الحجاب وشرطة الآداب

حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة تونس من عام 1957 إلى 1987، ثلاثون عاما ارتبط فيها اسمه بقرارات جريئة ومواقف صادمة لدول عربية وغربية، على رأسها مواقفه من المرأة، ففي حين كانت المنطقة العربية تقيد النساء، وتحرمهن من الكثير من حقوقهن، رأى هو أن لا تحرر وتطور للمجتمع دون تحرر المرأة.
في عهده تم إقرار مجلة الأحوال الشخصية وعدد من التشريعات والقوانين الحداثية، والتي تنص على منع تزويج المرأة قسرًا ومنع الطلاق الشفهي وحصر التطليق عبر المحاكم وتمكين المرأة من الحضانة. كما كرس أول دستور إبان حكمه مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في مجتمع كان يعتبر ذكوريًا، فضلا عن إقرار برنامج التنظيم العائلي عام 1964 الذي كانت له فوائد كبيرة على صحة المرأة وعلى حضورها داخل الأسرة والمجتمع، لاسيما في الأرياف.
“سأفرض حرية المرأة وحقوقها بقوة القانون.. لن أنتظر ديمقراطية شعب من المنخدعين بالثقافة الذكورية باسم الدين،” هكذا كان موقف بورقيبة واضحا تجاه حرية المرأة، والذي جهر به في المجالس المحلية والعربية والدولية، فهو يرى أن “العلاقة بين المرأة والرجل تُبنىَ على أساس الاحترام المتبادل، فالمرأة غير مُطَالبة بأن تدفن نفسها في الحياة لأن الرجل غير قادر على التحكم في غرائزه مثل الحيوانات.. والمرأة يثيرها وجه الرجل وشعره وطوله وعرضه ورائحته وحتى خشن صوته لكن المرأة تعلمت أن تتحكم في غرائزها، الرجل مطالب أيضا بأن يرتقي إلى مستوى المرأة.”
نجح بورقيبة في أن يمنح المرأة التونسية حرية تستحقها، لكنه لم يستطع التأثير في جيرانه، بأن يحفزهم على منح المرأة حقها في عيش الحياة بحرية كما يعيشها ذكورها، بأن يتخلوا عن أن يكونوا “حراس الله” على الأرض. وها نحن بعد مرور 37 عاما على تاريخ انتهاء حكم بورقيبة و24 عاما على وفاته، وبعد أن أوشكنا على إتمام الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، مازلنا نصدم بسماع أخبار هنا وهناك تحد من حرية المرأة وتعاملها كجارية خلقت ليسطر لها الرجل حياتها.
قد تحب بورقيبة أو تكرهه، قد توافقه الرأي في بعض القرارات أو تعارضه، لكنك إن كنت إنسانا حرا يؤمن بمبدأ المساواة وبأن الله يترك لنا جميعا حرية المشيئة ويحملنا مسؤولية قراراتنا، فستحترم كل ما منحه بورقيبة من حقوق للنساء.
اليوم تعيش جارتنا ليبيا جدالات كبيرة رسمية وشعبية حول قرار إجبارية ارتداء النساء الحجاب، فرضه وزير الداخلية عماد الطرابلسي منذ أيام قليلة.
جدل واسع خلفته تصريحات الطرابلسي التي تحدث فيها عن تفعيل جهاز شرطة “متخصص بالآداب” ستشمل مهامه “مراقبة مدى احترام الرجال والنساء لقيم المجتمع الليبي، ومنع صيحات الموضة المستوردة، ومراقبة محتوى الشبكات الاجتماعية وفرض الحجاب على المرأة من الصف الرابع ابتدائي.”
في بلد يعيش أزمة سياسية وأمنية تكاد تعصف باستقراره وتقسمه إلى دويلات، بلد لم يهدأ رغم كل الجهود الداخلية والدولية، لا يزال شعر المرأة الشغل الشاغل للقادة والزعماء، فعوض أن تمنح النساء الحرية ويكلفن بمناصب مهمة تسهم في تقدم المجتمع ولحاقه بركب الحضارة، يعدن إلى نقطة الصفر، إلى خلاف يعيشه المسلمون أينما كانوا منذ قرون.
لن يمانع أحد في وضع ضوابط وقوانين للباس، تجعل لكل مقام مقالا، ولا تمنح أحدا الحق في التعري في الأماكن العامة. لكن ما ضرّ لو سارت المرأة في الشارع بشعر مكشوف؟ لا أجد لذلك إجابة مقنعة. سيقول البعض إن الحجاب فرض من الله على النساء، لكن حتى وإن جزمنا بأنه فرضه عليها رغم الخلاف الفقهي حول المسألة، أليس من حقها أن تقرر الالتزام به أو التخلي عنه وأن تتحمل مسؤولية قرارها أمام الله؟ لمَ يمنح أي رجل مهما كان نفسه الحق في إجبار المرأة على ارتداء الحجاب؟