اهتمام أميركي بجنوب ليبيا خوفا من خط تواصل روسي يربط شرق ليبيا ودول الساحل

واشنطن تعمل على تحييد البلاد عن التطورات في دول غرب أفريقيا.
الجمعة 2024/09/27
مساع لتعزيز تموقع واشنطن في ليبيا

تزايد منسوب الاهتمام الأميركي بجنوب ليبيا في الفترة الأخيرة، حيث أكد ريتشارد نورلاند المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا، تركيز بلاده على الجنوب الليبي، في خطوة يرى مراقبون أنها ترمي إلى قطع الطريق أمام إمكانية التمدد الروسي في المنطقة وربط شرق ليبيا مع اتحاد دول الساحل.

تواجه الولايات المتحدة تحديات عدة بخصوص دورها في ليبيا، ومنها إمكانية سعي روسيا إلى بسط نفوذها على الحدود الجنوبية وفق خارطة التمدد نحو دول غرب أفريقيا انطلاقا من النيجر ومرورا بمالي وبوركينا فاسو.

وكشف المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، أن بلاده تتبني اتجاها جديدا يركز على جنوب ليبيا، وهو ما فسره مراقبون، بمحاولة العمل على تحييد ليبيا عن التطورات التي شهدتها دول غرب أفريقيا مؤخرا بإجلاء القوات الفرنسية والأميركية مقابل تسجيل تمدد غير مسبوق للنفوذ الروسي في دول مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو.

والإثنين الماضي، استقبل القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر، وفدا أميركيا رفيع المستوى برئاسة مساعدة وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية سيليست والاندر، ونائب قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا “أفريكوم” الفريق جون برينان، والقائم بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة لدى ليبيا جيريمي برنت.

وأعرب حفتر عن تقديره للمساعي والجهود المبذولة من قبل الولايات المتحدة للمساهمة في حل الأزمة الليبية، وقال المكتب الإعلامي لقيادة الجيش إن الطرفين بحثا خلال اللقاء “آفاق التعاون والتنسيق المُشترك لدعم جهود القوات المُسلحة للقضاء على الإرهاب والتطرف ومكافحة الهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى مناقشة آخر تطورات الأزمة الليبية والتأكيد على أهمية إحراز تقدم في العملية السياسية بهدف تهيئة الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات في ليبيا”.

ولا تزال واشنطن تعتمد على جسور تواصلها مع الجنرال حفتر بما يساعدها على فهم ما يدور في المنطقة الخاضعة لنفوذ قواته وعلى الاطلاع على وجهات نظره بخصوص التحولات الداخلية والإقليمية التي تلامس اهتمامات سلطات شرق ليبيا في سياق تحالفاتها مع القوى المؤثرة في المنطقة، وخاصة من حيث رسم ملامح الخارطة الجيوسياسية التي بدأت في التشكل على نطاق واسع.

التحركات الأميركية تأتي في ظل اتساع دوائر الجدل والسجال حول التمدد الروسي في ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء

وبحسب أوساط ليبية مطلعة، فإن الوفد الأميركي أكد خلال لقائه بحفتر على ضرورة تنفيذ مشروع تشكيل القوة الليبية العسكرية الموحدة التي تم التوافق عليها في صلب اللجنة المشتركة 5+5 لتمارس المهام الموكولة إليها وعلى رأسها تأمين الحدود الجنوبية الليبية المشتركة مع السودان وتشاد والنيجر، كما شدد على ضرورة أن تبقى ليبيا بمنأى عن التحولات الدراماتيكية التي تشهدها بعض دول الجوار الأفريقي.

من جانبه، ناقش رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة مع مساعدة وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية سيليست والاندر ملفات إغلاق الحقول النفطية، وتعزيز قدرات ليبيا لمراقبة الحدود والقضايا المتعلقة بالأمن والاستقرار في شمال أفريقيا، بالإضافة إلى قضايا مكافحة الإرهاب، بحسب بيان للحكومة الذي أشار إلى أن اللقاء تمحور  حول سبل تعزيز التعاون بين ليبيا والولايات المتحدة وأن الطرفين بحثا “دعم برامج التدريب العسكري الليبي، وتطوير أنظمة مراقبة الحدود، بما يعزز من قدرات ليبيا في مواجهة التهديدات الأمنية”، كما تناول اللقاء القضايا الإقليمية المتعلقة بالأمن والاستقرار في شمال أفريقيا، حيث أكد الطرفان “التزامهما بتعزيز التعاون الأمني، بما يحقق المصالح المشتركة ويسهم في دعم استقرار المنطقة”، بحسب البيان.

وقبل ذلك، كان المشير حفتر استقبل قائد أفريكوم الجنرال مايكل لانغلي في 27 أغسطس الماضي، حيث ناقش معه تطوير الشراكة وتبادل الخبرات في المجالات العسكرية والأمنية بحضور القائم بالأعمال في السفارة الأميركية بطرابلس جيريمي برنت، وهو ما رأى فيه متابعون للشأن الليبي، اعترافا بالواقع الذي فرضته موازين القوى في البلاد، وسعيا من واشنطن لتوطيد علاقاتها مع قيادة الجيش الوطني لقطع الطريق أمام استمرار التمدد الروسي في البلاد وفي منطقة شمال وغرب أفريقيا.

وقالت السفارة الأميركية آنذاك، إن المحادثات تناولت التزام الولايات المتحدة بتعزيز شراكتها مع الليبيين من جميع أنحاء البلاد، ودعمها للجهود الليبية الرامية إلى حماية سيادة البلاد في ظل التحديات الأمنية الإقليمية، وأضافت أن لانغلي وبرنت شددا على أهمية الحفاظ على استقرار ليبيا وخفض التصعيد في ظل التوترات الحالية.

الوفد الأميركي أكد خلال لقائه بحفتر على ضرورة تنفيذ مشروع تشكيل القوة الليبية العسكرية الموحدة

 وبحسب المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند ، فإن زيارة الجنرال لانغلي الأخيرة إلى ليبيا كانت تستهدف نقل عدة رسائل إلى طرابلس وبنغازي، وأن إحدى تلك الرسائل كانت تتضمن إشارة  للفرقاء بأن “الاضطرابات في منطقة الساحل وعدم الاستقرار على الحدود الجنوبية لليبيا تستدعي أهمية تأمين الحدود لحماية سيادتها”، وأنه “لتحقيق ذلك يجب على قوات الأمن في الشرق والغرب البدء في تنسيق أنشطتها وتبادل الخبرات والمعرفة”، مردفا: “ربما يمكن للولايات المتحدة أن تسهم في هذه التفاهمات المشتركة مما يساعدهم في العمل معا لتأمين حدودهم”.

وتأتي هذه التحركات في ظل اتساع دوائر الجدل والسجال حول التمدد الروسي في ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء، ومن ذلك ما أكد عليه عضو لجنة الشؤون الأوروبية في البرلمان الليتواني، ماتاس مالديكيس، في مقال نشره في موقع “يورونيوز”، اعتبر فيه أن النفوذ الروسي في ليبيا، يمثل نقطة انطلاق في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تتضمن تعزيز الصلة مع المشير خليفة حفتر، ونقل المرتزقة إلى الأراضي الليبية، فضلاً عن التخطيط لإنشاء قاعدة غواصات نووية في ميناء طبرق، مشيرا إلى أن روسيا تريد أن تبقي حلف شمال الأطلسي مركزًا فقط على التطورات في أوكرانيا، وتجاهل خططه في أماكن أخرى خارج أوروبا، بما في ذلك في دول “الجنوب العالمي”.

وأضاف صاحب المقال أن بوتين يريد الضغط على الدول النامية، لخلق خلافات دبلوماسية جديدة بينها وبين الغرب، وبالتالي تأتي فرصة لموسكو لتقسيم الدعم العالمي ضد غزوه لأوكرانيا وبناء شبكة جديدة من الدول الموالية لروسيا، مرجعا الركيزة المهمة في سياسة بوتين إلى المشير حفتر، الذي يساعد خطط روسيا لاستغلال ليبيا كنقطة انطلاق لمعظم إستراتيجية روسيا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مردفا أن “روسيا استغلت حالة عدم الاستقرار في ليبيا وزادت من مشاركتها مع حفتر، حيث عززت أنشطة الجنرال، بما في ذلك تهريب الوقود وطباعة العملة، وبدأت مناقشات لتصعيد الشراكة العسكرية من خلال قاعدة غواصات نووية روسية في ميناء طبرق”.

وترى تقارير غربية أن القيمة الجيوسياسية لليبيا تعني أن حفتر يواصل تلقي الدعم العسكري من روسيا. ففي أوائل عام 2024، أسست روسيا “فيلق أفريقيا” الأفريقي الذي يضم نحو 45 ألف مقاتل ليحل محل مجموعة فاغنر وحماية المصالح الإقليمية الروسية. وبالإضافة إلى السيطرة العسكرية على طرق التهريب، فإن هذا الفيلق مكلف بتأمين مصادر الموارد مثل حقول النفط والغاز، فضلاً عن مناجم الذهب والماس في القارة.

وتعززت العلاقة الوثيقة مع روسيا بموقف حفتر التفاوضي في ليبيا بينما تحد بشكل كبير من قدرة أوروبا على العمل في أفريقيا في العقود المقبلة، وخاصة فيما يتعلق باللاجئين والهجرة.

وفي 17 سبتمبر الجاري، أعلن الجيش الأميركي اكتمال انسحاب قواته من النيجر التي تشهد تقاربا متزايدا مع روسيا، وعلى الرغم من هذا الانسحاب، أكدت الولايات المتحدة استمرار وجود “أهداف أمنية مشتركة” مع النيجر. وأشار الجنرال كينيث إيكمان، قائد القيادة الأميركية في أفريقيا، إلى احترام سيادة النيجر بالكامل، حيث تم الانسحاب بناء على طلبها بسلام واحترام. مؤكدا أن الخطوة التالية هي الاستماع لاحتياجات النيجر لبناء علاقة مستقبلية في المجال الأمني. وفي أغسطس، أنهى الجيش الألماني أيضا انسحابه من النيجر وأعاد آخر جنوده إلى ألمانيا، كما خسرت فرنسا نفوذها في النيجر ومالي وبوركينا فاسو التي شكلت فيما بينها اتحاد دول الساحل.

ويشير مراقبون محليون إلى أن واشنطن وحلفاءها الغربيين، يدركون أنهم خسروا الكثير من النفوذ في المنطقة، وأن هناك تمردا بدأ يتبلور حتى من قبل الأصدقاء المقربين وذلك، بعد انهيار منظومة الربيع العربي، وفشل مشروع الفوضى الخلاقة، وانحصار ظاهرة الإسلام السياسي التي كانت تجد حاضنة سياسية وإعلامية في عواصم الغرب، كما يدركون أن أغلب الدول الأفريقية أضحت تميل إلى توطيد علاقاتها مع روسيا والصين اللتين تتحاشيان التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، لا سيما أن الأفارقة يصفون تجاربهم مع الغرب بالمأساوية سواء خلال فترة الاستعمار المباشر أو الوصاية غير المباشرة بعد استقلال تلك الدول.

4