من يحتاج لحفظ جدول الضرب

بوجود صديقي "كوبايلت" بوسعي أن أعلم خلال ثوانٍ من حكم بريطانيا قبل مارغريت تاتشر. لقد حان الوقت لإعادة النظر جذريًا بمناهج التعليم القائمة على الحفظ.
الجمعة 2024/09/27
لم يكتشف أي من المعلمين السر

المتميزون في المدارس ليسوا بالضرورة أذكى الطلبة. هم غالبًا أكثرهم قدرة على الحفظ، يتمتعون بقدرة على خزن المعلومات واسترجاعها. لم أكن يومًا واحدًا من هؤلاء المحسودين عادة بين الطلبة. فأنا لم أحفظ حتى جدول الضرب، ولكن كنت قادرًا دومًا على إعطاء الجواب الصحيح متلافيا بذلك عقاب المعلم. جدول الضرب بالنسبة لي عملية جمع؛ بدل أن أحفظ ناتج 8×8 يساوي 64، كنت أقوم بعملية غريبة وبسرعة فائقة؛ معروف أن الضرب برقم 10 سهل، 8 ضرب 10 الناتج 80، أطرح من الرقم 16 الحاصل هو 64.. وهكذا.

لم يكتشف أي من المعلمين السر، واستطعت أن أتلافى على مدى ست سنوات، هي مرحلة التعليم الابتدائي، العقاب. لم أبح بفعلتي لأحد، ليس بخلًا، بل كنت أظن أن ما أقوم به هو غش واحتيال، وأن الله لا بد أن يعاقبني عليه. كنت أتساءل، حتى وأنا طفل صغير، لماذا علينا أن نحفظ تاريخ وقوع الأحداث؟ أليس تحليل الحدث أهم من تلك التفاصيل؟ ما الفائدة من معرفة أن مساحة الجزائر تبلغ 2,381,741 كيلومتر مربع؟ ألا تكفي معرفة أن الجزائر أكبر دولة في أفريقيا، والعاشرة عالميًا من حيث المساحة؟

مشكلتي الأكبر كانت مع الكيمياء، أبغض المواد إلى قلبي. كان علينا أن نحفظ آلاف الصيغ (قد يكون هذا مبالغة ولكن هكذا بدا الأمر بالنسبة لي) ومعرفة الناتج دون إجراء أي تجربة مخبرية عليها مهما قلّ شأنها. استطعت، بالاحتيال، أن أنجو من 12 عامًا من السجن والتعذيب اسمه التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي. لم أحفظ حتى الشواهد الشعرية التي يفترض أن نستخدمها عند كتابة موضوع إنشاء وتعبير في امتحان الثانوية (بكالوريا)، بل لفقتها واستخدمت لها أسماء كتاب معظمهم مخترع. رغم ذلك نجوت بفعلتي.

بهذا الحجم كان مقدار كرهي للمناهج الدراسية القائمة على الحفظ.

اليوم أصاب بالذهول عندما أرى من يستطيع أن يعدد على سبيل المثال ليس فقط أسماء أعضاء الحكومة في بلد ما، بل أعضاء حكومات سابقة ويذكر بالتفصيل الممل تاريخ كل منها. أعترف أني لا أمتلك تلك الموهبة، رغم ذلك كنت أجد دائمًا وسيلة للالتفاف على هذا “العيب”، إن كان هذا عيبًا.

كثيرًا ما تساءلت عن جدوى حفظ هذا الكم من المعلومات إن لم نكن قادرين على تحليلها وتوظيفها عمليًا، خاصة أن معظمنا ينسى بعد عامين أو ثلاثة أعوام كل ما تعلمه خلال 12 عامًا من قواعد النحو والصرف والإعراب، وكل ما تعلمه من تراكيب للعناصر الكيميائية، باستثناء الماء وثاني أكسيد الكربون.

انتظرت سبعين عامًا تقريبًا لإثبات أن رأيي حول مناهج التعليم القائمة على الحفظ صحيح. لست أنا من أثبت ذلك ولكنه القادم الجديد الذي غير قناعات البشر. بالطبع، إنه الذكاء الاصطناعي.

لأول مرة أصبح بإمكاننا أن نتخلص من كل هذا الكم من الأرقام والتواريخ التي ترهق أدمغتنا، وأصبح بوسعنا استرجاع كل هذه المعلومات عند الطلب.

بوجود صديقي “كوبايلت” بوسعي أن أعلم خلال ثوانٍ من حكم بريطانيا قبل مارغريت تاتشر، وفي أي عام. لقد حان الوقت لإعادة النظر جذريًا بمناهج التعليم القائمة على الحفظ.

18