هل تضغط خسائر حزب الله على حماس لقبول مقترح النفي إلى السودان

تروج وسائل إعلام إسرائيلية لمقترح لوقف إطلاق النار في غزة يقضي بإبعاد قيادات حماس إلى السودان، ويشكك محللون في جدية المقترح حيث يرون بأنه مناورة إسرائيلية جديدة، وأن القيادة التي تبسط نفوذها على الحركة لا تبدو في وارد القبول بهكذا مقترح.
القاهرة- تزايد الحديث عن إمكانية التقدم بمقترح يتضمن نفي زعيم حركة حماس يحيى السنوار وعدد من قيادات الحركة إلى السودان في مقابل وقف إسرائيل حربها على قطاع غزة، تزامناً مع توالي الاستهدافات التي يتعرض لها قادة حزب الله في لبنان، وقادت إلى مقتل عدد من قياداته البارزين، ما يشكل ضغطا لتصدير ورقة الخروج من القطاع، بما يقود إلى حلحلة مفاوضات تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس.
وذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أخيرا أن مسؤولين في حكومة بنيامين نتنياهو يدرسون التوصل إلى صفقة تفضي لإطلاق سراح الرهائن، تشمل السماح بخروج يحيى السنوار من القطاع إلى السودان، وجاء المقترح كجزء من خطوة ستجعل من الممكن إنهاء حكم حماس في غزة وتحرير الرهائن.
ويشمل المقترح الإسرائيلي، محل الدراسة، رفع تجميد أصول حماس في السودان المحجوز عليها منذ نحو ثلاث سنوات، بعد إلغاء الولايات المتحدة إدراج السودان كدولة راعية للإرهاب.
وكان نتنياهو صرّح بأنه “لن يصر على قتل السنوار ومسؤولين كبار آخرين في حماس، ولا يستبعد نفيهم إلى دولة ثالثة كجزء من اتفاق لإنهاء الحرب”.
وقلّل مراقبون من إتمام الصفقة بتلك الصيغة، لأن حماس ترفض العرض، وتدرك أن الخروج يسهّل استهداف السنوار وباقي القيادات، لأن السودان يعاني حالة فوضى جراء الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ حوالي عام ونصف العام، ويتطلب الأمر عملية سياسية شاملة يكون ضمنها إبعاد القيادات وليس طرح النفي منزوعاً عن خيارات إقامة الدولة الفلسطينية.
كما أن إسرائيل ليست مضطرة لتقديم تنازلات تساعد في ترميم الحركة من الخارج وهي تدرك بأنها الآن في موقف قوة وتحاول أن تُلحق أكبر قدر من الخسائر بقادة حماس وليس مستبعداً أن يكون هدفها الرئيسي الوصول إلى قادة الحركة داخل غزة أسوة بما حدث في الضاحية الجنوبية ببيروت للتأكيد على تحقيق أهداف الحرب المعلنة.
ناهيك عن أن الجيش السوداني من الصعب عليه تحمل تبعات نقل قادة الحركة إلى السودان، وأن توتر علاقاته مع الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية عقب فشل جهود وقف الحرب مع الدعم السريع، يصعّب الدخول في مشاورات معه لإيواء قادة الحركة، ويبدو التلويح بالنفي ورقة يجري توظيفها في الصراع بين إسرائيل وحماس.
وكانت هيئة البث الإسرائيلية ذكرت في سبتمبر الماضي أن إسرائيل طرحت مقترحًا جديدًا لوقف إطلاق النار في غزة قدمته إلى الولايات المتحدة، يتضمن مصير السنوار، وينص على إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين دفعة واحدة، وتأمين خروج زعيم الحركة من غزة، وكل من يرغب في مغادرة القطاع من عناصر حماس.
وقال الخبير المصري في الشؤون الإسرائيلية طارق فهمي إن النقاش حول مستقبل قادة حركة حماس تضمن أيضا إبعادهم إلى الجزائر أو روسيا أو الصين أو ماليزيا، وتم استبعاد إيران وقطر وتركيا لأسباب مختلفة، ويبقى السودان الأكثر واقعية في حال وافقت الحركة، خاصة أن إسرائيل تحدثت في البداية عن استبعاد السنوار إلى جانب 22 قياديا لكنها الآن تتحدث عن أكثر من ألف شخص ما يُصعّب من نجاح الصفقة، وأن القضية ليست بمثل هذه الصورة السطحية التي تتعامل معها حكومة إسرائيل.
وأوضح فهمي في تصريح لـ”العرب” أن فكرة الإقصاء غير واردة لدى حركة حماس وهي من الأوراق التي يتم توظيفها للضغط السياسي عليها أو المناورة نحو تحقيق أهداف إسرائيلية أخرى بعد عام من بدء الحرب، لافتا إلى أن حكومة نتنياهو ليست لديها أهداف سوى اغتيال قادة الحركة، وليس من السهل أن تقبل بالخروج وهي تستمر في نهج المواجهة إلى نهاية المطاف.
وأشار إلى أن قادة حماس لا يتواجدون في غزة فقط، حيث ينتشرون في أماكن مختلفة، وحال جرى إبعاد قادة الصف الأول فعناصر الصف الثاني سيكونون أكثر شراسة من الذين يديرون العمليات الآن في الواجهة.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” نقلا عن مسؤولين أميركيين أن زعيم حماس لن يوافق على صفقة مع إسرائيل مهما كانت شروطها، وأن السنوار اتخذ مواقف أكثر تشددا مؤخرا، مع اقتراب الحرب في قطاع غزة من عامها الثاني.
وأكد القيادي في حركة حماس عزت الرشق عبر حسابه على تليغرام أن إبعاد الحركة أو قادتها عن غزة “وهم إسرائيلي” لن يتحقق، مضيفا “لا أعلّق عادة على الشائعات السخيفة التي تنشرها بعض وسائل الإعلام، وحماس موجودة في فلسطين..”.
وذكر أستاذ الدراسات العبرية بجامعة الإسكندرية أحمد فؤاد أنور أن فكرة الإبعاد جرى اعتمادها من قبل مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات حينما خرج من بيروت إلى تونس، لكن ظهرت مقاومة أشرس وأكثر قوة في جنوب لبنان، وأن هذه المرة من الصعب أن تستجيب حماس لمطالب الإبعاد لأنها هذه المرة تترك فلسطين بأكملها كما أن السياقات الإقليمية والدولية اختلفت.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن الأحاديث الإسرائيلية عن السودان تتعلق باعتباره دولة تعاني من حالة سيولة أمنية، ويمكن الضغط عليه للقبول بالمقترح إذا وافقت حماس، كما أن عملية تجنيد العملاء في السودان لمتابعة قادة حماس أكثر سهولة لدى إسرائيل في ظل الحرب الدائرة بالسودان، وأن تل أبيب تتعامل مع مثل هذه العروض ضمن أدوات الضغط التي تمارسها على حماس ومساعيها لاغتيال قادتها.
ولفت أنور إلى أن ما يقبله الفلسطينيون تقبل به مصر وقد تتوجه لحماس أو غيرها من فصائل المقاومة بالنصيحة والرؤية السليمة، لكنها لا تفرضها عليهم، وفي الوقت ذاته فمسألة وجود قوات عربية أو إسلامية لإدارة القطاع أمر مطروح نظريا، لكن أيّ من تلك الدول لن تقبل الحضور إلا في حال كان هناك أفق سياسي ودولة فلسطينية.
ويؤكد متابعون على أنه لا سبيل في الوقت الحالي سوى المفاوضات والتسوية السياسية التي يجب أن تكون عادلة بما يضمن إطالة استمراريتها، وأن المسكنات التي تطلبها إسرائيل لن تُجدي نفعاً، لأن المقاومة أثبتت أنها لا تستجيب للضغط العسكري عليها، وبعد مرور عام مازالت صواريخ حماس يتم إطلاقها من داخل القطاع، كما أن إدارته عمليا تحت سيطرة الحركة التي تمتلك المخابز والمستشفيات ويتم التنسيق معها في العمل الإغاثي، كما أن غالبية الدول العربية والرئيس الفلسطيني محمود عباس يرفضان مبدأ إدارة القطاع على ظهر الدبابة الإسرائيلية.
وراجت أحاديث عن إن إحدى الأفكار التي يتم التباحث حولها لوقف إطلاق النار في غزة تتضمن انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، وإتمام صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين، على أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة القطاع مقابل خروج حماس عبر معبر رفح إلى مصر، وبعدها إلى السودان، حيث ستحصل على مكاسب مالية وسياسية، والجيش السوداني وافق على استضافة قادة حماس ومقاتليها على أراضيه.