هل يدفع تيك توك ثمن نجاحه

أمام بايت دانس، الشركة الصينية المالكة لتيك توك، مهلة حتى يناير للتخلي عن ملكية التطبيق الأشهر عالميًا أو مواجهة حظر في الولايات المتحدة يفقدها 170 مليون مستخدم أميركي.
ويتذرع الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي وقع على القانون، بحماية الأمن القومي الأميركي. ويقول مسؤولون في الولايات المتحدة إن تيك توك يجمع كميات كبيرة من البيانات عن المستخدمين، بما في ذلك معلومات الموقع، وسجل التصفح، والرسائل الخاصة. وهناك مخاوف من أن يتم استخدام هذه البيانات من قبل الحكومة الصينية لأغراض التجسس.
ويرى معارضون لهذا الرأي أن السبب الرئيسي للمخاوف الأميركية هو التأثير الذي يمكن أن يشكله تيك توك على الرأي العام الأميركي ونشر الدعاية، خاصة في أوقات الانتخابات أو خلال الأزمات.
◄ في حال جاء قرار المحكمة العليا ضد التطبيق، وسواء تخلت بايت دانس عن ملكية تيك توك أو رفضت ذلك.. سيكون تيك توك قد دفع ثمن نجاحه
ويعتقد على نطاق واسع أن بكين قادرة على التحكم في خوارزميات تيك توك لتوجيه المحتوى الذي يراه المستخدمون، مما يمكن أن يؤثر على الرأي العام ويعزز الدعاية الصينية.
المخاوف الأميركية ليست بلا أساس، ولكنّ هناك جدلا حول مدى صحتها. فمن جهة، يرى بعض الخبراء أن المخاوف مبررة نظرًا للتاريخ المعروف للحكومة الصينية في مراقبة الإنترنت واستخدام البيانات لأغراض التجسس. وهو ما ينفيه تيك توك ومن خلفه شركة بايت دانس، التي أكدت مرارًا وتكرارًا أن البيانات الخاصة بالمستخدمين الأميركيين تُخزن في الولايات المتحدة وفي سنغافورة، وأنها لا تُشارك مع الحكومة الصينية.
وكانت السنوات الخمس الأخيرة قد شهدت معركة شد وجذب بين الطرفين، بدأتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب التي حاولت حظر التطبيق في الولايات المتحدة، ولكن تم تعليق هذا الحظر بعد معارك قانونية طويلة.
وفي أبريل الماضي، وبضغط من إدارة الرئيس بايدن، أصدرت الحكومة الأميركية قانونًا يلزم شركة بايت دانس بيع عمليات تيك توك في الولايات المتحدة إلى مالك غير صيني خلال 270 يومًا، أو مواجهة حظر كامل للتطبيق في البلاد.
لم تستسلم تيك توك، التي سارعت إلى رفع دعوى قضائية ضد الحكومة الأميركية، معتبرة أن القانون غير دستوري ويخنق حرية التعبير للأميركيين. هذه المعركة القانونية لا تزال جارية، ومن المتوقع أن تستمر لفترة ليست بالقصيرة.
وفي محاولة منها لتهدئة المخاوف الأميركية، قامت تيك توك بتخزين بيانات المستخدمين الأميركيين على خوادم مملوكة لشركة أوراكل في الولايات المتحدة، ولكن هذا الإجراء لم يهدئ المخاوف بشكل كامل.
1.7
مليار مستخدم عام 2023 معظمهم من الشباب 170 مليونا منهم يعيشون في أميركا
طيلة فترة الحرب الباردة الأولى بين المعسكرين الغربي والشرقي، فرضت الولايات المتحدة هيمنتها بشكل شبه كامل على الآلة الإعلامية التي صاغت طريقة تفكير الشباب وتوجهاتهم، واستخدمت في ذلك سلاحها الناعم متمثلًا باستوديوهات السينما في هوليوود.
فجأة، ولأول مرة منذ أن بدأت الحرب الباردة عام 1947، تجد الآلة الدعائية الأميركية نفسها مهددة بزحف تيك توك، الذي أثبت خلال بضع سنوات تفوقًا في السيطرة على عقول الشباب.
ويُعزى نجاح تيك توك وانتشاره السريع إلى مجموعة من العوامل، قد تكون أهمها واجهة المستخدم البسيطة التي تجعل من السهل إنشاء ومشاركة مقاطع الفيديو القصيرة دون الحاجة إلى مهارات تقنية متقدمة.
منح تيك توك الشباب فرصة لتحقيق الشهرة بسرعة من خلال مقاطع الفيديو التي يمكن أن تنتشر بسرعة وتصل إلى ملايين المشاهدات. هذا يجعل التطبيق جذابًا للساعين إلى الشهرة والتأثير.
مع تيك توك، لم يعد الجمهور متلقيًا سلبيًا بل أصبح فاعلًا. أتاح التطبيق للشباب فرصة التعبير عن أنفسهم وإظهار إبداعاتهم من خلال مقاطع فيديو قصيرة، سواء كان ذلك بالرقص أو الغناء أو التمثيل أو حتى تقديم نصائح تعليمية، ومنحهم منصة للتواصل مع جمهور واسع.
إلى جانب ذلك، وفر تيك توك محتوى ترفيهيًا متنوعًا، مما يجعله جذابًا للباحثين عن التسلية. يمكن للمستخدمين مشاهدة مقاطع فيديو مضحكة، تحديات، ومقاطع موسيقية.
ويتحدث خبراء، أجمعوا على أهمية التطبيق، عن ميزة يوفرها تيك توك هي الشعور بالانتماء. فقد أتاح التطبيق للشباب الانضمام إلى مجتمعات رقمية ومشاركة اهتماماتهم مع الآخرين، ومتابعة مستخدمين يشاركونهم نفس الاهتمامات والتحديات والاتجاهات الشائعة، وهو ما يعزز الشعور بالانتماء والتواصل الاجتماعي، ليس فقط بين أبناء البلد الواحد بل بين مختلف الثقافات والبلدان، متيحًا لهم اكتشاف عوالم جديدة وتعلم مهارات جديدة من خلال مقاطع الفيديو.
هذه العوامل مجتمعة جعلت من تيك توك منصة مفضلة للشباب، ومع وصول عدد مستخدمي التطبيق إلى 1.7 مليار مستخدم خلال عام 2023، معظمهم من الشباب، 170 مليون منهم يعيشون في الولايات المتحدة، يمكن أن نفهم دواعي الخوف التي تبديها الإدارة الأميركية، لا فرق في ذلك بين الديمقراطيين والجمهوريين.
◄ يعتقد على نطاق واسع أن بكين قادرة على التحكم في خوارزميات تيك توك لتوجيه المحتوى الذي يراه المستخدمون، مما يمكن أن يؤثر على الرأي العام ويعزز الدعاية الصينية
خلف المعارك الدائرة التي ستحسم نتائجها قصة نجاح أو سقوط تيك توك، يقف الصيني تشانغ يي مينغ، الذي أسس عام 2012 شركة بايت دانس (ByteDance) التي أدارت منذ تأسيسها عدة تطبيقات اجتماعية، ولكن تيك توك يبقى أكثرها شهرة وانتشارًا.
التطبيق المعروف في الصين باسم دوين (Douyin) تم إطلاقه في سبتمبر 2016، بينما تم إطلاق النسخة الدولية تيك توك عام 2017. وفي عام 2018، اندمج تيك توك مع تطبيق ميوزكلي (Musical.ly) ليزداد شعبية وانتشارًا على المستوى العالمي.
ومن المتوقع أن تستمر المعركة القانونية التي بدأها ترامب ويتابعها بايدن حول تيك توك في الولايات المتحدة، ويتوقع أن تصل القضية إلى المحكمة العليا قريبًا. واتخاذ المحكمة قرارًا بحظر التطبيق أو بيعه لشركة أميركية، سيكون له تأثير كبير ليس فقط على مستقبل تيك توك بل على منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الرقابة على التطبيقات الأخرى وتغيير كيفية تعامل الحكومات مع منصات التواصل الاجتماعي.
في حال تمكن التطبيق من الفوز في المعركة القانونية، فإن ذلك سيعزز من مكانته كواحد من أكبر منصات التواصل الاجتماعي في العالم.
وفي حال جاء قرار المحكمة العليا ضد التطبيق، وسواء تخلت بايت دانس عن ملكية تيك توك أو رفضت ذلك لتواجه الإقصاء من أسواق كبيرة قد لا تقتصر على الولايات المتحدة، سيكون تيك توك قد دفع ثمن نجاحه.