الحكومة المصرية تتراجع عن قانون البناء المثير للجدل

القاهرة – تحاول الحكومة المصرية استمالة شريحة من البسطاء تضررت من إجراءات اتخذتها قبل ثلاث سنوات، وتسببت في شلل شبه تام لعمليات البناء في مصر.
وقررت الحكومة العودة إلى العمل بقانون قديم جرى إقراره خلال فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك يحوي اشتراطات ميسرة للبناء، واستيعاب المطالب بتسريع حركة البناء الأهلي مع نشوب مشكلات تعانيها المناطق السكنية المكدسة جراء إقبال الوافدين من دول عدة إليها، ما أدى إلى مضاعفة أسعار البيع والإيجارات التي لا يتحملها قاطنو تلك المناطق.
واستجاب الرئيس عبدالفتاح السيسي لطلب تقدمت به وزارتا التنمية المحلية والإسكان بشأن إلغاء الاشتراطات البنائية والتخطيطية المعمول بها في المدن المصرية بالمحافظات وصدرت في مارس من العام 2021، والعودة إلى العمل بأحكام قانون البناء رقم 119 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية، ما يساهم في تبسيط الاشتراطات خاصة التي تعيق إصدار تراخيص البناء.
ووضعت الاشتراطات الملغاة قيودا على ارتفاعات المباني في المناطق المأهولة بالسكان وترتب على ذلك توقف البناء في المدن القديمة والنجوع والقرى التي يعتمد المواطنون فيها على البناء الذاتي، وتضاعفت الرسوم المحددة على كل متر في المدن واشترط الحصول على توكيل رسمي ووسعت أدوار المكاتب الهندسية الاستشارية بدلاً من الأحياء المحلية، وتم اشتراط صدور تقرير من كليات الهندسة بالجامعات في المحافظات حول صلاحية مواقع البناء من الناحية التخطيطية والبنائية.
ورغم أن الإجراءات هدفت إلى تنظيم عملية البناء إلا أنها تسببت في شلل تام لحركة العمران داخل المدن القديمة المأهولة بالسكان جراء صعوبات تنفيذية واجهتها الحكومة عند تطبيق القانون الجديد، وأضحت متهمة في نظر المواطنين والعاملين في مجال البناء بأنها تعطل القطاع الخاص عن القيام بمهمته في العمران لصالح المباني الجديدة التابعة لوزارة الإسكان. ومع ضعف الاستجابة للاتجاه نحو المدن الجديدة وجدت أن من الأنسب العودة إلى الوضع القديم وضربت عدة عصافير بحجر واحد.
وحسب بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، فإن عدد العاملين في قطاع التشييد والبناء بلغ 3.463 مليون شخص بنسبة 13.3 في المئة من إجمالي العاملين، وتسببت قرارات الحكومة السابقة في بحث غالبية هؤلاء عن مهن أخرى إذ يعتمدون على ما يحصلون عليه من أجرة عمل يومي لمواجهة أعباء الحياة في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة.
وغازلت الحكومة قطاعات شعبية لها قدرة على تحمل صعوبات الوضع الاقتصادي دون تململ أو غضب في محافظات عديدة تأثرت بالركود الذي أصاب عملية البناء وهو يخضع غالبا للقطاع الخاص في الحيز العمراني القديم، وبدلاً من أن تقوم بعمليات البناء لأبنائها عليها الاتجاه إلى مناطق جديدة لا تتناسب مع طبيعة المزارعين والعمال بمصالح حكومية في مناطق فقيرة.
وترفض دوائر حكومية أن يتسلل الإحباط إلى هؤلاء جراء تعدد الأزمات حولهم خاصة أن القرارات الأخيرة المتعلقة برفع أسعار أسطوانة البوتاغاز كان لها تأثير سلبي على مواطنين يجدون صعوبة في توفير قوت يومهم.
وقال رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إيهاب منصور إن أصحاب الحرف المرتبطة بالبناء عانوا مشكلات جمة خلال السنوات الثلاث الماضية، واضطر الكثير منهم إلى الانتقال من محافظات تواجدوا بها إلى مدن جديدة، غير أن ذلك قاد إلى مشكلات أكبر تعلقت بعدم الاستقرار الاجتماعي الذي تعرضوا له، وشكل ضغطاً على العاصمة القاهرة التي تعاني تكدسا بالسكان.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن توقف حركة البناء بشكل شبه كامل تسبب في ترك مئات الآلاف من العمال المهن المرتبطة بالبناء، واتجهوا إلى العمل في مجالات بعيدة عن تخصصاتهم، وتسبب أيضا في وجود بطالة مقنعة نتيجة عدم الاستفادة الكاملة منهم، كما أن تراجع المعروض من المباني في المدن قاد إلى ارتفاع أسعار بيع العقارات وإيجارات الشقق السكنية والتجارية.
وتوقع أن تحدث انفراجة في سوق البناء خلال الفترة المقبلة، شريطة وجود آليات تنفيذ ناجحة تتعامل مع مشكلات تعطل تراخيص البناء السنوات الماضية، وترتب على ذلك انتشار الفساد على نحو أكبر جراء الحصول على رشاوى مالية لتمرير الإجراءات.
وقالت وزيرة التنمية المحلية منال عوض إن القرار سيساهم في تخفيف العبء عن المواطنين ويسهل عملية استخراج تراخيص البناء ويشجع منظومة العمران التي ترتبط بالعديد من المهن الخاصة بصناعة البناء، وتوفير المزيد من فرص العمل في هذا المجال وإتاحة فرص العمل التجارية وتنمية الاقتصاد المحلي في محافظات مختلفة.
وانخفض عدد المباني الجديدة بنسبة 22.1 في المئة خلال أقل من عام على بدء تنفيذ الاشتراطات البنائية في يوليو 2021، وانخفض الرقم من 315.9 ألف وحدة في 2020 – 2021 إلى 246.1 ألف وحدة في العام التالي.
ويتفق متابعون على أن نشوب أزمة سكن في بعض المراكز والقرى والنجوع ليس بسبب توفر الشقق السكنية وإنما لارتفاع الأسعار، وهو جرس إنذار استوجب تدخل الحكومة التي تدرك أن الأهالي في هذه المناطق ليست لديهم ثقافة الانتقال إلى المدن الجديدة، فالمواطنون في تلك المناطق لديهم أراض وبنايات يهدفون لتحويلها إلى عمارات سكنية توفر لهم جزءا من قيمة السكن، وهو ما كان مثار شكاوى من جانب نواب البرلمان مع حالة التململ التي أصابت المواطنين.
وأدخلت الحكومة تعديلات على خطتها بشأن التوسع في البناء على الحيز العمراني الجديد في العاصمة الإدارية، بشرق القاهرة، وغيرها من المدن الجديدة، وأعلنت عن خطة لإنشاء بنايات في مدن كبرى قديمة في أقاليم مختلفة، وليس داخل الامتدادات العمرانية الجديدة، كما هو الحال في غالبية المشروعات التنموية.
واعتبر خبير التنمية المحلية الحسين حسان أن إلغاء القانون رقم 119 لسنة 2008 كان مفاجئاً لأن الحكومة التزمت بهذا القانون في جميع المدن الجديدة التي كانت تخطط لها، داخل 38 مدينة جديدة و 22 مدينة قديمة، وأن المشكلة تمثلت في عدم التزام شركات المقاولات والبناء الخاصة والأفراد بالاشتراطات الموجودة به، وكان عليها أن تتخذ إجراء يضمن تنفيذ القانون وليس تعديله بآخر.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن قدرة الإدارات المحلية على ضبط منظومة البناء أمر مشكوك في جديته، وأن التعامل مع 236 مدينة و190 مركزاً و4742 قرية و31 ألف عزبة وكفر ونجع بحاجة إلى تطوير شامل في الأجهزة المحلية التي تعاني توقف حركة التعيينات داخلها منذ عشر سنوات، وأن تكليف الشرطة المدنية للتعامل مع المخالفات تسبب في ضغط هائل على الأجهزة الأمنية والعودة إلى القانون القديم محل اختبار خلال الفترة المقبلة.
ولفت إلى أن الحكومة مطالبة بوضع خطة تضمن عودة العاملين في مجال البناء إلى أعمالهم مرة أخرى والاستفادة من الأيدي العاملة والمدربة وإحداث التوازن المفقود بين المدن الجديدة والقديمة، وإيجاد حلول للعجز القائم في الإدارات المحلية وتوفير سبل الرقابة لضمان عدم تغول الفساد والعشوائية.