مرحبا بالتغيير الجاري في المركزي: الدبيبة يصطف إلى جانب البعثة الأممية في مواجهة المنفي

المجلس الرئاسي يؤكد على طي صفحة الابتزاز السياسي باستخدام أهم منصب مالي.
الثلاثاء 2024/10/29
أزمة معقّدة

انضم عبدالحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا إلى قائمة المؤيدين لقرار تعيين رئيس جديد لبعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، وهو ما يرى مراقبون أنه يكشف اصطفافا واضحا إلى جانب البعثة في مواجهة رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي. 

دخل المجلس الرئاسي الليبي في مواجهة مفتوحة مع ستيفاني خوري القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، حيث دعا إلى ضرورة التسريع بتعيين رئيس جديد للبعثة بما يؤدي مباشرة إلى إنهاء مهامها التي كانت قد تسلمتها على إثر إعلان المبعوث السابق عبدالله باتيلي استقالته من منصبه في مارس الماضي.

وأوضحت أوساط ليبية أن هناك خلافات عدة بين الطرفين أدت إلى تعميق الصراع، وعلى رأسها أزمة مصرف ليبيا المركزي، الذي كان المجلس الرئاسي قد فجرها في أغسطس الماضي بقراره الإطاحة بالمحافظ الصديق الكبير واستبداله بمحافظ آخر مع تعييين مجلس إدارة جديد في تحدّ لمجلسي النواب والدولة، قبل أن تتدخل خوري لتعيد التوازن إلى المشهد السياسي وتدفع نحو حلحلة الأزمة.

وقال رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، إن قرار تغيير إدارة المصرف المركزي، جاء لبدء مرحلة مؤسساتية جديدة في هذا المرفق المهم، الذي يمثل عصب الحياة الاقتصادية في البلاد، وأضاف خلال اجتماع لمجلس وزراء حكومته أمس الاثنين، أنه “مع هذا القرار، طوينا صفحة الفردية والمزاجية والابتزاز السياسي باستخدام أهم منصب مالي في البلاد”.

وأشار الدبيبة إلى أن “إجراءات تغيير المصرف المركزي تركيز على عدم تخليد منصب معين، وستدعم الأمن القومي والسلم الاجتماعي”، وتابع “الليبيون استشعروا شيئًا من ثمار هذا التغيير باستعادة جزء من قوة دينارهم، وسنتخذ كل الإجراءات الممكنة في سبيل تقويته”، معتبرا أن “زمن اللامؤسساتية والفردية صار جزءا من الماضي، ومرحلة صفقات الغرف المظلمة على حساب الشعب الليبي وقوته واقتصاده وماله، أبطلناها وأفشلناها بإرادة هذا الشعب”.

أعضاء مجلس الأمن رحبوا بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في وقت سابق بين الأطراف الليبية بشأن مصرف ليبيا المركزي

وجاء موقف الدبيبة كشكل من أشكال تبرئة الذمة من مواقف حليفه رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي الذي يقود حملة تشكيك في الإدارة الجديدة لمصرف ليبيا المركزي، وهو ما ينذر بالعودة بالأزمة إلى مربعها الأول، وذلك في سياق الصراع المعلن بينه ومجلس النواب والذي يعبر عنه بوضوح العضو السابق بالبرلمان والمستشار الحالي للمنفي زياد دغيم.

وتناقلت مصادر دبلوماسية نص رسالة توجه بها المنفي إلى بعثة بلاده في الأمم المتحدة لتوزيعها على مندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن، تحمل في طياتها تشكيكا في جهود البعثة الأممية لحل أزمة المصرف، لكن وزارة خارجية التابعة لحكومة الدبيبة تدخلت لتأجيل تلك الخطوة بما يشير إلى وجود خلاف بيّن حول القضية بين رئيس المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية.

وبحسب نص رسالة المنفي ، فإن “الآونة الأخيرة شهدت خلافات جوهرية حول آلية تعيين أعضاء مجلس إدارة المصرف المركزي، وبرز صراع على الصلاحيات بين المؤسسات ،هو ما قاد إلى عقد جولة حوار بين الأطراف الليبية برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أسفر عن اتفاق ينص على أن  يصدر مجلس النواب قرارا بتعيين المحافظ وفق المادة 15 من الاتفاق السياسي وما يتطلبه من موافقة أغلبية ثلثي أعضاء البرلمان، وفي جلسة علنية وشفافة”، لكن “هذا لم يتحقق مع منع بعثة الأمم المتحدة من المشاركة كمراقبة رغم مطالبتنا المسبقة لها بالخصوص”، مردفا أنه تم الاتفاق خلال جولة المفاوضات على “معالجة صاحب الاختصاص في القرار المتعلق بتعيين مجلس الإدارة”، وذلك عبر “التوافق على إصدار تشريع يحدد كبار المسؤولين بالدولة الليبية لضمان وضوح الأدوار وإنهاء الصراع على الصلاحيات المتعلقة بمجلس إدارة المصرف”.

ورأى المنفي أن “إصدار قرار تعيين مجلس إدارة المصرف المركزي من رئاسة مجلس النواب بدلا من مجلس النواب ككل، يشكل مخالفة صريحة للاتفاق، ولأحكام قانون المصارف”، لافتا أن “القانون الليبي يشير إلى ضرورة وجود وكيل عام لوزارة المالية كعضو في مجلس إدارة المصرف المركزي” وهو ما “يعزز التكامل بين السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية”، بينما يمثل “غياب هذا المنصب من تشكيل مجلس الإدارة مخالفة صريحة للقانون ويؤثر سلباً على توازن السياسة المالية والنقدية”، بالإضافة إلى “اشتمال القرار الصادر على أسماء لم يجر التوافق عليها بين الأطراف الثلاثة المشاركة في الحوار”.

الموقف الوارد في رسالة المنفي إلى بعثة بلاده في نيويورك تخص موقفه الشخصي وليس موقف المجلس الرئاسي مجتمعا

وتطرق المنفي في رسالته إلى “تعيين بعض أعضاء مجلس الإدارة ممن يشغلون مناصب حكومية أخرى عليا، وهو ما يخالف مبدأ الفصل بين السلطات”، ويثير تساؤلات حول “الشفافية والكفاءة”، خصوصا في ظل “افتقار بعض الأعضاء للمعايير العلمية اللازمة”.

وكانت خوري أشارت في إحاطتها أمام مجلس الأمن في أكتوبر الجاري إلى أن المجلس الرئاسي أجرى في 18 أغسطس الماضي تعيينات “مثيرة للجدل” في البنك المركزي، رفضها مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.  وقد أدى هذا إلى تصاعد التوترات، بما في ذلك تعليق إنتاج النفط في 26 أغسطس، وقالت إن “البعثة يسرت مناقشات متعددة بين القادة الليبيين، مما أدى إلى اتفاق في 26 سبتمبر بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بشأن القيادة الجديدة للبنك المركزي”.

 وفي 2 أكتوبر الجاري، تولى المحافظ الجديد ونائب المحافظ منصبه، ورفعت المؤسسة الوطنية للنفط “حالة القوة القاهرة”، مما سمح باستئناف عمليات وصادرات النفط، معتبرة أن الأحداث الأخيرة تسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى ضمان استقلال مؤسسات الدولة الليبية ومنع استغلالها سياسيا.

ورحب أعضاء مجلس الأمن بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الأطراف الليبية بشأن مصرف ليبيا المركزي وإقراره من قبل مجلسي النواب والدولة ودعوا جميع الأطراف الليبية إلى تنفيذ الاتفاق بشكل كامل وسريع، بما في ذلك تعيين مجلس إدارة، وهو ما يتناقض مع موقف المجلس الرئاسي، وانضمت الولايات المتحدة الأميركية إلى الأمم المتحدة في الترحيب بتعيين مجلس إدارة جديد لمصرف ليبيا المركزي، ووصفت سفارتها لدى ليبيا، تعيين مجلس إدارة جديد للمصرف المركزي بالخطوة الحاسمة نحو تعزيز حوكمة المصرف المركزي ومصداقيته مع المجتمع المالي الدولي، وقالت إن القرار “خطوة مهمة” في تنفيذ بنود اتفاق المصرف، الذي توصل إليه مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في 26 سبتمبر الماضي بتيسير من البعثة، مشيرة إلى ضرورة مواصلة القيادة الجديدة جهود إعادة توحيد المصرف، وتنفيذ المزيد من التدابير لتعزيز حوكمته، بما في ذلك تفادي تضارب المصالح.

وبحسب المراقبين، فإن الموقف الوارد في رسالة المنفي إلى بعثة بلاده في نيويورك تخص موقفه الشخصي وليس موقف المجلس الرئاسي مجتمعا، وأن هناك أطرافا تعمل على توريط المنفي في مواجهة معلنة مع البعثة الأممية إلى جانب أزمته المتفاقمة مع مجلس النواب وسلطات المنطقة الشرقية التي يتحدر منها. ومن ذلك عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي الذي أكد أن إنهاء هذه الأزمة كان ضرورة قصوى لاستقرار البلاد، وتعزيز ثقة المواطن في مؤسسات الدولة الاقتصادية، كما أعرب عن أمله بأن يكون هذا الاتفاق، خطوة أولى نحو معالجة الانسداد السياسي والدفع بالعملية السياسية نحو الحل الشامل”.

وقال عضو مجلس النواب جلال الشويهدي إن “المجلس الرئاسي لا يملك صلاحية التدخل في تعيين مجلس إدارة المصرف المركزي”، وأوضح أن “من واجب المجلس الرئاسي النأي بنسفه عن التجاذبات السياسية والاصطفافات التي تفرق ولا تجمع، وهو مطالب بأن يلعب دورا حياديا، خاصة في إدارة القضايا المصيرية كمصرف ليبيا المركزي، وليس الانحياز لطرف دون آخر”.

وينظر محللون إلى أن الدبيبة ترك المنفي في التسلل عندما رحب بحل أزمة المصرف المركزي، وأن مجرد تأجيل توزيع رسالة المجلس الرئاسي إلى أعضاء مجلس الأمن، يؤكد أن الدبيبة يدرك أن ما تقوم به خوري ليس من فراغ وإنما هو مرتبط بالمشهد العام وبدور تسعى الولايات المتحدة إلى القيام به من خلال المؤسسة المالية الأولى في طرابلس.

4