الخلافات الداخلية تشل المعارضة المصرية

تردد حكومي في اتخاذ خطوة شطب الأحزاب الهامشية.
الأربعاء 2024/09/25
بين الوعود والتطبيق بون شاسع

تواجه المعارضة المصرية حالة من الشلل نتيجة جملة من العوامل، من بينها الخلافات الداخلية التي تعصف بأحزابها، والتي اضطرت لجنة شؤون الأحزاب إلى التدخل في عدد منها كما هو حاصل حاليا مع حزب الدستور.

القاهرة - دخلت أحزاب معارضة في مصر نفقا مظلما من الخلافات الداخلية، ما أجبر لجنة شؤون الأحزاب على التدخل وإعلان خلو منصب رئيس حزب الدستور الذي كانت تتولاه جميلة إسماعيل، وتزامن ذلك مع تصاعد الخلافات داخل الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي حول موعد إجراء الانتخابات على رئاسته.

ورسخت أحزاب المعارضة صورة سلبية في أذهان المواطنين، بعدم قدرتها على إدارة شؤونها الداخلية، ما يطعن في المواقف التي تتخذها في مواجهة السلطة، في خضم اتهامات متصاعدة تطال قياداتها بالبحث عن تحقيق مصالح شخصية دون امتلاك قدرة على ممارسة العمل السياسي والاستفادة من وجود مساحة نسبية للحركة منذ إشراك المعارضة في الحوار الوطني، وخوض انتخابات الرئاسة الماضية.

وطعن حزب الدستور أمام القضاء الإداري في قرار لجنة شؤون الأحزاب السياسية بشأن إعلان خلو منصب رئيس الحزب إلى حين انعقاد المؤتمر العام للحزب، واتهم اللجنة بأنها استخدمت سلطة ليست مخولة لها، تلغي قرار الجمعية العمومية للحزب المنعقدة في 22 يوليو 2022، وترتب عليها انتخاب جميلة إسماعيل رئيسة للحزب، واستدعاء اللجنة  كيانا ليس له وجود بالحزب اسمه المؤتمر العام.

ويعاني الحزب من أزمة داخلية مرتبطة بهيكله التنظيمي، فرئيسة الحزب تقول إن هناك لائحة عمل صدرت عام 2018 يستند عليها العمل داخل الحزب، لكن غير معترف بها لدى لجنة شؤون الأحزاب التي تستند إلى وجود لائحة أخرى موجودة منذ عام 2014، في ظل اتهامات وجهها عدد من أعضاء الحزب لرئيسته المفصولة من منصبها بأنها تعمدت إخفاء اللائحة الأخيرة عن الهيئة العليا والأعضاء على مدار عام ونصف العام، وأن اكتشاف البعض هذا الخطأ دفعها إلى إقالة 9 من إجمالي 14 عضوًا بالهيئة العليا للحزب.

حسن سلامة: بعض الأحزاب يسيطر عليها أشخاص ليسوا مؤهلين سياسيا
حسن سلامة: بعض الأحزاب يسيطر عليها أشخاص ليسوا مؤهلين سياسيا

وتصاعدت حدة الخلافات مؤخرا إثر صدور قرار من رئيسة الحزب بفصل ثلاثة من أعضاء الهيئة العليا، هم: مدير الشؤون القانونية محمد حمدون، وأمين التنظيم والعضوية المركزية ريهام الحكيم، وأمين الحزب في محافظة الجيزة محمد عادل، الذين رفضوا تنفيذ القرارات واعتبروها تستند إلى لائحة داخلية غير معتمدة من لجنة شؤون الأحزاب.

ومنذ أن تأسس الحزب قبل حوالي 12 عاما برئاسة نائب الرئيس المصري الأسبق محمد البرادعي، عصفت به أزمات عديدة، وتأخر الحزب في الإعلان عن جدول الانتخابات لتشكيل مستوياته العليا وهيئته، وشهد موجة من الاستقالات عام 2013 قادت إلى انحسار العضوية داخل الحزب لتتراجع من 21 ألف عضو إلى 3500 عضو.

وتسير الأحزاب المصرية التي عليها تشكيل تحالفات لخوض انتخابات البرلمان العام المقبل في طريق غامض، وسط محدودية قدراتها السياسية، وعدم وجود قيادات تتمكن من تهدئة الأجواء، وتقارب المستويات الإدارية والسياسية والثقافية بين القيادات ما ضاعف الصراعات حول المناصب العليا، وعلى رأسها منصب رئيس الحزب الذي أصبح وجاهة اجتماعية أكثر من كونه مهمة سياسية.

ولم تعد الأحزاب التي تأسست عقب ثورة يناير 2011 قادرة على التعامل مع التحولات السياسية التي حدثت في مصر، وفشلت في أن تشكل معارضة قوية.

وبالنظر إلى أحزاب مثل الدستور والمصريين الأحرار والعدل والمصري الديمقراطي الاجتماعي والاشتراكي المصري، فإن تأثيراتها محدودة للغاية، وأدخلت تغييرات على سياساتها، وبعضها انتقل من المعارضة إلى الموالاة، وتحولت إلى ثغرة توظفها جماعات راديكالية لصالحها ضد السلطة المصرية.

حزب الدستور يطعن أمام القضاء الإداري في قرار لجنة شؤون الأحزاب السياسية بشأن إعلان خلو منصب رئيس الحزب

وقال أستاذ العلوم السياسية في مركز البحوث الاجتماعية والجنائية حسن سلامة إن غالبية الأحزاب التي تشكل بنية المعارضة تأسست خلال الفترة بين عامي 2011 و2013 لبث الحيوية في الحياة السياسية والانتقال من الفعل الثوري إلى العمل المنظم، وكان يتم التعويل عليها لتشكل رصيداً جيداً للحياة السياسية، غير أن هذا الرصيد نفد، والقائمون عليها لا يدركون قيمتها ويتعاملون معها كوسيلة لتحقيق أهداف شخصية.

وأضاف سلامة في تصريح لـ”العرب” أن محاولات الدخول إلى البرلمان عبر القوائم النسبية المغلقة يأتي رغبة في تحقيق مصالح سياسية دون أن تكون لدى الأحزاب خطط لتنشئة الكوادر، ويسيطر عليها أشخاص ليسوا مؤهلين سياسيا.

وأشار إلى أن انقطاع التعددية بشكل كامل خلال العقود الماضية وحتى نهاية العام 1967 جعلها غائبة عن أذهان السياسيين، وتوارثت ذلك الأجيال وصولاً إلى قيادات المرحلة الحالية، ما أثر سلبا على قدرة الأحزاب على إدارة خلافاتها الداخلية والتعامل معها، وغاب الحوار ولم يعد هناك حضور للمؤسسية التي يلتزم بها الجميع.

وتحضر أزمة غياب المؤسسية بشكل كبير في الخلافات المتصاعدة داخل الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، إذ دعا ثلث أعضاء الهيئة العليا للحزب إلى عقد مؤتمر عام غير عادي في الثالث عشر من سبتمبر الجاري، لمناقشة أزمة العضويات المنتسبة للحزب، في ظل رفض آخرين ضم آلاف العضويات الجديدة دون الرجوع إلى أمانات المحافظات.

ولم يعتد الحزب بسلامة الطلب لعدم توقيع ثلث أعضاء الهيئة العليا وفقًا لشروط اللائحة، ووقع 51 عضوًا من أصل 152، بينما لم تتسلم إدارة الحزب إلا 42 توقيعًا، غير أن ذلك لم يمنع من انعقاد مؤتمر انتهى بلا قرارات بسبب تدخل الشرطة، مع ورود بلاغ باعتداء أشخاص على القاعة ودخولها عنوة، وجرى إلقاء القبض على ثلاثة من المشاركين واتضح فيما بعد أنهم ليسوا من أعضاء الحزب.

وشدد حسن سلامة في حديثه لـ”العرب” على أن مثل هذه المشكلات ناتجة عن حالة السيولة التي يتم بها تشكيل الأحزاب مع تسهيلات جرى إقرارها بعد ثورة يناير، وترتب عليها وجود أكثر من مئة حزب لا يعرفها كثيرون، وأن الحوار الوطني ناقش اقتراحًا بشطب أحزاب لم تمثل بمقعد واحد بدورتين متتاليتين في مجلسي النواب أو الشيوخ ولم يتم الأخذ به، وأن الحكومة تخوفت من أن يفتح عليها ذلك أبواب الانتقادات من منظمات حقوقية دولية.

2