ليبيا تحتفل بيوم الثقافة التباوية في ظل الإهمال الرسمي

يحيي التبو في ليبيا يومهم الوطني الذي يحل في 15 سبتمبر من كل عام، وسط إهمال رسمي، لكنهم رغم ذلك يتشبثون بعيدهم الذي يحتفون فيه كل عام بجزء مهم من هويتهم وثقافتهم للتعريف بهما وحمايتهما من الاندثار، ويؤكدون على أهمية اللغة بوصفها أول معبّر عن هوية الإنسان فبها يخاطب الأقوام الأخرى وينقل إليهم ملامح موسيقاه وأشعاره وأدبه وجل أفكاره.
عاشت ليبيا الأحد الماضي على وقع الاحتفال باليوم الوطني للثقافة التباوية الذي نظم في عدد من مناطق البلاد بحضور أهل الفكر والأدب الفنون وعدد من رجال السياسة ووجهاء وأعيان التبو وعموم الليبيين.
وخصص احتفال هذا العام للاحتفاء باللغة التباوية التي تعتبر واحدة من أهم ركائز الهوية الثقافية لشعب التبو، وهي لغة قديمة تنتمي إلى اللغات الأفروآسيوية، يتم إحياؤها خلال الاحتفالات من خلال الأغاني التقليدية والشعر الشعبي. كما يتم عرض الملابس التقليدية التي تعكس التراث الصحراوي لشعب التبو، حيث تتميز بالألوان الزاهية والتصاميم الفريدة التي تتناسب مع المناخ الصحراوي القاسي.
وأصبح يوم 15 سبتمبر من كل عام، مناسبة تنتظم خلالها فعاليات فنية وثقافية تهدف إلى نشر الوعي حول التحديات التي يواجهها التبو في الحفاظ على ثقافتهم في ظل العولمة. كما يمثل فرصة لشعب التبو للتواصل مع أجيالهم الشابة، وتقريبهم من تفاصيل تاريخهم وخصوصيات ثقافتهم، وأيضا للتعريف بالعالم حول التراث الثري لشعبهم. كما يمثّل هذا اليوم فرصة لتعزيز الوحدة الوطنية والاعتراف بتنوع الثقافات داخل الدول التي يعيش فيها التبو، مما يسهم في تعزيز التفاهم والتعايش السلمي بين مختلف المكونات العرقية في تلك المجتمعات.
وبحسب المنظمين فإن “المهرجانات ليست حدثا عابرا وليست مناسبة احتفالية خالية من أيه قيمة بل أثر يبقى في التأريخ لتسهم في عملية تبادل الخبرات والمعارف وتعرف عن الثقافات والزخم التراثي لتبادل المعارف والمعلومات بشكل حوارات حرة تلمس تراث المادي خلال ما يعرض من مقتنيات تراثية ورقصات أصيلة تعرف بالعمق التاريخي والعراقة وقد تأخذنا معها إلى عالم الميثولوجيا في لوحات فنية تتحدث عنها الأساطير”.
وتقدمت وزارة الثقافة والتنمية المعرفية “بأطيب التهاني والتبريكات وأصدق المشاعر لكافة التبو في كامل إرجاء ليبيا بمناسبة اليوم الوطني للثقافة التباوية، الذي يصادف 15 من شهر سبتمبر من كل سنة متمنين لهم كل الخير والبركات”. فيما تجاهل أغلب المسؤولين المناسبة دون مبرر مقنع. وتعتبر وزيرة الثقافة والتنمية المعرفية في حكومة الوحدة الوطنية مبروكة توغي عثمان أول إمرأة من التبو تتولى منصبا وزاريا في تاريخ ليبيا، وهو ما يفسّر اهتمامها بالتظاهرة وتقديم الوزارة تهانيها للمشاركين في الاحتفاء بالمناسبة.
ويرى مراقبون، أن اليوم الوطني للثقافة التباوية يشكّل مناسبة هامة للتأكيد على التعددية العرقية والإثنية في ليبيا وعلى التنوع الثقافي والحضاري على امتداد الجغرافيا الشاسعة للبلاد، وهو ما يعطيها ثراء استثنائيا لا يحتاج إلا إلى المناخ الديمقراطي السليم ليتحول إلى مصدر قوة حقيقية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
وفي العام 2014، أعلن رسميا عن تأسيس مركز الدراسات التباوية، وهو مؤسسة بحثية علمية تتسم بالصفة المرجعية في مجال اللغة والثقافة التباويين على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، ويُعدّ إحدى مؤسسات المجتمع المدني التي تتمتع بالأهلية القانونية والاستقلالية المالية.
ويعمل المركز على إجراء البحوث والدراسات التي من شأنها التعريف بالتبو وتطوير المعرفة بقضاياهم الثقافية والاجتماعية، كما يتطلع إلى الاستيعاب المنهجي والمقارن للتحولات الراهنة في المجتمع الليبي والدولة الليبية وفق للقواعد المنهجية الحديثة للبحث والدراسة.
وكان المركز وراء تأسيس اليوم الوطني للثقافة التباوية ليتم الاحتفال به في مختلف مناطق ليبيا، سواء التي يسكنها التبو في الجنوب، أو مدن الساحل الشمالي ومنها العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي ومدن أخرى كمصراتة والزاوية والبيضاء وغيرها.
وخاطب المركز رواده بالقول: “نهنئكم بهذا اليوم الثقافي، يوم لإبراز الهوية الثقافية لقبائل التبو بكافة تركيبتها وفروعها وإمكان تواجدها، هذا اليوم هو يوم تاريخي لإظهار تاريخنا العريقة، وتعريف بثقافة متجذرة في الأرض منذ الأزل، اليوم هو يوم تباوي يعبر فيه التبو عن ثقافتهم بطرق مختلفة، أزياء، واللغة والأكلات والفنون الشعبية”.
◙ احتفال هذا العام خصص للاحتفاء باللغة التباوية التي تعتبر واحدة من أهم ركائز الهوية الثقافية لشعب التبو
ويهتم المركز بإبراز ثقافة التبو والمحافظة عليها وقد تمّ تلخيص أهدافه في إنجاز وترجمة ونشر دراسات حول لغة التبو وثقافتهم وتراثهم وترجمة وتوثيق تاريخ التبو والمنطقة، والحفاظ على اللغة التباوية وتطويرها وجمع وتدوين مختلف تعابير الثقافة التباوية والعمل على أرشفتها وحمايتها، وتوثيق التاريخ الشفوي واللامادي للتبو الموزع بين الشعر الفصيح والشعبي، والقصة، والحكايات، إلى غير ذلك، ورسم السياسات التي تساعد على إدراج التبو في المنظومة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة، والتعريف بقضايا التبو ودراستها وخدمة قضاياهم كمكوّن ثقافي أصيل وتعزيز وجود ومكانة الثقافة التباوية في الفضاءات والمحافل الوطنية والدولية، والتعاون مع المؤسسات والمنظمات الوطنية والإقليمية والدولية العاملة في مجال اهتمام المركز وعقد شراكات معها وإبرام عقود واتفاقيات تعاون بما يحقق أهداف المركز.
كما يهدف المركز إلى مساعدة الجامعات على تنظيم الحلقات الدراسية والأنشطة الكفيلة بدعم بحث وتطوير لغة التبو وثقافتهم، والإسهام في تنمية وتطوير مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية بتشجيع الباحثين في ميادين لغة وثقافة وتراث التبو، وتشجيع التنوع الثقافي والتعاون مع المنظمات ذات الاهتمام المشترك، وتشجيع الانفتاح على الآخر والتفاعل مع مكونات المجتمع المدني على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، وتنظيم الأنشطة الثقافية لجمع المخطوطات ذات العلاقة بثقافة التبو والثقافات المجاورة والمعاصرة لها، وفهرستها وتوثيقها.
العمل على وضع خطط تُسهم في المحافظة على الأرشيف المحلي والوطني مهما كان ضئيلا مثل أرشيف الحالة المدنية والملكية العقارية وغيرها من تمظهرات تراث التبو، والمطالبة ببعث نواة مُتحف لثقافة التبو، وإدراج إدخال مناطق التبو ومحطاتهم التاريخية والثقافية ضمن المسارات السياحية للسوّاح الذين يزورون ليبيا، ودعم الجهود السلمية الرامية لتعزيز المسار الديمقراطي واحترام التنوّع العرقي والثقافي في ليبيا.
ويتوزع التبو على دول الجوار الليبي بمنطقة الصحراء، حيث يبلغ تعدادهم في تشاد 375 ألف نسمة. وفي النيجر 130 ألف نسمة، وفي السودان 15 ألف نسمة، ويبلغ عدد الليبيين التبو حوالي 100 ألف نسمة موزعين على مدن سبها والقطرون ومرزق وأوباري بجنوب غرب البلاد وتازر والكُفرة بالجنوب الشرقي، بينما يقول المؤرخون إن “قبائل التبو هي عبارة عن مجموعة من القبائل والعشائر ذات الجذور الأفريقية التي لا يستطيع أي مؤرخ أو دارس لتاريخ السلالات البشرية الأفريقية أن يجزم بأصولها بشكل قطعي؛ ولكنهم يتفقون جميعا على أصالة هذه القبائل وقدمها في هذا الزمان والمكان ومنذ فجر التاريخ الإنساني”.