لوحات عادل جربوع نسخة مصدقة عن أصل الواقع

فنان وظف مفردات ليبية في أعمال تتجاوز المحلية.
الثلاثاء 2024/11/12
تمكّن من نقل الواقع

عادل جربوع فنان تشكيلي ليبي يجمع بين أكثر من موهبة فنية جعلته يلتقط مفردات مميزة من التراث الليبي ويعيد تشكيلها في لوحات متأثرة بتجارب ومدارس عالمية، كما أنه تميز في فن البورتريه فهو يعيش حالة أقرب إلى إعادة الخلق للوجوه وملامحها ورسائلها المراد إيصالها للمتلقي.

الفنان الليبي عادل جربوع يخضع تجاربه التشكيلية إلى معايير التجريب في مشوار حياته الفنية من مرحلة إلى أخرى، بمناخ فني معين ومن أسلوب إلى آخر، موغل البحث في الخامات والمواد المستخدمة في صناعة هذه الأعمال، مستخدما الرمل والخيش والورق والمواد اللاصقة والقماش بالإضافة إلى الألوان بمختلف أنواعها.

 بدأ بالمدرسة الواقعية ثم اتجه إلى الرمزية ومنها إلى التجريدية التي كان فيها حضور كبير لرموز الذاكرة الشعبية خصوصا الصحراوية منها كالمثلثات والمربعات، “الخميسة” و”القرين” و”الحويتة” والعيون والغزلان، في تكوينات متراصة ترسم تكوينات فنية ومدنا حالمة متخيلة ذات بعد واحد تكون أقرب إلى التصوير الشرقي والمنمنمات المرسومة والمصاحبة للقصص والحكايات التاريخية، أو تلك الموسومة على الكليم والسجاد بأشكالها التجريدية وألوانها الصريحة المتباينة بين الأحمر والأزرق والبرتقالي والأصفر والبنفسجي والأبيض والأسود، كأنها أصباغ طبيعية نحج الفنان في صياغتها والاقتراب من ملامس الصوف الملون أو الأحجار بشكل بصري في هذه الأعمال المرسومة بالألوان الزيتية على القماش أو تلك الملونة بظلال على الورق من مائيات وأحبار، فالمهارة والحرفية تبدوان دائما في أعماله وتسبقان الأفكار والمواضيع.

◄ جربوع رسم بورتريهات تقترب من مناخات الفرنسي أندريه ديران أو مواطنه هنري ماتيس الذي كان يقترب من التبسيط

أعمال الفنان المبكرة في مراحل التكوين الأولى كانت طافحة بالكثير من الرومانسية، مفردات منثورة في صحراء دون بداية ولا نهاية بمثابة قطعة صفراء اللون دائرية، تظهر بها طاولة وخوذة جندي وقيثارة وحذاء عسكري ممزق كتعبير عن تجربة التجنيد الإجباري في ثمانينات القرن الماضي في عهد النظام السابق والتي طالت أغلب الشباب في تلك الفترة، أو طاولة وجريدة وكرسي خاو في فضاء صحراوي وهي من الأفكار التي كانت تستهوي الشباب في حينها. لم يسع إلى تملّك أسلوب خاص بل كان التعدد والتجول بين المدارس من سماته الخاصة في الرسم ومحاولته للتعرف والاكتشاف.

باعتباره فنانا شابا في بداياته الفنية المبكرة في ثمانينات القرن الماضي، كانت الرمزية والواقعية المفرطة هي المأرب والهدف، حرصه على هذه اللغة لسهولة الوصول إلى شريحة كبيرة من الجمهور الفني الذي كان دائما يفضّل الوضوح في التعبير الفني مع شيء من الأناقة والتمكن من نقل الواقع بإتقان وسرد قصص بصرية.

أعمال الفنان نسخة مصدّقة عن أصل الواقع في رسمه مع إضافة ملامح من سحر غامض يزيد من جمال هذه الأعمال بأنفاس المدرسة الرمزية التي تتأرجح ما بين الوضوح والغموض عنده.

لوحة لوحة لوحة

الفنان جرب التجريد في مدرسة البعد الواحد مستخدما جماليات ليبية من الموروث والصياغات الهندسية من مدينة غدامس ومدن ليبية أخرى بحرفية وإتقان، مع إدخال رموز ومفردات من الذاكرة الشعبية في تكوينات فنية منسجمة مع الطرح السائد في منتصف القرن العشرين للفن الحديث، ورسم البورتريهات بطريقة مميزة وفي الكثير من الأحيان يضفي على تلك الوجوه أطيافا ملونة بتدرجات هندسية تقترب من التكعيبة، تخرجها من واقعها التسجيلي إلى فضاء التشكيل، ولغته البصرية تتسم بالكثير من الأناقة والتأني.

رسم الفنان عادل جربوع بورتريهات تقترب من مناخات لونية للفنان الرسام الفرنسي أندريه ديران (1880 – 1954) أو مواطنه هنري ماتيس (1869 – 1954) الذي كان يقترب من التبسيط في الخطوط والاختزال في الأشكال بالكثير من الرشاقة والتركيز على وهج الألوان، وباستعماله الألوان الصريحة المفعمة بالنضارة والحياة. والفنان نجح في رسوماته لبورتريهات معاصرة بإتقان كبير في تشريح الوجوه والشبه الكبير بينها وبين أصحابها.

وفي مناطق أخرى من إبداعه الفني التزم الفنان الليبي بانضباط الخط في استقامة هندسية اقتربت من التكعيبة، فأنتج العديد من الأعمال كالموسيقيين ومجموعة الأوركسترا فجاءت جوقة موسيقية بملامح وإيقاعات شرقية، أنتجها الفنان في تسعينات القرن الماضي كما كانت في هذه المرحلة الكثير من بورتريهات لنساء يقتربن من مناخات أعمال بيكاسو التكعيبية مع تصرفه في التكوينات والتأثيث المحيط بأن كان ليبيّا خالصا في كل مفردات هذه الأعمال من زي ليبي وأدوات وعادات ومناسبات تعيش فيها هذه الشخصيات.

◄ الفنان جرب التجريد في مدرسة البعد الواحد مستخدما جماليات ليبية من الموروث والصياغات الهندسية من مدينة غدامس

كما أتقن عادل جربوع إخراج البيئة المكانية وصناعتها للعرض المسرحي والتأثيث له، وتمكّن من رسم ملامح عالم مواز له في الفن التشكيلي خصوصا في فترات مبكرة من تسعينات القرن الماضي وكان الأسلوب الأكثر قربا من الفنان المدرسة الرمزية التي اشتغل عليها بأفكار مباشرة والكثير من الإتقان والمجهود في الرسم والمسرح ومن بعد تجارب ومحطات عديدة عبر فترات زمنية ليست بالقصيرة في مسيرته الفنية، ﻻ يزال مستمرا في الحضور خصوصا كفنان سينوغرافي مصاحب لفن المسرح ومساهمة في إطار تقديم مشاهد وخلفيات زادت من طزاجة أعمال مسرحية محلية وصلت إلى أن تم عرضها في ملتقيات عربية عديدة وفازت بالكثير من الجوائز التشجيعية لمهرجانات كبيرة في المنطقة العربية، بصفتها واحدة من أفضل مشاهد وتجهيزات السينوغرافيا في بنغازي وطرابلس وتونس ومصر وغيرها من عواصم ومراكز الفنون المسرحية. وربما عمله في مجال المسرح زاد من تباعده عن الفن التشكيلي وإنتاجه للوحات في السنوات الأخيرة.

يجدر التذكير بأن عادل عبدالسلام جربوع، يجمع بين ثلاث مواهب فنية فهو فنان تشكيلي ومصمم ملصقات ومصمم سينوغرافيا، من مواليد مدينة بنغازي عام 1961، اشتغل مخرجا صحافيا لمجلة الثقافة العربية من العام 1996 إلى العام 2000، شارك في أغلب المعارض المقامة بمدينة بنغازي، ومعرض النادي الأهلي بنغازي الأول عام 1986، وتحصل على الجائزة الأولى في المسابقة الثقافية الكبرى في بنغازي عام 1989، شارك في معرض “ليكون البحر المتوسط بحر سلام” في مدينة فيرونا بإيطاليا عام 2005،  ومهرجان “24 ساعة مسرح” في مدينة الكاف بتونس عام 2005، ومعرض افتتاح رواق السلفيوم بمجلس الثقافة العام في بنغازي عام 2007، تحصل على الجائزة الأولى في تصميم سينوغرافيا عن مسرحية ” قالك ولع لي” في المهرجان الوطني الثامن للفنون المسرحية  طرابلس 1999، وعلى جائزة أوسكار ليبيا المخصص للتميز في الفنون التشكيلية عام 2016، كما صمم العديد من الأغلفة لكتب كتّاب ليبيين إلى جانب تصميم سينوغرافيا العديد من المسرحيات الليبية.

 

14