تحرك سعودي.. لكن لتطويق من

قالت مصادر غربية وإقليمية إن إيران تتوسط محادثات سرية جارية بين روسيا وجماعة الحوثيين في اليمن لنقل صواريخ مضادة للسفن إلى الحوثيين، وهو تطور يسلط الضوء على العلاقات المتنامية بين طهران وموسكو. وقالت المصادر إن روسيا لم تقرر بعد نقل صواريخ ياخونت المعروفة أيضًا باسم “بي 800 أونيكس”، والتي قال خبراء إنها ستسمح للحوثيين بضرب السفن التجارية في البحر الأحمر بدقة أكبر، وزيادة التهديد للسفن الحربية الأميركية والأوروبية، التي توفر الحماية لحركة الملاحة.
مثل هكذا خبر من المفترض أن يقلق الولايات المتحدة وحلفاءها الذين شكلوا حلفًا إستراتيجيًا أعلن عنه وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، في أغسطس من عام 2023، تحت اسم “حارس الازدهار” في البحر الأحمر لحماية السفن التجارية في ملاحتها بالبحر الأحمر. لكنّ هذا الخبر شكّل أزمة عند المملكة العربية السعودية من تسليح جماعة الحوثيين، حيث شكلت المملكة مع بعض الدول العربية تحالفًا خاض عملية “عاصفة الحزم” التي دامت أكثر من سبع سنوات للقضاء عليها.
وسعت المملكة العربية السعودية إلى ترتيب أوراقها في المنطقة مستفيدة من الشرخ الدولي القائم، بين الحلف الصاعد المتمثل في روسيا والصين ومن يدور في فلكهما لاسيما إيران وبين الغرب بقيادة أميركية. لهذا عمدت المملكة بتوجيهات من ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان إلى الابتعاد عن التموضعات فكان التقارب السعودي – الإيراني برعاية صينية ومباركة روسية. هذا ما أعطى المملكة حافزًا للتحرر من اتفاقية “كوينسي” مع الولايات المتحدة لكن مع الاحتفاظ بعلاقة مع واشنطن رغم عدم الانسجام بين الرياض وإدارة الرئيس الحالي جو بادين في عدة ملفات.
وتطورت العلاقة الروسية – السعودية بعدما تمّ التوافق على خفض الإنتاج لبراميل النفط في مجموعة أوبك بلاس، الأمر الذي حافظ على أسعار النفط بمشقاتها لصالح روسيا كي تستطيع الوقوف أمام العقوبات الأممية التي فرضها الغرب عليها بعد حرب أوكرانيا. هذا الأمر استفزّ الجانب الأميركي، ولكنه انعكس ارتياحا على العلاقة مع روسيا، التي مهدت الطريق لفرض التهدئة مع الحوثيين.
◙ خبر مدّ الحوثيين بالأسلحة المتطورة من الجانب الروسي برعاية إيرانية، أعطى السعودية هامشًا من التحرك لتوجيه ضربة مزدوجة إلى روسيا وإيران
لكنّ خبر مدّ الحوثيين بالأسلحة المتطورة من الجانب الروسي برعاية إيرانية، أعطى السعودية هامشًا من التحرك لتوجيه ضربة مزدوجة إلى روسيا وإيران، لكنّ دون أن تكون ضربة قاصمة. لقد ذكرت مجلة “نيوزويك” الأميركية، أن السعودية تتحضر لزيادة إنتاج النفط في ما اعتبرته “ضربة” للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتمويل آلة الحرب الروسية على أوكرانيا. وأوضحت المجلة أن المملكة تستعد للتخلي عن هدف سعر النفط الخام البالغ 100 دولار للبرميل مع تحركها لزيادة الإنتاج، ما يشير إلى قبولها بانخفاض الأسعار.
ومن المرجح أن تؤثر زيادة المملكة في إنتاج النفط، خاصة إذا اقترنت بانخفاض الأسعار، في الاقتصاد الروسي. لهذا قد تكون الرياض اتبّعت هذه الخطوة ليس في سيبل المواجهة مع روسيا، بل على سبيل توجيه إنذارًا عن أن للمملكة خطوطها الحمراء، لاسيما مع تصاعد التهديدات الحوثية تجاه المملكة من بوابة تمزيق ما تمّ الاتفاق عليه سابقًا، ما يجعل الأمور تزداد سوءًا على حدودها مع اليمن.
وذهبت المملكة في قراءة الوساطة الإيرانية بين الحوثيين والروس باعتبارها تغيّرا في سلوك إيران في المنطقة، لهذا قامت الرياض بإطلاق مبادرة جديّة ترتبط بتشكيل تحالف دولي من أجل “قيام دولة فلسطين”. إذ أكدت السعودية الجمعة 27 سبتمبر الماضي، مرارًا أنها لن تطبّع العلاقات مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية. جاء ذلك في اجتماع وزاري بشأن القضية الفلسطينية وجهود السلام، عقد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ79 بمدينة نيويورك الأميركية، بحسب وكالة الأنباء السعودية (واس).
وسعت إيران بعد 7 أكتوبر، وعملية طوفان الأقصى، لتكريس نفسها المدافع الأول والرئيسي عن فلسطين، حيث استنفرت كافة جبهاتها في ما يعرف بالـ”محور الممانع” إلى دعم حركة حماس في ردع العدوان الإسرائيلي على القطاع. كما ودخلت في عملية التصنيف للدول العربية بين من هو مع القضية ومن هو خائن وعميل، حتى أنها اعتبرت أنّ من أهداف الطوفان كان تعطيل عملية التطبيع التي كانت على وشك أن تتمّ بين الإسرائيليين والمملكة العربية السعودية.
إن الدعوة السعودية لتشكيل تحالف دولي تأتي في سياق سحب ورقة فلسطين من يد إيران، على اعتبار أنّها في هذه الخطوة تستطيع أخذ طهران إلى وقف لعب دور الوسيط بين الحوثيين وروسيا، لأن في هذا تهديدًا للأمن القومي للمملكة. وفي سياق آخر تعيد المملكة دورها التاريخي في احتضان الدور العربي والمسلم، لاسيما وأن مثل هكذا دعوة كانت أنقرة قد وجهتها سابقًا، وكذلك طهران دون أن تلقى آذانًا صاغية.
استفزت الخطوة الإيرانية الجانب السعودي على اعتبار أن ملف الحوثي لم يغلق كما يجب، وبما يتنسب مع رؤية الرياض 2030 السياحية والتي تحتاج إلى حدود آمنة لا وجود فيها لجماعات باتت تعتبر من أهم التنظيمات في المنطقة. إذ كيف ينتظر البعض ألاّ تتحرك المملكة لتوجيه ضربة لداعمي الحوثي حيث قال عبدالملك الحوثي، زعيم الجماعة، يوم السبت 21 سبتمبر الماضي إن جماعته “تمتلك ترسانة حربية متطورة لا تمتلكها الكثير من الدول”، ألا يكون في هذا يوجه رسالة إلى المملكة قبل غيرها؟