وفاة السنوار تشكل تحديا جديدا لإسرائيل وحماس

مخطط حماس لتدمير إسرائيل انتحاري ورغبة نتنياهو في تحقيق "نصر كامل" على حماس هو هدف وهمي لا يمكن أن يتحقق أبدا.
الأحد 2024/10/27
حماس في معضلة كبيرة بعد فقدان السنوار

تشكل وفاة يحيى السنوار، العقل المدبر وراء الهجوم الوحشي الذي وقع في السابع من أكتوبر من العام الماضي والذي أدى إلى حرب غزة، تحديا جديدا لبنيامين نتنياهو وحماس. فلم يحقق أي منهما هدفه النهائي ويواجه الآن واقعا جديدا لا يستطيعان التخلص منه.

لا تشكل وفاة زعيم حماس يحيى السنوار أهمية إلا إذا استخدمها نتنياهو وحماس لدفع اتفاق وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين مع توفير الإمدادات الضرورية من الغذاء والوقود والأدوية للفلسطينيين المدمرين.

وينبغي أن يتبع ذلك وقف إطلاق نار طويل الأمد، حيث ينبغي وضع إطار عام من شأنه أن يؤدي إلى إنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني من خلال عملية مصالحة على مدى عدة سنوات، تتوج بإنشاء دولة فلسطينية. وإلا، فإذا لم ينتهز أيّ منهما الفرصة، فإن اغتيال السنوار لن يكون سوى عملية قتل أخرى لزعيم من حماس أو حزب الله الذي غالبا ما سيحل محله زعماء أكثر تطرفا.

لقد ثبت أن مخطط حماس لتدمير إسرائيل انتحاري تقريبا وذلك نظرا للدمار الهائل غير المسبوق والموت الذي ألحقته إسرائيل بغزة. وعلى العكس من ذلك، ثبت أن رغبة رئيس الوزراء نتنياهو في تحقيق “نصر كامل” على حماس هو هدف وهمي لا يمكن أن يتحقق أبدا بسبب طبيعة أيديولوجية حماس وبنيتها ومقاومتها الدائمة. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن كلا الجانبين لا يزالان يتمسكان بنفس الموقف، إلا أنهما يدركان أن هدفهما النهائي المتمثل في تدمير كلّ منهما للطرف الآخر غير قابل للدفاع عنه. والسؤال هو، إلى أين سيذهبان من هنا؟

◄ العالم العربي بأكمله لا يزال مستعدا لاحتضان إسرائيل، شريطة أن تحتضن إسرائيل حق الفلسطينيين في تقرير المصير

من المعروف جيدا أن نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب، ليس لأنه يعتقد أنه قادر على الفوز بها ولكن بسبب حسابات شخصية سوف تكون كارثية إذا لم يغير مساره. وأي شخص درس عقيدة حماس سوف يشهد أنه بغض النظر عن الخسائر الفادحة والخراب الذي تكبدته، فإنها سوف تبقى كحركة. حماس سوف تستمر في إرهاب الإسرائيليين من جبهات عديدة، وخاصة من الضفة الغربية حيث تتمتع بحضور قوي، حتى لو لم تعد تحكم غزة، ما لم تعترف إسرائيل بحق الفلسطينيين في تقرير المصير الذي يطمح إليه كل الفلسطينيين.

ولكن بالنسبة إلى نتنياهو وحكومته المتطرفة، فإن المطلب الفلسطيني ببساطة غير قابل للنقاش. فبدلا من السعي إلى وقف إطلاق النار، دعا نتنياهو حماس إلى إلقاء سلاحها والاستسلام، متوقعا تماما أن حماس لن تستسلم أبدا. وهذا هو بالضبط ما يعتمد عليه نتنياهو لتبرير استمرار الحرب، وأكثر من أيّ شيء آخر، للبقاء في السلطة. وهو يخشى أن تنهار حكومته إذا وافق على وقف إطلاق النار، حيث هدد العديد من الوزراء بالاستقالة إذا فعل ذلك. وعلاوة على ذلك، فبمجرد خروجه من السلطة، سيواجه لجنة تحقيق بشأن هجوم السابع من أكتوبر، هذا بالإضافة إلى التهم الجنائية الثلاث المعلقة ضده والتي يمكن أن ترسله إلى السجن إذا أدين.

والسؤال هو، هل سيضع نتنياهو، للمرة الأولى، مصالح بلاده قبل مصالحه الخاصة من خلال التوصل إلى وقف إطلاق النار كخطوة أولى نحو إنهاء الحرب في غزة، وتهدئة الأعمال العدائية مع حزب الله، ومنع المزيد من التصعيد في الأعمال العدائية مع إيران؟

وعلى الرغم من تصريحاتهم العدوانية ضد إسرائيل ودعوتهم للانتقام لمقتل السنوار وحسن نصرالله، فإن قادة حماس وحزب الله الجدد يريدون إنهاء الصراع خوفا من المزيد من الدمار. وإيران، على وجه الخصوص تشعر بقلق عميق من أن العنف الإقليمي واسع النطاق قد يؤدي إلى حرب إقليمية كاملة تجبر الولايات المتحدة عن غير قصد على الانضمام إلى المعركة إلى جانب إسرائيل، وهو ما تريد إيران تجنبه بشدة.

وفي أعقاب وفاة السنوار، تتاح فرصة جديدة لإعادة تشكيل الحكم في غزة من خلال السماح للسلطة الفلسطينية تحت قيادة جديدة بتولي السيطرة. ينبغي للقوات الإسرائيلية أن تبقى في غزة للحفاظ على الأمن لمدة تتراوح بين 12 و18 شهرا، وخلال هذه الفترة سوف تنظم السلطة الفلسطينية نفسها إداريا بدعم من الأمم المتحدة ووكالات دول أخرى. وفي الوقت نفسه، سوف يتم تجنيد وتدريب وتجهيز قوات الأمن الفلسطينية الداخلية من قبل العديد من القوى المتحالفة وغير المتحالفة تحت إشراف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

وبمجرد تدريب هذه القوة واستعدادها بالكامل، فإنها سوف تتولى تدريجيا مسؤولية الأمن. وعلى إسرائيل أيضا أن تسحب قواتها على مراحل، ولكنها سوف تستمر في التعاون في جميع المسائل الأمنية لتهدئة مخاوفها وضمان الاستدامة.

وبدلا من المطالبة باستسلام حماس، وهو أمر غير قابل للتنفيذ على الإطلاق، يتعين على إسرائيل أن توضح أنها لن تعارض أي منظمة فلسطينية، بما في ذلك حماس، تكون على استعداد للاعتراف بحق إسرائيل في الوجود للانضمام إلى السلطة الفلسطينية في أي حكومة مستقبلية في غزة والضفة الغربية.

وقد يقول البعض إن هذا ليس أقل من مكافأة حماس على هجومها ضد إسرائيل. وهم مخطئون. فقد نجحت إسرائيل في تقليص القدرات العسكرية لحماس تقريبا وقطع رؤوس قادتها، والآن تستطيع أن تقوم بمثل هذه البادرة من موقع قوة دون إذلال الفلسطينيين، لأن إسرائيل في نهاية المطاف لا بد وأن تعترف بحقوق الفلسطينيين دون المساس بأمنها، بل وتعزيزه.

◄ ثبت أن رغبة نتنياهو في تحقيق "نصر كامل" على حماس هو هدف وهمي لا يمكن أن يتحقق أبدا
ثبت أن رغبة نتنياهو في تحقيق "نصر كامل" على حماس هو هدف وهمي لا يمكن أن يتحقق أبدا

وبغض النظر عن مدى ضعف حماس وتدميرها، فإن هجومها في أكتوبر وقدرتها القتالية في مواجهة الجيش الإسرائيلي ربما كان ليجعلها أكثر شعبية بين الفلسطينيين، وخاصة في الضفة الغربية (أظهر استطلاع للرأي أجري في يوليو أن 41 في المئة من سكان الضفة الغربية يؤيدون حماس، مقارنة بنحو 12 في المئة في سبتمبر الماضي). والواقع أن الزيادة الهائلة في العنف في الضفة الغربية على مدى العام الماضي تعزى إلى حد كبير إلى إرهاب حماس. لا يمكن لأيّ سلطة فلسطينية أن تحكم غزة من خلال تجاهل حماس التي لا تزال قادرة على تخريب أي ترتيب جديد مع السلطة الفلسطينية دون بذل الكثير من الجهد إذا لم تكن جزءا لا يتجزأ منها.

ويزعم آخرون أن هذا أمر مبالغ فيه إلى حد كبير ولن يوافق نتنياهو عليه أبدا. وعلاوة على ذلك، فهو مقيّد أيضا بوزراء مدفوعين بأوهام مسيانية تدعو إلى إعادة احتلال غزة وإقامة حكم عسكري فيها وحتى بناء مستوطنات جديدة. وعلاوة على ذلك، رفض نتنياهو في الماضي التفاوض مع أيّ حكومة وحدة فلسطينية تضم حماس. وأنا أتفق على أن هذه مهمة شاقة، ولكن بعد ذلك، ستضيع فرصة أخرى، وستذهب كل التضحيات التي قدمتها إسرائيل سدى. وستستمر دائرة العنف التي ستحصد المزيد من الأرواح، ولن يتغير شيء جوهريا حتى يستيقظ الإسرائيليون على حقيقة وجود الفلسطينيين وحقوقهم.

يتعين على معظم الإسرائيليين الذين صدّقوا رواية نتنياهو الكاذبة التي تدعي أن الفلسطينيين لا يريدون السلام بل يسعون إلى تدمير إسرائيل أن يتذكروا أن المقاومة الفلسطينية العنيفة ضد إسرائيل ليست غاية في حد ذاتها؛ إنها نضال لإنهاء الاحتلال والفوز بتقرير المصير.

ولكن لماذا لا نطالب الفلسطينيين بالبدء في محادثات السلام دون أيّ شروط مسبقة والاستمرار في التفاوض حتى يتم التوصل إلى اتفاق مع التعاون الأمني الشامل؟ فإذا رفض الفلسطينيون التفاوض بموجب هذه الشروط، فإن إسرائيل سوف يكون لها كل الحق في معارضة حق تقرير المصير الفلسطيني.

وإذا كان الإسرائيليون قد تعلموا أي شيء من الاحتلال الإسرائيلي الذي دام 57 عاما، فهو أن الفلسطينيين لن يتنازلوا أبدا عن حقهم في تقرير المصير، وأن المتطرفين بينهم سوف يستمرون في مقاومة إسرائيل بكل الوسائل المتاحة لهم حتى يحققوا طموحاتهم الوطنية، حتى ولو استغرق الأمر مئة عام أخرى.

ويتعين على كل إسرائيلي أن يتذكر أنه حتى أكثر المنظمات تطرفا وعنفا تغير مسارها عندما تواجه حقائق جديدة، بما في ذلك الضغوط العسكرية والإرهاق العام والافتقار إلى الدعم المادي والسياسي وعبثية الاستمرار في الكفاح المسلح؛ وحماس ليست استثناء. وعلى الرغم من عقيدتها القائمة على أساس ديني، فإن الحرب في غزة والموت والدمار الهائل الذي أعقبها علّمت حماس درسا مريرا لا تريد أن تختبره مرة أخرى على الإطلاق. ولكنهم يحتاجون إلى إظهار بعض التقدم نحو تقرير المصير الفلسطيني مقابل تضحياتهم غير المسبوقة، وليس أن يهانوا بإلقاء أسلحتهم والاستسلام، لأن إذلالهم ينعكس على جميع الفلسطينيين، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية.

تُظهِر العديد من الأمثلة المقنعة أنه حتى أكثر المنظمات تطرفا أدركت أن استمرار صراعاتها أصبح عبثيا ومدمرا للذات، واضطرت إلى تغيير مسارها. ومن هذه:

الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA). فقد كان الجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت أكبر قوة شبه عسكرية جمهورية وأبرزها أثناء الاضطرابات. فبعد عقود من الصراع العنيف والجمود العسكري والسياسي، وافق التنظيم على وقف إطلاق النار في عام 1997 ولعب دورا حاسما في عملية السلام، مما أدى إلى اتفاق الجمعة العظيمة عام 1998. وأعلن الجيش الجمهوري الأيرلندي رسميا انتهاء حربه ضد الحكومة البريطانية في عام 2005، وأصبح حزب شين فين السياسي المرتبط به ارتباطا وثيقا، أكبر حزب سياسي الآن في الجمعية العمومية/برلمان أيرلندا الشمالية.

القوات المسلحة الثورية الكولومبية  (FARC)- وهي جماعة حرب عصابات ماركسية لينينية – شنّت تمردا عنيفا في كولومبيا لأكثر من 50 عاما، وروجت للزراعة ومعاداة الإمبريالية. ومع ذلك، وفي مواجهة النكسات العسكرية والحقائق السياسية المتغيرة، دخلت الجماعة في مفاوضات سلام مع الحكومة الكولومبية ووقعت في نهاية المطاف اتفاقية سلام في عام 2016، وتحولت إلى حزب سياسي قانوني ظهر لأول مرة في العام التالي.

قاتلت جبهة تحرير مورو الإسلامية (MILF)– وهي جماعة انفصالية إسلامية – في الفلبين لعقود من الزمان من أجل إقامة دولة إسلامية مستقلة في جنوب الفلبين وخاضت عقودا من المفاوضات المختلفة مع الحكومة بشأن الحكم الذاتي دون أي اتفاق دائم. ومع ذلك، بعد هذه السنوات من المفاوضات، وقعت الجماعة اتفاقية سلام شاملة مع الحكومة الفلبينية في عام 2014، وفي المقابل، منحت الحكومة حكما ذاتيا موسعا للمسلمين في الجنوب في عام 2018.

◄ لا يمكن لأي سلطة فلسطينية أن تحكم غزة من خلال تجاهل حماس التي لا تزال قادرة على تخريب أي ترتيب جديد مع السلطة الفلسطينية

توضح هذه الأمثلة أنه حتى المنظمات المتطرفة الراسخة يمكن أن تختار في النهاية التخلي عن العنف ومتابعة أهدافها من خلال الوسائل السلمية عندما لا تواجه أيّ خيار آخر. ومنظمة التحرير الفلسطينية نفسها هي مثال آخر؛ ففي عام 1993 توصلت منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية إلى اتفاق بشأن الاعتراف المتبادل (اتفاقيات أوسلو)، ونبذ الرئيس عرفات استخدام العنف لتحقيق أهداف المنظمة.

لا توجد دولة عربية واحدة تذرف دمعة واحدة على وفاة السنوار أو إسماعيل هنية، وعلى تدمير القدرات العسكرية لحماس تقريبا. ومع ذلك، فقد شهدت هذه الدول الموت المروع لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء في غزة والدمار الهائل الذي دمر جزءا كبيرا من غزة. لم يعد بإمكانها تجاهل محنة الفلسطينيين ولا صرخة جماهيرها لدعم الفلسطينيين.

وبالتالي، لن تجرؤ أي دولة عربية، وخاصة المملكة العربية السعودية، على تطبيع العلاقات مع إسرائيل ما لم توافق إسرائيل على مسار ملزم من شأنه أن يؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية. إن إسرائيل لا بد وأن تنتبه بشكل خاص إلى حقيقة مفادها أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى تتفاوض مع إيران لتطبيع العلاقات معها (عدو إسرائيل اللدود) لتجنب التهديدات الإيرانية المستقبلية بدلا من السعي إلى تحالف مع إسرائيل لحرمان إيران من طموحاتها في الهيمنة الإقليمية.

أنا على ثقة تامّة بأن نتنياهو وحكومته لن يقدما على مثل هذا النهج “غير التقليدي” في البحث عن حل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني مع أخذ حركة حماس في الاعتبار. وهذا ببساطة لن يحدث تحت إشراف نتنياهو. لقد حان الوقت لكي يتخلص الإسرائيليون من محرّض الحرب الذي يريد أن يعيش بالسيف ويجر إسرائيل معه إلى الهاوية.

إن العالم العربي بأكمله لا يزال مستعدا لاحتضان إسرائيل، شريطة أن تحتضن إسرائيل حق الفلسطينيين في تقرير المصير. إن التاريخ الطويل والمؤلم للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، والذي بلغ ذروته بحرب غزة، يستبعد أيّ بديل آخر مهما طال الزمن.

6