الفضاءات الافتراضية تعرف بالفن التشكيلي الفلسطيني

صفحة الفن الفلسطيني المعاصر مساحة يكسر فيها الفنانون حواجز العزلة.
الثلاثاء 2024/09/24
صورة تقدم فلسطين كرمزية وأيقونة (لوحة للفنان وديع خالد)

باتت مواقع التواصل الاجتماعي أدوات ثقافية هامة للغاية في تسليط الضوء على ما هو مهمل والتعريف بالمنتجات الثقافية والفنية والإبداعية، علاوة على خلق مساحة للتواصل بين الفاعلين الثقافيين، ولذا فإن تأثيرها بالغ العمق سواء في المتابعين المتلقين أو في من يمتهنون الفن. وإيمانا بهذا الدور أطلق الفلسطيني فراس سرحان صفحة باتت مرجعا للفن التشكيلي المعاصر في فلسطين.

ما جدوى الافتراضي إذا لم يكن قريبا وله تصوراته الحسية والمعرفية، وله رسائله الثقافية حتى يخترق حدود الحواجز الجغرافية ويحمل مع الترفيه فائدة ومع التواصل تثاقفا تتناغم فيه المحتويات بدرجاتها الزمنية التي تحاكي التاريخ والمعرفة، وتواكب اللحظة التي تعيد فيها المحتويات خلق توافقات فكرية تتماشى بدورها مع الواقع.

فبين صانع الفكرة والمحتوى وبين المتلقي المتابع لا بد وأن يتكون الرابط الذي يخدم الحاجة التي يبحث عنها، لذلك كانت وسائل التواصل الاجتماعي رغم كل الاختلافات حولها ورغم سلبياتها وتفاصيل الجدل حول جدواها قادرة على خلق فضاءات معرفة أسسها عاشقو الثقافة والمؤمنون بهذا المضمون الاتصالي والثقافي والفني.

وهناك من حولوا الفضاءات الرقمية إلى مصدر ومرجع مواكب للتطور الرقمي وتغير الذائقة في التلقي، فتحول الفضاء إلى رؤية متكاملة بين النشر والتواصل والتعبير وتعميم الجمالية والتعريف بالتجارب وهو ما قدمته صفحة “الفن الفلسطيني المعاصر” التي أنشأها فراس سرحان، الفلسطيني المهتم بالفنون البصرية والتشكيلية، والمهتم أكثر بتجميع التجارب التشكيلية والأقلام الباحثة المتعمقة في التجارب التشكيلية الإنسانية وبالخصوص الفلسطينية، فقرابة 53 ألف متابع من مختلف أنحاء العالم جمعتهم الصفحة من مهتمين بالفن الفلسطيني والفنون وهو ما جعل صداها يفوق مساحتها التي بدأت منها ليشمل فئات مختلفة ويحتوي على فنانين متنوعي التجارب.

◄ من خلال وسائل التواصل الاجتماعي يمكن فتح منافذ جديدة وأفق أوسع للتعريف بفلسطين وقضيتها من خلال الفن
من خلال وسائل التواصل الاجتماعي يمكن فتح منافذ جديدة وأفق أوسع للتعريف بفلسطين وقضيتها من خلال الفن

وفراس سرحان لاجئ فلسطيني مقيم حاليا في لندن من أبناء مخيم الجلزون، هجّر مع أهله قسرا من قرية التينة قضاء الرملة سنة 1948 بعد النكبة، حمل والداه عمق انتمائهما للقرية في الحكايا والأثر في التراب واليقين بالعودة التي كان يراها في تفاصيل التجارب التي كانت تعتق انتماءه ويستعيد بها جذوره في تفاصيلها وعلاماتها وهي التي أرادها ثابتة لكل إنسان حر على صفحته.

الفن الفلسطيني المعاصر” من الصفحات التي تجذب المتابعين لأنها تلقي الضوء على التجارب البصرية والتشكيلية وتفسح المجال للفنانين للتعبير عن مواقفهم الجمالية والإبداعية وحضورهم الواعي المعبر عن الأحداث والوقائع، خاصة بعد العدوان الأخير على غزة، أصبحت الصفحة أكثر تنويعا ونشاطا وأكثرا عمقا وبحثا وانتشارا وصوت إنسانية معبر.

وبدأت فكرة الصفحة كما يقول فراس سرحان “انعكاسا لانتمائي إلى جذوري ووطني فلسطين بكل ما تحمله فكرة الانتماء من معايشات في الداخل وفي الخارج، معاناة وقسوة ومظالم وطمس للهوية الثقافية، ورغم كل ذلك الواقع المرير شعرت أن هناك ما يستحق الحياة بكل تفاصيلها ويومياتها وأحلامها وطموحاتها. هناك أمل في كل ما يكتب وفي كل ما يرسم في الفن الفلسطيني الذي أصبح نموذجا له خصوصياته العالمية وأساليبه المتنوعة”.

ويضيف “الفلسطيني رغم كل التضييق قادر على الإبداع وله أمل ملون، شعرت أن هناك الكثير من الأشياء التي يمكن فعلها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وهي فتح منافذ جديدة وأفق أوسع للتعريف بفلسطين من خلال الفن، بغض النظر عن طبيعة الأشياء التي قد تحمل القسوة أو الحياة، إلا أن هناك صورة يجب أن تنتشر صورة تقدم فلسطين كرمزية وأيقونة تطرح ماهية فلسطين والحياة”.

ويتابع سرحان “من خلال اللوحات التي رأيتها تعرفت على الكثير من التجارب ولاحظت الكثير من التنوع، منها التعبيرية والواقعية السريالية والرمزية المفاهيمية والتجريدية التشخيصية والفن الساذج وفنون الأطفال وفن المعتقل وفنون المخيمات وفنون المهجر، كل تلك التناغمات التي تحكي فلسطين، والتي تبعث على الأمل وهي تصف الحالة المأساوية التي يعايشها الفلسطيني في واقعه وصداماته وعشق الحرية في مفاهيم الرغبة في إنهاء الاحتلال والتوق إلى حياة تشبه حياة الشعوب الأخرى حتى لو عكست بعض الصور القتامة، فالهدف الأول والأساسي من الصفحة هو تجميع كل هذا والتعريف به”.

وهذا التعريف، كما يقر سرحان، هو انعكاس لكل إنسان حر يؤمن بالإنسانية والحرية يشعر بقسوة الظلم، إضافة إلى التعريف بالفنان الفلسطيني وانتشاله من العزلة بين بعضهم البعض من الضفة والقطاع والمخيم والشتات، وهذا قرار الصفحة من أجل التعريف بهم خارج فلسطين بما يدعم التعريف بقضية هذا الشعب، فالهدف من الموقع هو أن يكون منبرا ومكانا للعرض والنقاش خاصة وأن الصفحة أيضا تعرف بالتجارب وتعرض الأعمال وتعرف بالفنانين والكتاب وتعرض المقالات وأحدث الإصدارات.

ويشدد على أن الهوية الفلسطينية عميقة بكل شيء، فالموقع يحمل الرؤية التي يبحث عنها المتلقي ويتجاوب فيها مع شغفه في البحث ليحمل مفتاح المقاومة بالهوية والفكرة والثقافة، خاصة بعد الهجوم على الشعب الفلسطيني إثر العدوان الأخير على غزة، ولكن الأمل باق لأحرار العالم الذين يعرفون حقيقة الحرية والانتماء وأساسه وأحقية الشعب في الحياة الآمنة وفي السلام.

ويضيف “ما نفتخر به هو أن للصفحة أصدقاء من كل العالم ومتابعين كثرا يبحثون عن الفنانين عن فلسطين وتاريخ الفن الفلسطيني وعن رموز الفن الفلسطيني والمحتوى والمقصد والرمزيات”.

◄ الفلسطيني رغم كل التضييق قادر على الإبداع (لوحة للفنان خميس قطشان)
الفلسطيني رغم كل التضييق قادر على الإبداع (لوحة للفنان خميس قطشان)

13