خلاف حول المحكمة الدستورية يزج بالقضاء في أتون الأزمة الليبية

أزمة المحكمة الدستورية تضاف إلى سلسلة القضايا والأزمات التي تواجهها ليبيا نتيجة حالة الاستقطاب السياسي والتجاذبات حول الشرعية بين الفرقاء الفاعلين.
الخميس 2024/10/03
البرلمان يثير الجدل مرة أخرى

ما إن تم الإعلان رسميا عن طي صفحة الصراع بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب حول إدارة مصرف ليبيا المركزي، حتى برزت للعيان قضية جديدة تنذر بأزمة قد تطال مؤسسة القضاء، وهي المتعلقة بالجدل القائم بين الطرفين حول دستورية المحكمة الدستورية العليا التي تم تنصيبها الأسبوع الماضي في بنغازي، بالرغم من طعن المحكمة العليا بطرابلس في شرعيتها، ورفض مجلس الدولة الاعتراف بها.

وأكد مجلس النواب أن المحكمة العليا لا ولاية لها في نظر الطعون الدستورية بعد صدور قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا، وذلك ردا على ما دعا إليه المجلس الرئاسي من ضرورة إعادة النظر في قانون المحكمة الدستورية استنادا إلى حكم صادر عن المحكمة العليا.

وقال المجلس في بيان إن حكم الدائرة الدستورية في المحكمة العليا منعدم لصدوره قبل أن يولد قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا، إذ جرى الطعن عليه في 12 ديسمبر 2022، وصدر الحكم في 5 مارس 2023، في حين أقر النواب القانون في 29 مارس 2023، أي أن قرار المحكمة سبق صدور القانون بـ24 يوما.

 وأضاف “كان الأجدر بالدائرة الدستورية (بالمحكمة العليا)، أن تحكم بعدم قبول الطعن لرفعه قبل الأوان”، مشيرا إلى أن الدائرة الدستورية توقفت عن العمل منذ 2014 إلى 2021، أي مدة سبع سنوات، فكانت قضاءً معطلاً.

وانتقد المجلس قول المحكمة “بعدم ولايته في إصدار قانون المحكمة الدستورية لاختصاصه بقوانين المرحلة الانتقالية فقط”، مردفا “لو صح ذلك فهذا القانون (المحكمة الدستورية العليا) هو الأولى بالمرحلة الانتقالية، فإنشاء قضاء متخصص في هذه المرحلة من شأنه أن يضبط الأمور في البلاد، ولا تتكرر الأخطاء ولتجنب صدور أحكام على قوانين قبل أن تولد”.

وقال إن هذا القانون “يؤكد مجددا حرصنا على حصانة القضاء واستقلاله، وليس من اختصاصات المجلس الرئاسي التعقيب على أعمال مجلس النواب المنتخب من الشعب، وهو جسم غير منتخب”.

وجاء ذلك بعد أن دعا المجلس الرئاسي مجلس النواب إلى إعادة النظر في مشروع قانون المحكمة الدستورية العليا، وإلغاء قراراته الأحادية، والعودة إلى الحوار السياسي، معتبرا أن إصدار القانون في هذا التوقيت “يعمق حالة الانسداد السياسي”، وذلك بعدما أدى أعضاء المحكمة الجديدة اليمين القانونية بمقر ديوان مجلس النواب في بنغازي.

وقال المجلس إنه أراد عرض موقفه “بشأن إنشاء المحكمة الدستورية العليا وما يرتبط به من تطورات قانونية وسياسية”، وذلك في إطار التزامه “بتعزيز الاستقرار السياسي ودعم سيادة القانون وتأكيدا على أهمية الحفاظ على استقلالية القضاء وضمان توازن السلطات”، مشددا “على أن العملية التشريعية في الدولة الليبية يجب أن تستند إلى أسس دستورية وقانونية ثابتة، تراعي مصلحة البلاد العليا”. وأكد على أن “أي تشريع ينبغي أن يكون مدفوعا بحاجات ضرورية ملحة، لا أن يكون وسيلة لتحقيق مصالح محدودة أو فئوية”.

وتابع المجلس أن مشروع قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا “كما هو مطروح حاليا، يؤدي إلى تغير النظام القضائي الليبي السائد منذ استقلالها دون نص بالإعلان الدستوري يستند إليه”، لافتا إلى أنه “لم يعرض على الدائرة الدستورية للمحكمة العليا، والتي استأنفت عملها وتؤدي دورها بكل كفاءة”.

وذكر المجلس الرئاسي أن “المحكمة العليا قد أصدرت سابقا حكما قضى بعدم دستورية القانون رقم (4) و(5) لسنة 70 ق بشأن إنشاء المحكمة الدستورية”، مشيرا إلى أنه “حكم قضائي واجب الاحترام من قبل الجميع، ما يدعو إلى التريث في إصدار أي تشريع مماثل”.

وتابع أن “توقيت إصدار هذا القانون في هذه المرحلة الدقيقة يثير القلق، حيث من شأنه أن يعمق حالة الانسداد السياسي القائم ويزيد من تعقيد المشهد الوطني”، مبرزا أن “المشروع كما هو مطروح يمنح مجلس النواب سلطات واسعة تتعلق بتشكيل المحكمة واختيار أعضائها، ما يعزز نفوذ المجلس على القضاء ويضعف توازن السلطات في البلاد”.

عبدالله بليحق: المجلس صوت بالإجماع على اختيار رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية
عبدالله بليحق: المجلس صوت بالإجماع على اختيار رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية

وكان مستشارو المحكمة الدستورية العليا أدوا اليمين القانونية أمام النائب الثاني لرئيس مجلس النواب مصباح دومة وعدد من أعضاء المجلس وذلك بديوان المجلس في مدينة بنغازي، إيذانا بتدشين عمل المحكمة.

وقامت وزارة العدل بالحكومة المنبثقة عن مجلس النواب في 19 سبتمبر الماضي بافتتاح مقر المحكمة الجديدة بحضور رئيس المجلس التسييري لبلدية بنغازي صقر بوجواري، وعدد من أعضاء مجلس النواب ووكيل وزارة الداخلية، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية، والمستشار المحامي العام، وعدد من المستشارين وأعضاء المحكمة ورؤساء المحاكم والنيابات والهيئات القضائية.

وتولى مجلس النواب تعيين المستشارين بالمحكمة الدستورية، وهم محمد سالم الحضيري، وحسين إبراهيم أبوخزام، والساعدي أمبارك الفقيه، وأحمد محمد المسماري، وخليفة أحمد المعلول، ومصطفى عبدالله قديم، وسلوى فوزي الدغيلي، وعزالدين أبوبكر علي.

وكان مجلس النواب أصدر في ديسمبر 2022 قرار استحداث محكمة دستورية تتكون من 13 عضوا ومقرها بنغازي، وأقر في نهاية مارس 2023 قانونا بإنشاء المحكمة الدستورية العليا، على أن تحال إليها اختصاصات الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بطرابلس التي رفضت بدورها القرار وقضت بعدم دستوريته.

وفي 26 يونيو 2023 قال الناطق باسم مجلس النواب عبدالله بليحق إن “المجلس صوت بالإجماع على اختيار رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية”.

وبينما يرى أنصار مجلس النواب أن المحكمة الدستورية يمكن أن تكون حصنا منيعا للقرارات الصادرة عن السلطة التشريعية، وتحول دون المزيد من فوضى القوانين الناجمة عن الأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد، يعتبر أنصار المجلس الرئاسي أن المحكمة الدستورية ستزيد من تعميق حالة الانقسام في البلاد، لاسيما أن سلطات طرابلس تعتمد على الدائرة الدستورية التابعة للمحكمة العليا وتتبنى قرار القضاء الصادر في طرابلس ببطلان قرار إنشاء المحكمة الدستورية في بنغازي.

أحمد حمزة: البرلمان ضرب عرض الحائط بالحكم الصادر عن المحكمة العليا والقاضي بعدم دستورية قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا في الطعن الدستوري
أحمد حمزة: البرلمان ضرب عرض الحائط بالحكم الصادر عن المحكمة العليا والقاضي بعدم دستورية قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا في الطعن الدستوري

ونشر مجلس النواب قانون إنشاء المحكمة الدستورية في العدد الخامس من الجريدة الرسمية التي صدرت في السابع من أبريل 2023، رغم الجدل المثار حول القانون ومعارضة المجلس الأعلى للدولة لهذا التشريع القضائي.

وشهدت البلاد خلال الأيام الماضية سجالا حادا حول ملف المحكمة الدستورية العليا الذي بات ينذر باندلاع أزمة جديدة قد تهدد مؤسسة القضاء التي تكاد تكون الوحيدة المحافظة على تماسكها واستقلاليتها في البلاد، ودعت لجنة الحريات بنقابة المحامين مجلس النواب للعودة إلى الحق وتطبيق حكم المحكمة العليا بعدم دستورية قانون المحكمة الدستورية، وحذرت مما يترتب على ذلك القانون من نتائج سيئة يكون أثرها وخيما على السلطة القضائية وينال من وحدتها، ولوحت نقابة المحامين بتصعيد الإجراءات القانونية التي تكفلها القوانين الوطنية والدولية.

واعتبر رئيس المؤسسة الوطنيّة لحقوق الإنسان بليبيـا أحمد حمزة أن البرلمان ضرب عرض الحائط بالحكم الصادر عن المحكمة العليا والقاضي بعدم دستورية قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا في الطعن الدستوري، ورأى أنّ مجلس النواب “بهذه الخطوة غير المسؤولة قد أقدم على عمل غير مسبوق وغير مسؤول، وهو عدم التزامه باحترام الأحكام القضائيّة”، مبرزا أن هذه الخطوة “تعد إخلالا بمبدأ الفصل بين السلطات، وتعديا على استقلال السلطات القضائية، ومحاولة للنيل من وحدتها واستقلاليتها، وإضعاف دورها، وكذلك عملاً ممنهجا للزج بهذه المؤسسة في أتون الصراع والتجاذب والاستقطاب السياسي”.

ويرى المراقبون أن أزمة المحكمة الدستورية تضاف إلى سلسلة القضايا والأزمات التي تواجهها ليبيا نتيجة حالة الاستقطاب السياسي والتجاذبات حول الشرعية بين الفرقاء الفاعلين سواء في طرابلس أو بنغازي، حيث يسعى كل طرف إلى التحصن بعدد من المؤسسات التي تدور في فلكه ليستفيد منها عندما يكون في حاجة إليها.

4