقمية هامشيا

وعلى المستوى التربوي دعا المجلس إلى “إدماج التربية الرقمية في المناهج الدراسية منذ سن مبكرة، مع التركيز على تطوير الروح النقدية الخطيرة بغية ضمان استجابة سريعة وناجعة للتهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي، والتحقق من المعلومات،” مُوصياً بـ”تحسيس منتجي المعلومات بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم بخصوص مكافحة الأخبار الزائفة، لاسيما من خلال تنظيم حملات توعية موجهة للوالدين والمستعملين بشأن المخاطر المرتبطة بشبكات التواصل الاجتماعي، وتشجيع اعتماد آليات الرقابة من الوالدين”.

ويستمر الاتجاه نحو تقييد استخدام القاصرين لوسائل التواصل الاجتماعي على المستوى العالمي، من خلال إعلان العديد من الحكومات عزمها فرض حد أدنى لاستخدام الشبكات الاجتماعية داخل بلدانها؛ وآخرها البرلمان وحكومة أستراليا، التي أكدت على لسان رئيس وزرائها إعدادها مشروع قانون يمنع الأطفال دون سن 14 عاما أو 16 عاما من استخدام فيسبوك وتيك توك وإنستغرام، واستحسن البرلمانيون تحديد سن قانوني لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي واستعدادهم لمناقشة إمكانية سن المغرب نصا تشريعيا في هذا الإطار خلال الدخول البرلماني المقبل، بعد تبديد هواجس صعوبة التقنين.

وأبرز المجلس الاقتصادي والاجتماعي ضرورة ملاءمة الإطار القانوني الوطني مع المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، بما يواكب الديناميكيات المطردة للبيئة الرقمية، لاسيّما ما يتعلق بـ”توصيف الجرائم المرتكبة على الإنترنت وتوضيح المسؤوليات بالنسبة إلى المتعهدين في مجال الاتصالات، وتحديد القواعد المؤطرة لاستعمال شبكات التواصل الاجتماعي من طرف الأطفال”.

وعلى المستوى المغربي أكد إدريس السنتيسي، رئيس فريق الحركة الشعبية بمجلس النواب، على وعي حزبه وفريقه النيابي بالانعكاسات السلبية لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي على جل مستخدمي المحتويات المهددة للأسرة والمجتمع، موضحا أن منع تتبع مثل هذه المحتويات يحتاج إلى جانب نص تشريعي أن تكون هناك إرادة سياسية حكومية مع تسهيل الجوانب التقنية للتعامل مع هذه المحتويات الضارة، خصوصا وأن الفصل 71 من الدستور يجعل نظام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من اختصاص القانون.

وأورد الخبير في التطوير الرقمي والمعلوماتي، في تصريح لـ”العرب”، أن المغرب “بإمكانه سن نص تشريعي يحدد السن القانوني لاتصال الأطفال المغاربة بهذه المنصات، ما سيمكن من حماية الأطفال القاصرين من مضار الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي ومصايد الاستدراج إلى الأفكار المتطرفة والاعتداءات الجنسية، إلا أن الإشكال الذي قد يطرح هو مدى قدرته على توفير الوسائل التقنية اللازمة لتطبيق هذا الحد،” مشيرا إلى أن “شركات منصة التواصل الاجتماعي بدورها ستشترط لضمان الالتزام بهذا الحد توفير موارد بشرية قادرة على الفلترة والمعالجة وخوادم أمنية لحماية خصوصية المستخدمين،” مؤكدا أن تنفيذ هذين الشرطين يتطلب رصد موارد مالية مهمة.

وأوصى المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، بـ”تعزيز التعاون بين السلطات الحكومية والمنصات الرقمية بغية ضمان تأمين أمثل للفضاء الرقمي، لاسيما عبر تحديد بروتوكولات واضحة وسريعة للإبلاغ عن المحتويات غير الملائمة أو الخطيرة ومعالجتها كالتحرش الإلكتروني، والمحتويات العنيفة.”

16