مصر تستعد لإرساء خطة "الإعلام الآمن للطفل" لدعم الهوية الوطنية

"اليوميات" على يوتيوب تجذب الأطفال في غياب المحتوى المتخصص في الإعلام.
الخميس 2024/10/24
هل الحل في قناة مصرية متخصصة

جذبت محتويات يوتيوب الأطفال المصريين واستحوذت على اهتمامهم، محققة بذلك نجاحات واسعة في غياب خطة إعلامية لتقديم محتوى متخصص، ما يجعل الفجوة تتسع بين الأطفال وبين أي محتوى رسمي عبر الإعلام التقليدي.

القاهرة - حققت محتويات “اليوميات” التي يقدمها العديد من المؤثرين “البلوغر” المصريين عبر منصة يوتيوب مشاهدات كبيرة وجذبت الملايين من المشتركين، غير أن اللافت أنها جذبت أطفالا في أعمار مختلفة ما جعلها تركز على موضوعات وقصص تستهدفهم، ويظهر ذلك في تعدد القنوات التي تأتي ضمن الأكثر جذبا للمشاهدين، في ظل غياب الإعلام المصري التقليدي وتردد جهات حكومية في إطلاق فضائية مخصصة للأطفال.

وتضمن برنامج الحكومة المصرية الذي قدمته للبرلمان أغسطس الماضي إنشاء قناة مصرية للأطفال، وتحدث عن إطلاق مبادرة “الإعلام الآمن للطفل” لدعم الهوية الوطنية للأطفال في مصر، وقالت الحكومة إنها تستعد لتنفيذ خطتها خلال ثلاث سنوات، لكن سبقت ذلك وعود بتدشين الفضائية على مدار سنوات دون أن ترى النور.

وتدرك الجهات القائمة على أمر إنتاج المحتويات الخاصة بالأطفال بأن هناك تحولات في اهتمامهم نتيجة الارتباط المبكر بأجهزة الهواتف المحمولة، ويعد ذلك ضمن أسباب توجد تخوفات من عدم القدرة على جذب الأطفال وفقا لآليات إنتاج الإعلام التقليدي، وأن ارتباط الأطفال بنماذج شبيهة لهم بلا اعتماد على تسويق النموذج القدوة يخلق فجوة ومحتوى يطغى عليه الترفيه الذي يصل إلى حد “التفاهة”.

نهى عباس: قوة جذب الإعلام تتمثل في تقديم كل ما هو غريب
نهى عباس: قوة جذب الإعلام تتمثل في تقديم كل ما هو غريب

وتكتفي جهات مصرية لديها القدرة على تقديم محتويات إعلامية للأطفال على إنتاج مسلسلات وبرامج موسمية يتم عرضها عادة في شهر رمضان، تحمل خلفية دينية أو وطنية ولا تتماشى مع الطفرة الهائلة في شكل محتويات جذب الأطفال على يوتيوب، كما أن الاعتماد على شخصيات كرتونية معروفة لم يعد ضمانة لجذب الأطفال، بالتالي فحالة الجمود الراهنة تدفع نحو المزيد من الارتباط بـ”بلوغر” لسدّ الفراغ.

وحققت محتويات يوتيوب التي تجذب الأطفال نجاحات على المستوى العالمي ودفعت نحو تقديمها بصبغة مصرية أسوة بقناة “كيدر ديانا شو” والقناة المصنفة ضمن فئة “وسائل الترفيه” وأُنشئت في مايو 2015، ويتابعها 105 مليون شخص، وهي قناة لطفلين أوكرانيين ديانا، ولدت عام 2014، وشقيقها روما وولد قبلها بعامين.

وتقدم القناة محتوى مخصصا للأطفال، وتظهر ديانا في مقاطع بها مغامرات مع والديها وشقيقها روما، ويشتمل محتواها على تدوين مواقف حياتهما اليومية ومقاطع ترفيهية وتعليمية، وأغانٍ للأطفال، وظهر أول فيديو للقناة عام 2015، إذ جلست ديانا البالغة من العمر عاما واحدا – حينها – في عربة أطفال، وقدمتها والدتها وقالت إن القناة ستكون مخصصة للطفل.

وعلى غرار هذه القناة ظهرت قنوات مصرية عديدة بينها “أحمد وندى” ويتابعها 10 ملايين مشترك، وقناة “حمدي ووفاء وطفلهما” ويتابعها 8 ملايين مشترك و”عائلة نور ونادين” ويتابعها 3 ملايين مشترك، وغيرها من القنوات التي تلعب على وتر تقديم نسق الحياة اليومية والتركيز على الأنشطة الترفيهية التي يمارسها الأطفال.

وبالتدقيق في المحتوى الإعلامي الذي تقدمه هذه القنوات يغيب عنها البعد الأكاديمي والتربوي السليم، وإن حاول بعضها نسج قصص تهدف لتحذير الأطفال من الوقوع في الخطأ، غير أن عدم تخصص مقدميها والأهداف التجارية الحاضرة في المقام الأول يجعلان الرسالة المقدمة مشوشة أو تصل بصورة عكسية.

وقالت نهى عباس مؤلفة مسلسلات الأطفال ورئيس تحرير مجلة “نور” إن محتويات يوتيوب يصعب أن تكون بديلة للأطفال، ويجب التوجه نحو إنتاج محتوى عبر جهات متخصصة للتلفزيون والمنصات الرقمية أيضَا، وأن تحقيق مشاهدات مرتفعة على يوتيوب يبرهن أن الهدف تجاري ولا يستهدف تغذية عقول الأطفال ومخاطبتهم، ولا يكون أمامهم وأسرهم سوى ترك أبنائهم لمشاهدتها بالساعات يوميا.

يوتيوب هو العلامة التجارية الأكثر شعبية لدى الأطفال، والوسيلة الترفيهية الأحب إليهم، متجاوزة في المنافسة محبة الأطفال لألعاب المكعبات الشهيرة

وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن غياب القنوات الثقافية والإنتاج المتخصص للأطفال يدعمان مقدمي المحتويات على يوتيوب، كما أن الأطفال المصريين من سن ثلاث إلى ثماني سنوات لا يوجد محتوى يخاطبهم ويكون التركيز على المسلسلات والمجلات القليلة ومخاطبة الأطفال من سن 9 سنوات.

كما أن محتويات الإعلام التقليدي تدمج بين الترفيه والتعليم ولا تجذب الطلاب الذين اعتادوا على الترفيه فقط، وأن شركات إنتاج محتويات الأطفال لديها رغبة في حشر القيم التربوية لأنها تدرك أن معدلات وصولها إلى الأطفال ضئيلة للغاية على مدار العام.

وتوقعت أن تستمر الفجوة بين الأطفال وبين أيّ محتوى رسمي عبر الإعلام التقليدي، لأن القدرة على تقديم برامج ومسلسلات ذات أهداف متنوعة ويبرز فيها الترفيه تظل غائبة، وتستمر جميع الجهات في التركيز على الجزء التعليمي الذي يكون غالبا منفرا للأطفال، وحال امتلاك قناة فضائية كاملة، فإن التنوع سيكون متاحا وتزيد معدلات إمكانية جذب الصغار إليها.

وتمزج محتويات الأطفال على منصة يوتيوب بين الدراما والترند والتسلية، وهي ثلاث محددات رئيسية يمكن أن تحقق الجذب المنشود، ولا يتماشى تموضع الجهات الإنتاجية في ألوان إعلامية مع حركة التطور الحالية على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يجعلها كمن يدخل معركة خاسرة، ويقارن البعض بين مواجهة جهات رسمية لأغاني المهرجانات دون أن يكون لديهم القدرة على الحد منها بعد انتشارها.

ويمكن قياس ذلك على المحتوى المقدم للمراهقين على يوتيوب وتيك توك، إذ أن القنوات التي تحقق معدلات اشتراك مليونية تركز على اهتمامات هؤلاء في الحياة الطبيعية وتحويلها إلى دراما تتضمن مسابقات ومقالب وترفيه، ما يجعل قناة مثل “التوينز” يقدمها التوأم رامي وجرجس تجذب نحو 10 ملايين متابع، وقناة “القيصر” التي يعد بطلها الرئيسي البلوغر أحمد ياسر تجذب 11 مليون مشترك.

الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 4 سنوات يقضون في المتوسط أكثر من ساعة في كل مرة يزورون فيها منصة مقاطع الفيديو الشهيرة

وأكدت نهى عباس في حديثها لـ”العرب” أن قوة جذب الإعلام تتمثل في تقديم كل ما هو غريب، لكن ذلك يصعب مجاراته عبر المسارات الرسمية حال جرى تدشين فضائية مصرية مخصصة للأطفال، والحل يبدأ من تقديم محتوى يجذب الأطفال إلى التلفزيون منذ الصغر وتوعية أولياء الأمور بأهمية أن يتعلق بهذا المحتوى على نحو يجعله مرتبطا به طوال سنوات الطفولة، وأن توجيه الآباء مهم لدعم وصول الرسائل الإعلامية المسؤولة، مع التوسع في تقديم محتوى واقعي يضاهي “اليوميات”، وكان ذلك يتم تقديمه عبر الشخصيات الكرتونية ثم تراجع إلى أن غاب بشكل كامل.

وذكرت أن الكفاءات القادرة على تقديم محتوى ينافس يوتيوب موجودة، لكنها مفككة وتعمل في جزر منعزلة وبإمكانيات ضئيلة، وفي حاجة إلى مشروع قومي يتم تمويله من جهات حكومية بهدف ثقافي وتربوي بعيدا عن العوائد التجارية التي قد تتحقق في حال جرى الاهتمام بجرعات التسلية.

وتشير دراسة أميركية تضمنت أكثر من 8 آلاف طفل إلى أن يوتيوب هو العلامة التجارية الأكثر شعبية لدى الأطفال، والوسيلة الترفيهية الأحب إليهم، متجاوزة في المنافسة محبة الأطفال لألعاب المكعبات الشهيرة.

ووجد استطلاع أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 4 سنوات يقضون في المتوسط أكثر من ساعة في كل مرة يزورون فيها منصة مقاطع الفيديو الشهيرة، وأكد الاستطلاع أن خوارزمية يوتيوب صممت بطريقة تحرص على إطالة وقت المشاهدة التدريجي للزائرين، والعمل على إبقاء الأشخاص مدمنين على مقاطعه القصيرة.

5