المحامون المغاربة يصعّدون ضد وزارة العدل بخوض إضراب شامل ومفتوح

دخل المحامون بكامل المحاكم المغربية في إضراب شامل ومفتوح، في خطوة تصعيدية ضدّ وزارة العدل، وسط دعوات إلى تحقيق مطالبهم والجلوس إلى طاولة الحوار، في وقت لا تزال فيه الحكومة تتجاهل تلك الدعوات.
الرباط - لجأ المحامون في المغرب إلى التصعيد في احتجاجاتهم في مواجهة بنود مشروع القانون الجنائي والمدني الذي أعده وزير العدل عبداللطيف وهبي، من خلال خوض إضراب وطني مفتوح، منذ يوم الجمعة وإلى حين تحقيق مطالبهم، بعد قيامهم في وقت سابق بوقفات احتجاجية وإضرابات تحذيرية شملت أقسام الجنايات لمدة أسبوعين.
ووفق بيان جمعية هيئات المحامين بالمغرب فإن الدخول في إضراب شامل ومفتوح بجميع محاكم المملكة بداية من الأول من نوفمبر الجاري، يأتي كرد فعل على إقصائهم من إعداد مشروع الإجراءات المدنية وكذلك مشروع قانون الإجراءات الجنائية، ولمواجهة ما أسماه البيان، بالردة التشريعية الماسة بالمكتسبات الحقوقية والقانونية للمواطن المتقاضي.
وبدت المحاكم المغربية فارغة، باستثناء الموظفين التابعين سواء لجناح الرئاسة أو النيابة العامة، كما تسبب غياب المحامين يوم الجمعة وصباح السبت في التأثير على تقديم المتهمين أمام قضاة التحقيق، الأمر الذي أربك العديد من الملفات.
مصادر "العرب" من داخل هيئة المحامين بالدار البيضاء أكدت نجاح الإضراب بعدما قاطع المحامون الجلسات
وقال الحسين الزياني رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب إن مطالبهم بخصوص مشروع قانون المسطرة المدنية “جد موضوعية وبسيطة تهم في جانب كبير مصلحة المواطنين المتقاضين” في الوقت الذي تهم فيه مقتضيات محدودة جدا مهنة المحاماة، ودعا إلى حوار فعال وجاد “عبر الاستماع للرأي الآخر ومعالجته”.
وأوضح الزياني، خلال مشاركته في ندوة حول “مشروع الإجراءات المدنية في الميزان الدستوري والحقوقي”، أن “الحوار الذي ينشده المحامون هو الجلوس إلى الطاولة وتقديم الأفكار والمبادرات والمقترحات ومناقشتها”، مشيراً إلى أنه “لم يسبق لوزير العدل أو مصالح الوزارة أن أغلقوا باب اللقاء مع أيّ منهم، ولكن لا يُعد كل لقاء حواراً”.
وأكدت مصادر “العرب” من داخل هيئة المحامين بالدار البيضاء على نجاح الإضراب بعدما استجاب المحامون للإضراب وقاطعوا الجلسات والتقديم والأداء في الصناديق، وأكد المحامون، من خلال هذه الخطوة التصعيدية، “أنهم صوت واحد وموقف واحد بعد غلق جميع سبل النقاش، دفاعا عن مصلحة المواطن وما يحاك ضد المهنة”.
ويرتقب أن تكون لهذه الخطوة الجديدة تداعيات سلبية على سير عمل المحاكم، بتعطيل ملفات المتقاضين وإرباك الزمن القضائي، فيما بررت جمعية هيئات المحامين بالمغرب قرارها هذا بـ”عدم تفاعل الوزير وهبي مع كل المبادرات التي قامت بها على كل المستويات، والإصرار الواضح على استهداف المكانة الاعتبارية لمهنة المحاماة”.
وذكّر الحسين الزياني بأن “الجمعية لن تتراجع عن قرار المقاطعة الشاملة، وأنها ستستمر في التصعيد ما لم يتم فتح قنوات حوار حقيقية مع الجهات المعنية، من أجل إيجاد حلول لمشاكل مهنة المحاماة والتشريعات المتعلقة بها، وأن التوقف الشامل عن ممارسة مهام الدفاع هو قرار لم يأت من فراغ وإنما نتيجة لمسار استمر لمدة ثمانية أشهر من المطالبات ومن المبادرات التي لم تجد آذانا صاغية من طرف الحكومة ووزارة العدل”.
واعتبرت المحامية بهيئة الدار البيضاء عائشة الكلاع في رسالة وجهتها إلى النقيب محمد حيسي أن “المعارك النضالية من أجل الدفاع عن الحقوق وتحصين المكتسبات تتم بشكل منظم ومعقلن، عن طريق التفاوض بجرأة وذكاء ولا مجال فيها للقرارات الانفعالية، أو لتصفية الحسابات”، مشيرة إلى أن “المحامي والمحامية اختارا مهنة حرة لضمان استقلالها في إطار القانون، وأن مصدر دخلهما موكلوهما، بناء على عقد للدفاع عن مصالحهم، وأيّ خرق لهذا العقد يعتبر تقصيرا ويعرضهما للمساءلة”.
يُرتقب أن تكون لهذه الخطوة الجديدة تداعيات سلبية على سير عمل المحاكم، بتعطيل ملفات المتقاضين وإرباك الزمن القضائي
وشددت المحامية على أن قرار جمعية هيئات المحامين بالمغرب “لا يلزمها قانونا”، وأن هيأتها لها الحق الكامل في عدم مسايرته، حفاظا على حقوق المحامين والمحاميات، في أفق فتح المجال للتفاوض مع الجهات المعنية بالتشريع، سواء تعلق الأمر بمشروع قانون الإجراءات المدنية أو قانون المهنة ومشروع المالية، وغيرها من القوانين ذات الصلة.
وأكد المحامون الذين ينفذون قرار جمعية هيئات المحامين بالمغرب أن هذا التصعيد يعتبر خطوة أولى، مشددين على أنه سيتبعه تصعيد بقوة وأكثر جرأة وصرامة لإرجاع القاطرة إلى سكتها والتأكيد على مكانة المحاماة في جسم العدالة.
من جهته اعتبر رئيس جمعية هيئات المحامين، أن “المحامين يدركون تماما خطورة هذا القرار وتداعياته على المحاكم المغربية، لكن لم يكن لدينا خيار غيره، لأنه سبق لنا أن قمنا بلقاءات ووقفات احتجاجية ومكاتبات وغيرها، لكننا لم نجد آذانا صاغية لمشاكلنا، وهذا ما دفع 17 هيئة للمحامين بالمغرب إلى تنفيذ هذا الإضراب”.
ويأتي الإضراب، بعد محاولات حوارية عدة تمسك فيها المحامون بمصلحة المتقاضين ومهنيي العدالة، إلا أن الحكومة تجاهلت كافة الإشارات التي أرسلت من خلال حملتهم الترافعية، مما دفعهم إلى اتخاذ هذه الخطوة التصعيدية.
ودعت جمعيات حقوقية وزارة العدل وجمعية هيئات المحامين بالمغرب الاحتكام إلى منطق الحوار بغرض تفادي كل التداعيات المرتقبة للإضراب الشامل على مصالح المواطنين الوافدين على محاكم المملكة، واتخاذ كل ما هو كفيل بحماية الزمن القضائي وحقوق المتقاضين.
وأكد محمد النويني رئيس الفضاء المغربي لحقوق الإنسان والمحامي بهيئة الدار البيضاء على “ضرورة تبني منهجية تشاركية لصياغة القوانين”، منددا في هذا السياق بما وصفه بالتغييب التام للجسم المهني وباقي الفاعلين المتدخلين في المجال في إعداد المشروعين، معتبرا تقديم الحكومة ممثلة في وزارة العدل لهذين المشروعين دون تبني المقاربة التشاركية في تنزيلهما، يخالف مضمون دستور 2011.