ما بدأته باكو.. هل توضع خاتمته في باكو

نسمات بحر قزوين الباردة ودرجة الحرارة التي كانت صباح الثلاثاء في باكو 11 درجة مئوية، لم تنسيا المؤتمرين أن شهر أكتوبر 2024 سجل ثاني أعلى درجة حرارة في تاريخ الشهر.
الخميس 2024/11/14
ماذا لو فشل مؤتمر كوب 29

منطقة بيبي هيبات بالقرب من باكو قد تكون مجهولة، رغم أنها شهدت عام 1846 أهم حدث اقتصادي سيكتب له أن يغير العالم لاحقًا. في ذلك العام، وفي تلك البقعة، تم حفر أول بئر نفط في العالم، مشكلة تلك البئر البداية الفعلية لصناعة النفط الحديثة.

وإذا علمنا أن النفط، إلى جانب الفحم الحجري والغاز الطبيعي، يُعتبر أكبر متسبب في تغير المناخ، وهذه المصادر الثلاثة مسؤولة فيما بينها عن أكثر من 75 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة، سندرك مدى رمزية اختيار عاصمة أذربيجان، باكو، لعقد مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (كوب 29).

بعد أكثر من 150 عامًا، يكتشف العالم أن الحدث الاقتصادي الأهم عالميًا سيكون المسؤول عن أكبر ضرر لحق بكوكب الأرض، وقد يؤدي إن لم يتم تدارك الأمر إلى دمار الجنس البشري. وهذا يفسر حرص 200 دولة على المشاركة في المؤتمر.

◄ العالم في حال فشل المؤتمر لن يشهد فقط مزيدًا من الظواهر الطبيعية المتطرفة، بل عليه الاستعداد لمواجهة المزيد من الحروب والصراعات وتدفق مئات الآلاف من المهاجرين

ورغم أن العالم قلق بسبب الصراعات والحروب المشتعلة في أكثر من بقعة، ومشغول بظاهرة الهجرة غير الشرعية، إلا أن دواعي القلق يجب أن تكون أكبر بسبب ظاهرة التغير المناخي.

نسمات بحر قزوين الباردة ودرجة الحرارة التي كانت صباح الثلاثاء في باكو بحدود 11 درجة مئوية، لم تنسيا المشاركين في المؤتمر أن شهر أكتوبر 2024 سجل ثاني أعلى درجة حرارة في تاريخ الشهر، وكان من بين الأشهر الأشد حرارة على مستوى العالم، لاسيما في مناطق مثل أميركا الوسطى واليابان التي أدى ارتفاع درجات الحرارة غير المعتادة فيها إلى اختفاء الثلج عن قمة جبل فوجي لأطول فترة منذ 130 عامًا، وأن الصيف الماضي كان الأكثر حرارة على الإطلاق. لتستمر المخاوف بشأن تبعات هذا الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، التي تزيد من حدة الأحداث المناخية مثل الفيضانات والأعاصير.

في ضوء هذه الحقائق، ماذا ينتظر المشاركون من مؤتمر باكو الذي تتواصل اجتماعاته لمدة أسبوعين؟

هناك مطالب بضخ مئات المليارات، أو التريليونات، من الدولارات سنويًا من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة، ومساعدتها على تحويل أنظمة الطاقة الخاصة بها بعيدًا عن الوقود الأحفوري، المسبب الرئيسي للاحتباس الحراري، وتقديم تعويضات عن الكوارث المناخية الناجمة في الغالب عن تلوث الكربون الذي تسببه الدول الغنية، والتكيف مع ظروف مناخية قاسية في المستقبل.

الأثرياء يعاملون “كوكبنا كملعب شخصي لهم.” وفق تعبير كيارا بوتاتورو، مستشارة سياسة عدم المساواة والضرائب لدى أوكسفام، التي نشرت دراسة قبل المؤتمر أظهرت كيف يسهم الأثرياء في أوروبا في تفاقم تغير المناخ على حساب الناس في أفقر المناطق.

◄ بعد أكثر من 150 عامًا، يكتشف العالم أن الحدث الاقتصادي الأهم عالميًا سيكون المسؤول عن أكبر ضرر لحق بكوكب الأرض

ووفقًا للدراسة، فإن “الشخص الأوروبي فائق الثراء على يخته يصدر في عام واحد ما يعادل ما يصدره شخص عادي في أوروبا في 585 عامًا.” كما كشفت الدراسة أن ما يقرب من 40 في المئة من استثمارات أصحاب المليارات التي تم تحليلها في بحثهم كانت في صناعات ملوّثة بشدة مثل التعدين والنفط والشحن. وأكدت الدراسة أن إجمالي انبعاثات الاستثمار لـ36 من أغنى المليارديرات في الاتحاد الأوروبي يعادل انبعاثات الكربون السنوية لأكثر من 4.5 مليون أوروبي.

قد تبدو المطالبة بتريليونات الدولارات كبيرة، لكنها “لا تمثل شيئًا مقارنة بتكلفة التقاعس عن العمل.” وفق مختار باباييف، وزير البيئة والموارد الطبيعية الأذري ورئيس مؤتمر كوب 29.

إننا نسير، كما يؤكد باباييف، على الطريق نحو الدمار. و”سواء رأيتهم أم لا، فإن الناس يعانون في الظل. إنهم يموتون في الظلام. وهم في حاجة إلى أكثر من التعاطف، وأكثر من الدعوات. إن مؤتمر كوب 29 هو اللحظة التي لا يمكن تفويتها لرسم مسار جديد للمضي قدمًا من أجل الجميع.”

رغم التحذير، ورغم الشواهد اليومية على مخاطر التبدل المناخي، يميل المشاركون إلى التشاؤم أكثر مما يميلون إلى التفاؤل، والسبب موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب العائد إلى البيت الأبيض.

هناك مخاوف من أن يقوم ترامب بسحب الولايات المتحدة مرة أخرى من اتفاقية باريس للمناخ، كما فعل خلال ولايته الأولى. هذا الانسحاب في حال حدوثه قد يؤثر على الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ، خاصةً وأن الولايات المتحدة تُعتبر من أكبر الدول المسببة للانبعاثات الكربونية.

◄ رغم أن العالم قلق بسبب الصراعات والحروب المشتعلة في أكثر من بقعة، ومشغول بظاهرة الهجرة غير الشرعية، إلا أن دواعي القلق يجب أن تكون أكبر بسبب ظاهرة التغير المناخي

وجهة نظر المتشائمين أكدها جون بوديستا، كبير المستشارين الأميركيين لشؤون المناخ، الذي رجّح أن يتراجع ترامب عن العديد من التحركات المناخية المميزة لإدارة جو بايدن، ومن بينها قانون خفض التضخم لعام 2022 الذي تضمن 375 مليار دولار في الإنفاق على المناخ.

في أكتوبر الماضي، خرج ترامب أمام حشد من مؤيديه وتطرق إلى موضوع النفط، ولخص سياسته في مجال الطاقة بعبارة “احفروا يا بني، احفروا.”

كما تعهد بإنهاء الاعتمادات الضريبية الخضراء والإعانات المتعلقة بالطاقة الخضراء، في استكمال لسياسته القائمة على الطاقة التقليدية.

ماذا يعني أن يفشل مؤتمر باكو في التوصل إلى اتفاق جماعي؟

العالم في حال فشل المؤتمر لن يشهد فقط مزيدًا من الظواهر الطبيعية المتطرفة، بل عليه الاستعداد لمواجهة المزيد من الحروب والصراعات وتدفق مئات الآلاف من المهاجرين الذين يريدون الوصول إلى شواطئ أوروبا ودخول الولايات المتحدة.

من مصلحة الجميع، فقراء وأثرياء، أن ينجح باكو عام 2024 في وضع خاتمة لما بدأته باكو عام 1846.

9