المصريون لا يثقون بالتصنيف الإيجابي لبلدهم بسبب الحكومة

القاهرة - استثمرت دوائر قريبة من الحكومة المصرية التحسن النسبي في التصنيف الائتماني الدولي لمصر، للإيحاء بأنها تسير في الطريق الصحيح، لكن تلك الدعاية اصطدمت بردة فعل سلبية من بعض المواطنين لأنها تزامنت مع موجة غلاء جديدة، وسط حالة قلق شبه عام حول المستقبل الاقتصادي لمصر.
وأبقت وكالة “ستاندرد آند بورز” العالمية تصنيفها الائتماني السيادي لمصر على نظرة مستقبلية إيجابية، وقالت إن الوضع الاقتصادي المصري مؤهل للمزيد من التحسن، مع التفاؤل بأن نظام سعر الصرف الذي تحركه قوى السوق سيساعد على دفع نمو الناتج المحلي الإجمالي، وسوف يدعم ضبط الأوضاع المالية لاحقا.
وأظهرت ردود فعل شريحة من المصريين على الدعاية المرتبطة بتحسن الوضع الاقتصادي، إلى أي درجة فقد البعض ثقتهم في أيّ جهة تتحدث عن مستقبل أفضل، ولو كانت مؤسسة دولية، بسبب تصرفات الحكومة التي أصبحت تتمادى في الاعتماد على جيوب الناس لترميم عجز الموازنة والتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وما أفقد الكثير من المصريين الثقة بالحديث عن وجود إنجازات تنموية أن تقرير الوكالة الدولية، الجمعة، تزامن مع قرار الحكومة برفع جميع أنواع البنزين والسولار والمازوت الصناعي بنسب تتراوح بين 7.7 في المئة إلى 17 في المئة.
وبالغت وسائل إعلام رسمية في تسليط الضوء على تحسن التصنيف الائتماني لمصر، لتخفيف الضغوط الشعبية عن الحكومة وتحسين صورتها والكف عن اتهامها بالإخفاق في إدارة الأزمة الاقتصادية والحد من إحباط الناس، في ظل عدم وجود بوادر يمكن البناء عليها بأن البلاد قادرة على الخروج من الوضع الاقتصادي الخانق.
ويعبّر الاحتماء بتقارير مؤسسات دولية لإقناع المصريين بتحسن وضع الاقتصاد عن انفصال الحكومة عن الواقع، لأنه من الخطأ التعويل على التصنيفات وحدها لترويض غضب المواطنين وتهيئتهم معنويا بأن أوضاعهم المعيشية ستكون أفضل دون اتخاذ إجراءات عملية لتعزيز ذلك.
وجزء أساسي من المشكلة، أن هناك حالة من تراجع الثقة بين الشارع والحكومة تسيطر على قطاع كبير من المواطنين، ومهما قدمت أدلة على تحسن الاقتصاد وارتفاع معدل النمو بشكل معقول، فإن الخطاب الحكومي سوف يظل فاقدا للمصداقية وأقرب إلى الدعاية المزيفة، لأن هناك شواهد مغايرة تماما على الأرض.
وثمة معضلة ترتبط بأولويات الحكومة نفسها. فهي تركز بشكل أكبر على إبرام صفقات استثمارية واتفاقيات مع مؤسسات تمويل دولية، ولا تكترث بنبض الشارع ومتطلباته، وبدت متهمة بالعناد وتخدير الرأي العام بأرقام وبيانات غير مطابقة للواقع.
وفسّر الباحث والخبير في شؤون الاقتصاد السياسي كريم العمدة تلك الوضعية بأن المواطن لا يعنيه ماذا تقول التصنيفات الدولية عن بلاده، والعبرة بانعكاس ذلك عليه مباشرة، فهناك فجوة بين فهم الحكومة للاقتصاد، ونظرة الناس لنفس الملف، واستمرار تلك الفجوة يعني من الصعب إقناعهم بأيّ تطور إيجابي.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن المصريين يقيسون تحسن الوضع الاقتصادية بمردوده على ظروفهم المعيشية، أما من وجهة نظر الحكومة فتحسن التصنيف الائتماني مهم على مستوى الثقة الخارجية بسياساتها وجذب المزيد من الاستثمارات لبلد آمن وقادر على التعافي، ولكن تجب المواءمة بين احتياجات الناس وتطلعات الحكومة للوصول إلى نقطة تلاقي.
وأكد أن نقص العملة الأجنبية انتهى بالنسبة إلى الحكومة عندما حررت سعر الصرف وتركت تسعير الجنيه المصري للسوق، لكن في نظر المواطن قاد ذلك إلى أزمة أكبر تسببت في تأزم الأوضاع المعيشية لأن سعر الجنيه مقابل الدولار وصل إلى مستوى خطير (الدولار يقترب من 49 جنيها)، وبالتالي فالناس لا تعنيهم التقارير الدولية إذا تعارضت مع الظروف المعيشية.
ويُحسب على الحكومة المصرية أنها أخفقت في توجيه خطاب مقنع للشارع بشأن التوجهات التنموية وعوائدها وأسباب الأزمة الاقتصادية وسُبل الخروج منها، حتى بدت غالبية تحركاتها عشوائية وبلا خطة محددة الملامح، وتُتخذ فيها القرارات بشكل ينم عن تخبط ودون مراعاة لظروف الناس أو على الأقل توفير الحماية للفقراء منهم.
◙ خطاب الحكومة عن تحسن الاقتصاد يظل لدى شريحة من المصريين أقرب إلى الدعاية، لوجود شواهد مغايرة تماما على الأرض
وهناك إشكالية أخرى أكثر تعقيدا، ترتبط بطريقة حديث بعض المسؤولين عن الملف الاقتصادي وأيّ تصنيف إيجابي يتعلق بمصر، حيث يبالغون في شرح أبعاد ذلك، وأحيانا يصل حد إيهام الناس بأنهم سيجنون ثمار التنمية في القريب العاجل، ثم تصدمهم الحكومة بموجة غلاء فتتهاوى مصداقيتها والتصنيفات الدولية.
ولفت كريم العمدة في حديثه لـ”العرب” إلى أن التسويق للتقارير الائتمانية الإيجابية عن مصر عوائده السياسية ضئيلة، ما لم يجد المواطن كل شيء في متناول يديه، لكن في الفهم الاقتصادي، تعبر تلك التقارير عن بادرة أمل للخروج من المأزق الراهن، والبناء عليها بخطوات عملية وخطط قابلة للتطبيق، تستهدف الإصلاح الفعلي.
وتتحفظ شريحة كبيرة من المصريين على أيّ توظيف سياسي للتقارير التي تتحدث عن تحسن التصنيف الائتماني، لأن ذلك يقود إلى إبقاء الأوضاع المعيشية كما هي دون تحرك جاد من جانب الحكومة، حيث تعتقد أنها نجحت باعتراف دولي، مع أن العبرة بشعور المواطن بنتائج ذلك على حياته مباشرة، وقدرته على تدبير احتياجاته بإمكانيات أقل.
وتظل أهم استفادة سياسية للحكومة أنها انتصرت على خطاب جماعة الإخوان الذي اعتاد استغلال النظرة السلبية الدولية ومخاطر تراكم الديون، للإيحاء بأن السلطة قادت البلاد إلى الهاوية، لكنها نجحت في اقتناص اعتراف دولي سوف يقود إلى جلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ما يرفع معدل التنمية ويمهد لخفض الديون المتراكمة.
وأصبحت الحكومة معنية بالتوقف عن حل الأزمة الاقتصادية بالمسكنات، وإيجاد حلول غير تقليدية وسريعة ومستدامة، ليشعر الناس بعوائد التحسن في التصنيف الائتماني، وإلا سوف تظل متهمة بتخدير الرأي العام، لأن المواطن لا يعرف بالضبط متى يجني ثمار صبره على الأوضاع الاقتصادية وتحمّل الصعوبات المالية لتستمر البلد آمنة مستقرة.