انتخابات طلاب الجامعات استحقاق خال من المنافسة في مصر

القاهرة - بدأت الجامعات المصرية في إجراءات عقد الانتخابات الطلابية مع فتح باب الترشح والإعلان عن الكشوف المبدئية، الأحد، وسط أجواء غلب عليها طابع كرنفالي لحشد الطلاب للتصويت في اقتراعات شهدت السنوات الماضية عزوفا من المرشحين والناخبين في عدد من الجامعات، ما قاد إلى تزايد التعيينات بالتزكية وتحول انتخابات كانت تحظى باهتمام سياسي إلى روتين سنوي ينتهي بفوز قوائم مدعومة من الحكومة.
وتوالت المطالبات الحقوقية والشبابية لطلاب الجامعات للمشاركة في الانتخابات وتشجيعهم، ترشيحا واقتراعا، ما يشير إلى أن دوائر حكومية ترى العزوف التام عن المشاركة في الجامعة له انعكاسات سلبية على أوضاع المجتمع والحياة السياسية.
ودعا مجلس الشباب المصري (حقوقي) ويرأسه عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) محمد ممدوح جميع الطلاب في الجامعات المصرية للمشاركة الفاعلة في انتخابات اتحاد الطلاب من خلال الترشح أو التصويت، باعتبار أن المشاركة نموذج مصغر لممارسة الديمقراطية داخل الجامعة، ما يسهم في تعزيز الوعي السياسي والمجتمعي لدى الطلاب وتحمل المسؤولية في المستقبل.
واستخدم عدد من رؤساء الجامعات خطابات تشجيعية للتأكيد على أن الانتخابات سوف تتسم بالنزاهة والشفافية وفتح مجال المنافسة بين الطلاب، وبدا أن دوائر حكومية اطمأنت لعدم وجود تأثير لطلاب جماعة الإخوان المسلمين المصنفة في مصر تنظيما إرهابيا بعد أن سيطرت على الاتحادات الطلابية سنوات طويلة قبل حظر كل من ينتمي للجماعة، وإصدار قرارات تحظر ممارسة العمل السياسي داخل الجامعة.
وتسيطر على الانتخابات الطلابية قوائم “طلاب من أجل مصر”، ولم تعد لدى الأحزاب السياسية قدرة على الوصول إلى مناصب قيادية مع وضع قوانين وضعت شروطا للترشح، وتدخل الطعون لإقصاء أسماء تقدمت بالترشح في السنوات الماضية.
وبعثت الحكومة إشارات في الانتخابات السابقة بأن الممارسة السياسية ليس مكانها الجامعة، وأن توجيهها نحو قبول الكوادر الحزبية الشبابية في تنسيقية شباب الأحزاب التي دشنت منذ ست سنوات، أي بعد أقل من عام على إصدار اللائحة الطلابية الجديدة التي ألغت لائحة اتحاد الطلاب واكتفت باتحادات الكليات والجامعات وحظرت عدم انتماء المرشحين “لأيّ تنظيم أو كيان أو جماعة إرهابية مؤسسة على خلاف القانون.”
ويقول مراقبون إن محاذير ممارسة العمل السياسي داخل الجامعة التي جرى وضعها عقب ثورة يونيو 2013 التي أزاحت الإخوان عن السلطة ليست لها أهمية حاليا، لأن الحكومة استطاعت القضاء على جماعات الإسلام السياسي، وفي حاجة إلى تقديم كوادر تسلك طريقها السياسي من الجامعة. وشكّل طلاب الجامعات في خمسينات القرن الماضي وستيناته وسبعيناته نواة لتكتلات سياسية مختلفة، ثم التعدد الحزبي في عصر الرئيس الأسبق أنور السادات.
ولا يخدم الارتكان للخواء السياسي داخل الجامعة حاليا سلطة تسعى لتحصين أفكار الأجيال الصاعدة مع تذمرها من نشر الشائعات والأكاذيب التي تستهدف إرباك الوضع الداخلي، خاصة أن الجهات المسؤولة عن تأهيل الشباب لم تقم بدورها، وفي مقدمتها وزارة الشباب والرياضة التي حظرت ممارسة السياسة داخل مراكز الشباب ووأدت مبادرات رمت لتثقيف الشباب، ما زاد الفجوة بين شريحة من الشباب والسلطة.
وشكل اختراق تنظيم الإخوان لبعض الأسر الطلابية في الجامعة هاجسا لحكومات مصرية متعاقبة، وسط مخاوف من توظيف التمرد لدى الشباب لتعقيد المشهد السياسي، وهو أمر تضررت منه الأحزاب الرسمية التي وجدت نفسها غير قادرة على الحركة بشكل طبيعي داخل الجامعة أو عبر الممارسة السياسية الطبيعية.
وقال رئيس الحزب الاشتراكي المصري (معارض) أحمد بهاء الدين شعبان إن التدخلات الحكومية في انتخابات اتحادات الطلاب تتعلق بإرث تاريخي، وإن انتفاضة الطلاب في سبعينات القرن الماضي ضاعفت الهواجس الحكومية تجاه أيّ حراك سياسي في الجامعة، ولم تعد الاتحادات الطلابية ذات قيمة سياسية وتحوّلت إلى حفلات للترويح عن الطلاب بعيداً عن الاهتمام بالقضايا الوطنية الحقيقية.
وأشار بهاء الدين شعبان في تصريح لـ”العرب” إلى أن السلطة تعاملت مع الانتخابات الطلابية على أنها حركة سياسية معادية، وهذه رؤية لم تختلف على مدار أكثر من نصف قرن، والآن بات ذلك يهدد تحويل الجامعات إلى أماكن للحصول على الشهادات وتفريغها من قيم الانتماء الحقيقية للدولة والمجتمع، وهناك أجيال ليس لديها شعور بالمسؤولية وتضاعف معدل العنف بسبب المشكلات الشخصية بين الطلاب في الجامعة.
وذكر أن ما حدث في الجامعة انعكس على هيئات وتنظيمات المجتمع المدني بما فيها الأحزاب السياسية، ويغيب عن السلطة المصرية أن الأجيال الحالية ستؤول لها مهمة القيادة في المستقبل، في ظل حالة خواء فكري سوف تكون له تأثيرات على قدرة هؤلاء على التعامل مع أزمات البلاد في المستقبل.
ورغم أن لائحة الترشح الحالية لانتخابات اتحادات الطلاب لم تحظر ترشيح الطلاب الذين لهم انتماءات حزبية، غير أن السنوات الماضية كانت شاهدة على شكاوى عدة من بعض الطلاب لاستبعادهم من الانتخابات نتيجة توقيع عقوبات تأديبية عليهم جراء تطبيق قرارات حظر العمل السياسي بالجماعة، وبالتالي حرمانهم من المشاركة.
وشملت شروط الترشح أن يكون الطالب مستجدا في فرقته، وله نشاط موثق،ومحمود السيرة وحسن السمعة، وألا يكون قد وقع عليه جزاء تأديبي، أو حكم عليه في عقوبة جنائية مخلة بالشرف والأمانة ما لم يكن رد إليه اعتباره، وألا يكون منتميا إلى أيّ تنظيم أو كيان أو جماعة إرهابية مؤسسة على خلاف القانون.
وشدد أحمد بهاء الدين شعبان في حديثه لـ”العرب” على أنه لا بديل عن ترك مساحات من الحرية للطلاب، وأن تجربة السنوات الماضية التي اعتمدت على تدشين كيانات تدعم الشباب سياسيا لم تحقق المرجو منها، حيث جاءت في مناخ غير موات، وهناك فرصة لاستغلال طاقات أكثر من 60 مليون شاب يتواجد بعضهم في الجامعات، مع تقديم الدعم والإلمام بالتطورات وخلق جيل له ثقافة تمكنه من التعامل مع التحديات.