التجاذبات بين البرلمان والدبيبة حول ضريبة الدولار أول تحد للمحافظ الجديد للمصرف المركزي الليبي

مراقبون يقولون إن عبدالحميد الدبيبة والمجلس الرئاسي يحاولان السيطرة على قرارات المحافظ الجديد.
الجمعة 2024/10/11
جولة جديدة في الصراع على المؤسسات الليبية

تحول ملف الضريبة على الدولار إلى محل صراع مفتوح للإرادات بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس ومجلس النواب في بنغازي، بينما يجد المحافظ الجديد للمصرف المركزي في ليبيا ناجي عيسى نفسه ضحية للتجاذبات الحادة بين الظرفين، كما يبدو في مأزق حقيقي نتيجة مواجهته للتحدي الأول في مسيرته بعد توليه رسميا منصبه الجديد.

والأحد الماضي، قرر مجلس النواب، خفض قيمة الرسم المفروض على سعر الصرف الرسمي للعملات الأجنبية، ليصبح 20 في المئة لكل الأغراض بدلا من 27 في المئة، وذلك بناء على ما عرضه محافظ المصرف المركزي ناجي عيسى ونائبه مفتاح البرعصي بشأن تخفيض قيمة الضريبة. وحسب المادة الأولى من القرار الموقع “تخفض قيمة الرسم المفروض على سعر الصرف الرسمي على أن يكون سعر الصرف مضافا إليه هذه النسبة، مع إمكانية تخفيضه حسب ظروف إيرادات الدولة الليبية خلال مدة سريان القرار”.

ونص القرار على استخدام الإيراد المتحقق من الرسم الضريبي في تغطية “نفقات المشروعات التنموية إذا دعت الحاجة إلى ذلك”، أو إضافته إلى “الموارد المخصصة لدى مصرف ليبيا المركزي لسداد الدين العام بموجب قانون مجلس النواب رقم 30 لسنة 2023، مع مراعاة الاستثناءات الممنوحة من رئيس مجلس النواب”.

ومع بداية التعامل بقرار التخفيض الصادر عن مجلس النواب، خرج رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة الاثنين الماضي ليطالب محافظ المصرف المركزي ناجي عيسى بعدم تنفيذ قرار مجلس النواب بخفض ضريبة بيع النقد الأجنبي إلى 20 في المئة، داعيا إلى إلغائها بالكامل.

وقال الدبيبة في رسالة موجهة إلى محافظ المركزي “إن قرار رئيس مجلس النواب الأخير بشأن تعديل قيمة الرسم المفروض على سعر الصرف الرسمي الذي حدد قيمة هذا الرسم بنسبة 20 في المئة لكل الأغراض مخالف لأحكام القانون”، وأشار الدبيبة إلى أن القانون رقم (27) لسنة 2001، الخاص بتقرير بعض الأحكام في شأن الرسوم ومقابل الخدمات، حدد الجهة المختصة بفرض الرسوم وهي ليست مجلس النواب أو رئيسه.

وأعرب الدبيبة عن استغرابه من سرعة تنفيذ قرار رئيس مجلس النواب، كونه جاء تعديلا لقرار قد صدرت عدة أحكام قضائية بإلغائه، واعتبر أن هذا القرار له انعكاساته المباشرة ويؤثر سلبا على معيشة المواطن نتيجة ارتفاع سعر السلع الأساسية اللازمة للمواطنين المؤتمنة على توفيرها حكومة الوحدة الوطنية.

مختار الجديد: مطالبة حكومة الدبيبة للمركزي ببيع الدولار دون ضريبة استخفاف بالعقول
مختار الجديد: مطالبة حكومة الدبيبة للمركزي ببيع الدولار دون ضريبة استخفاف بالعقول

وقال محمد حمودة، الناطق باسم حكومة الوحدة الوطنية، إنه طالب بالاستمرار في بيع النقد الأجنبي لجميع الأغراض، دون فرض الضريبة على سعر الدولار التي حددت بنسبة 20 في المئة، لافتاً إلى أنه أوضح للمحافظ أن قرار فرض الضريبة أثَّر سلباً على معيشة المواطن.

ويقول مراقبون إن الدبيبة ومعه المجلس الرئاسي يحاولان الضغط على المحافظ الجديد ناجي عيسى في محاولة للسيطرة على قراراته، وذلك في سياق صراع التوازنات مع مجلس النواب. وكان أول قرار أصدره عيسى بعد توليه رسميا مهمة المحافظ هو سحب القرارات كافة الصادرة عن المحافظ المؤقت السابق المكلف من المجلس الرئاسي عبدالفتاح عبدالغفار خلال الفترة من 27 أغسطس إلى 1 أكتوبر الجاري.

ونص قرار المحافظ ناجي عيسى رقم 406 لسنة 2024، والذي يعد الأول بعد توليه منصبه، على سحب 55 قرارا صادر عن عبدالغفار بصفته محافظا ونائب المحافظ. وفي 30 سبتمبر الماضي، قرر عبدالغفار وقف تنفيذ قرار رئيس مجلس النواب عقيلة صالح رقم 15 للعام 2024 الخاص بفرض ضريبة على سعر الصرف الرسمي للنقد الأجنبي، لكن نص قرار المحافظ الجديد لم يتضمن إشارة إلى هذا الإجراء.

ورأى رجل الأعمال حسني بي إن قرار تعديل الضريبة من 27 في المئة إلى 20 في المئة مرحب به عمليًا لتحقيق أهداف اقتصادية مثل استقرار بل انخفاض الأسعار، وتعزيز الثقة بالدينار، وتحجيم وتقليص نشاط السوق الموازي. وأضاف ”يعتقد المضاربون أنه من الممكن تطبيق تخفيضات إضافية قبل ديسمبر 2024، رغم أن السوق الموازي لديه قدرة ومرونة في التعامل مع المتغيرات”.

وفي مارس الماضي أصدر مجلس النواب قراراً بفرض رسم على سعر الصرف الرسمي للعملات الأجنبية بقيمة 27 في المئة، وكلف المحافظ السابق الصديق الكبير “بوضع هذا القرار موضع التنفيذ وذلك بتعديل سعر بيع العملات الأجنبية بما يتوافق مع هذه الضريبة المفروضة، وتحديد القيمة المضافة على بيع تلك العملات مقابل العملة الليبية”.

وجاء قرار مجلس النواب بعد عشرة أيام من خطاب وجهه إليه الكبير، اقترح فيه تعديل سعر صرف العملات الأجنبية ما بين 5.95 دينار و6.15 دينار للدولار الواحد، بعد فرض ضريبة بنسبة 27 في المئة، معللاً ذلك بما يمر به المصرف من “صعوبة في توفير احتياجات السوق من النقد الأجنبي منذ شهر سبتمبر 2023، في ظل تزايد حجم الإنفاق العام وبلوغه مستوى 165 مليار دينار خلال العام 2023″، مشيراً إلى “وجود إنفاق موازٍ مجهول المصدر وعدم وضوح حجم الإنفاق العام لسنة 2024”.

واعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة مختار الجديد أن “مطالبة حكومة الدبيبة للمركزي ببيع الدولار دون ضريبة استخفاف بعقولنا”، وقال إن “مسؤولية ارتفاع سعر الصرف  تتحمل الحكومات الجزء الأكبر من المسؤولية عنه، والمشكلة أعمق من أن تحل بمراسلة”. وأردف “إن كانت الحكومة جادة في هذا الأمر فلتبدأ من نفسها ولتعمل على تخفيض مصروفاتها وتبدأ بتقليص العاملين بالألف في السفارات في الخارج ولتعمل على زيادة إيراداتها ولتحرك وزارتي اقتصادها وماليتها لتعمل مع المصرف المركزي على خلق تواؤم بين السياسات النقدية والمالية والتجارية”.

ووفق إحصائيات المصرف المركزي بلغ إجمالي قيمة إيرادات الرسم المفروض على مبيعات النقد الأجنبي 17.8 مليار دينار خلال الفترة من مطلع يناير إلى نهاية سبتمبر الماضي. وكشفت أرقام المصرف أن إيرادات النقد الأجنبي الموردة إلى مصرف ليبيا المركزي بلغت خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 14.4 مليار دولار، منها مبلغ 2.1 مليار دولار إتاوات. وبلغت استخدامات النقد الأجنبي حتى نهاية سبتمبر 2024 مبلغ 18.2 مليار دولار.

ويشير محللون إلى أن محاولات لي الذراع لا تزال متواصلة بين الدبيبة وعقيلة صالح لاسيما أن الدبيبة يجد دعما من محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي في سياق لعبة التحالفات القائمة حاليا في طرابلس والتي تهدف في الجزء الأكبر منها إلى استمرار الأوضاع على ما هي عليه، وتحويل الأزمة المالية إلى واقع جديد يفرضه الصراع السياسي المختلف بشأنه والمتفق على الغاية الأبرز منه وهي استبعاد الحل بما يضمن دوام الفرقاء الحاليين على كرسي السلطة إلى أجل غير مسمى.

4