القاهرة تتوسع في اللامركزية لوقف تصدير المشكلات للحكومة

تمكين الإدارات المحلية خطوة نحو التنمية تصطدم بالبيروقراطية.
الأحد 2024/11/10
هل تتخلى الحكومة عن مركزية القرار

مصر تحاول كسر سيطرة القرار المركزي من خلال توسيع صلاحيات المحليات لكن من دون اختيار عناصر تتمتع بالكفاءة والخبرة والأمانة ما قد يتسبب في تذمر الشارع.

القاهرة - تخطو الحكومة المصرية نحو تطبيق لامركزية الحكم في البلاد بوتيرة متسارعة للحد من البيروقراطية وزيادة معدلات التنمية، ووقف تصدير المشكلات للسلطة المركزية، كمحاولة لترضية الشارع الذي اعتاد محاسبة صُناع القرار في القاهرة على كل كبيرة وصغيرة، بما أثّر بشكل سلبي على الصورة العامة للنظام.

وأكد وزير شؤون المجالس النيابية والتواصل السياسي محمود فوزي أن الدولة تتجه إلى اللامركزية التدريجية لتمكين الوحدات المحلية إداريا وماليا، كي تتمكن من توفير المرافق والمؤسسات الخاصة والنهوض بها وحسن إدارتها.

وشرعت الحكومة في تنفيذ الالتزامات الدستورية المتعلقة باللامركزية وضمان التوزيع العادل للمرافق والخدمات والموارد وتحقيق العدالة الاجتماعية بين وحدات الإدارة المحلية والقرى الفقيرة، وسيتم نقل الصلاحيات بشكل سلس.

وتهدف الحكومة من وراء التسريع في تطبيق اللامركزية في العمل المحلي إلى رفع العبء عن المؤسسات الرسمية ودوائر صناعة القرار لتتفرغ للتخطيط والتنمية، بحيث يكون محافظ الإقليم أشبه بـ"رئيس جمهوريته" والمسؤول عنه.

ويرتبط التحدي الحقيقي أمام الحكومة بأن توسيع صلاحيات المحليات دون اختيار عناصر تتمتع بالكفاءة والخبرة والأمانة قد يتسبب في تذمر الشارع الذي ينظر إلى الإدارات المحلية كمسؤولة عن البيروقراطية والعقم الإداري واستباحة جيوب المواطنين بالحصول على أموال دون وجه حق، لغض الطرف عن بعض المخالفات.

أمجد عامر: مركزية القرار تعرقل المشروعات الخدمية والتنموية وهذا لم يعد ممكنا استمراره
أمجد عامر: مركزية القرار تعرقل المشروعات الخدمية والتنموية وهذا لم يعد ممكنا استمراره

وترى أحزاب سياسية ودوائر برلمانية قريبة من النظام أن اللامركزية موجودة في الدول الديمقراطية وحققت نتائج إيجابية، لكنهم لا يُدركون خصوصية الحالة المصرية والواقع الذي وصلت إليه المحليات، حيث تطبق اللامركزية في بعض الدول من خلال مؤسسات قوية ونزيهة تحكمها قوانين صارمة وتعمل بطريقة حاسمة.

وتعيش مصر دون مجالس محلية منتخبة منذ عام 2011، بعد أن تم حلها بحكم قضائي بسبب مخالفات وشبهات في الانتخابات، ومنذ ذلك الحين تعهدت حكومات متعاقبة بإجراء الانتخابات المحلية، لكن ذلك لم يحدث، ما يجعل من توسيع صلاحيات حكام الأقاليم بتطبيق اللامركزية مجازفة قد تجلب منغصات لدوائر صناعة القرار.

وقال أمجد عامر الخبير في شؤون التنمية المحلية إن تطبيق اللامركزية في مصر لم يعد رفاهية لمواجهة التحديات، ولن تتحقق بصورة كاملة قبل الانتهاء من قانون الإدارة المحلية وإجراء انتخابات المجالس الشعبية التي ضمن مهامها رقابة تطبيق اللامركزية لرفع العبء عن الحكومة، واتخاذ القرار المناسب في التوقيت الصحيح.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مركزية القرار تعرقل المشروعات الخدمية والتنموية، وهذا لم يعد ممكنا استمراره، والتخوف من تطبيق اللامركزية لا مبرّر له، لأنها موجودة في دول متقدمة، وسيتم تدريب رؤساء الأحياء والمدن والموظفين عليها بشكل مكثف قبل التعميم، وهذا موجود في مشروع قانون الإدارة المحلية لتجنب أيّ خلل يعرقل التطبيق ويخلق بعض المشكلات.

وأكثر ما تخشاه بعض الأصوات المعارضة أن يشمل التوجه نحو اللامركزية منح المحليات سلطة تنمية العوائد المالية للأقاليم دون أن تكون هناك رقابة أو مجالس شعبية منتخبة ما يشجع الأحياء على تنمية الموارد من جيوب الناس للظهور أمام صانع القرار بشكل مثالي والإيحاء بأنهم نجحوا في المهمة دون أن يكونوا عبئا على موازنة الحكومة بما يثير غضب الشارع.

واعتاد البعض من الموظفين المحليين استباحة أموال المواطنين بحق ودون حق وتعطيل مصالحهم مع إمكانية تمرير طلباتهم بمقابل مادي، وفي كل مرة يتم توجيه غضب الناس ضد الحكومة، وعندما تتحكم تلك العينة من المسؤولين في مصائر سكان الأقاليم بدعوى اللامركزية قد تكون المشكلة أكبر وأعمق طالما لا توجد أدوات رقابية تحكم علاقة المواطنين بحكام الأقاليم.

ويتعارض استمرار تدخل الحكومة في صلاحيات حكام الأقاليم مع التنمية ويكرس البيروقراطية الإدارية، وتفعيل اللامركزية بلا قواعد للمحاسبة يقود إلى مخالفات إدارية تعمق المشكلات التي يعاني منها المواطنون، ما يتطلب التعامل مع الملف بحنكة تستدعي توفير عناصر محلية على قدر من الكفاءة كممثلين للسلطة.

◙ مصر تعيش دون مجالس محلية منتخبة منذ عام 2011، بعد أن تم حلها بحكم قضائي بسبب مخالفات في الانتخابات

وتعد المحليات في مصر أكثر الجهات احتكاكا بالمواطن العادي، والنسبة الأكبر من حكام الأقاليم ورؤساء الأحياء من أصحاب الخلفيات الأمنية، لكن ذلك لم يكفِ لوصول التناغم بين الرئيس عبدالفتاح السيسي والمحليات للمستوى المأمول.

وتعهد رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بتقييم أداء كل محافظ إقليم بمشاركة الحكومة في حل الأزمات والتغلب على التحديات وإزالة المخالفات واتخاذ ما يلزم لمنع تعطيل مصالح المواطنين، عبر تشكيل ما يشبه مجلس الوزراء المصغر داخل كل محافظة، لكن ذلك لم ينجح في تحقيق أهداف السلطة.

ودفعت الحكومة المصرية فاتورة سياسية باهظة عندما تحمّلت وحدها المسؤولية على مستوى الجمهورية لاقتناع كل رئيس حي أو مسؤول إقليم بأن المشكلة لا تخصه وتتبع الوزير المعني بالملف، ما جعل الحكومة تنال القدر الأكبر من الانتقادات والاتهام بالتقصير والإخفاق في حل الأزمات.

وليس سهلا على الحكومة إقناع المواطنين بتطبيق لامركزية السلطات بنقلها إلى الأقاليم، لأن النسبة الأكبر من المصريين اعتادت محاسبة النظام على أيّ تقصير، وجزء من ثقافتهم أن الحكومة وحدها المسؤولة عن كل ما يخصهم ولو في منطقة نائية، دون اقتناع بأن حاكم الإقليم يمثل رئيس الجمهورية وأقوى من الوزير المختص.

وإذا حدثت أزمة بمدرسة في قرية تطال الاتهامات الشعبية وزير التربية والتعليم، هكذا الحال بالنسبة إلى مؤسسات الدولة، مع أن الوزير ليس من صلاحياته القانونية إقالة مدير مدرسة، ومحافظ الإقليم هو المسؤول، لكن في العرف الشعبي تظل الحكومة الواجهة في الصواب والخطأ، ما يعرقل تحقيق اللامركزية.

ويقود ذلك إلى أن تطبيق اللامركزية بلا حسابات دقيقة للواقع يثير غضب الشارع، ما لم تُقدم الحكومة أولا على تطهير الأقاليم وتجهيزها للمهمة الجديدة، لتجد نفسها في مواجهة غير محسوبة العواقب لمجرد أنها اختزلت العوائد في وقف تصدير الأزمات للسلطة المركزية، في ذروة قلق الشارع من أزمات اقتصادية كبيرة.

4