يقظة أمنية مغربية تحبط محاولات هجرة جماعية نحو مدينة سبتة

تمكنت السلطات الأمنية في المغرب من منع عدد من المهاجرين من العبور نحو مدينة سبتة المحتلة، في خطوة يرى مراقبون أنها تكرس تعاونا واضحا بين الرباط وإسبانيا بشأن الحد من تداعيات موجات الهجرة إلى مدريد.
الرباط - تواصل السلطات المغربية التزامها بالتصدي لتدفقات الهجرة غير النظامية نحو سواحل إسبانيا، حيث نجح الأمن المغربي في منع محاولة هجرة غير نظامية الأحد دعت إليها جهات قامت بتحريض الشباب والمراهقين، عبر منصات التواصل الاجتماعي لأجل العبور نحو مدينة سبتة المحتلة.
وقام الأمن المغربي بإعادة العشرات من القاصرين إلى مدنهم، وذلك في إطار إستراتيجية شاملة للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة.
وشهد معبر باب سبتة استنفارا أمنيا كبيرا في الساعات الأولى الأحد، تحسبا لأي محاولة هجرة، حيث قامت السلطات المغربية بالإغلاق الكامل للرصيف المؤدي إلى الشاطئ على مستوى المقطع الرابط بين الفنيدق وسبتة، بوضع سياجات حديدية، لمنع الجميع من الاقتراب من الشاطئ ووضع حد لمحاولات القفز إلى البحر للسباحة نحو المدينة.
وتم اعتراض المئات من المرشحين للهجرة في البحر مستغلين الضباب الكثيف بالمنطقة، من طرف فرق البحرية الملكية والدرك قرب سواحل الفنيدق، وآخرين وسط المدينة وضواحيها ضمن حملات تمشيط ودوريات أمنية متحركة وثابتة.
مصادر أمنية أكدت لـ"العرب" تواصل عمليات التنسيق بين السلطات المغربية والإسبانية لإعادة المهاجرين
وبالموازاة مع هذه الإجراءات تقوم السلطات المختصة بحملة أمنية لتعقب وتوقيف المحرضين على الهجرة غير النظامية وأصحاب السوابق الذين تورطوا في تنظيم هذه المحاولات، وإحالتهم إلى النيابة العامة المختصة لمتابعتهم قضائيا.
وعلمت “العرب” أن مصالح اليقظة المعلوماتية للأمن الوطني رصدت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي يُشتبه في تحريضها على الهجرة وتزعم التحضير القبلي لاقتحام السياج الأمني الواقع بين مدينة الفنيدق ومدينة سبتة، ومن المنتظر أن تتم إحالة أصحابها، بعد التعرف عليهم وتعقبهم، إلى النيابة العامة المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضدهم.
وكشف محمد بن عيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان بالمغرب في تصريح لـ”العرب”، أن “عمليات نشر أخبار زائفة على شبكات التواصل الاجتماعي حول وجود هجمة متوقعة يوم الخامس عشر من سبتمبر الجاري من طرف مهاجرين غير نظاميين مغاربة وأجانب على حدود سبتة ومليلية المحتلتين، أعادت النقاش حول علاقة الهجرة غير النظامية بشبكات التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي يمكن تحديد بدايات ظهوره في السنوات الأخيرة، إذ انطلق أساسا بتوظيف شبكات الاتجار بالبشر لهذه الشبكات في عرض خدماتها التي تتضمن المسارات الممكنة، وطرق التهجير، مقابل عمولات مالية تختلف حسب المسار والطريقة”.
وكانت حكومة سبتة المحتلة قد قررت فرض التأشيرة لدخول المدينة، وإنهاء العمل بـ”استثناء شينغن” الذي كان يسمح لسكان عمالة المضيق – الفنيدق وإقليم تطوان، بالعبور إلى سبة بجواز السفر فقط دون الحاجة إلى التاشيرة، وترى بعض الهيئات الحقوقية أن قبل فرض تأشيرة شينغن، لم تكن سبتة المحتلة تشهد هذا الضغط الكبير من طرف المهاجرين غير النظاميين.
وفي ظل هذه التطورات، أكد بيان مرصد الشمال لحقوق الإنسان بالمغرب تصاعد الضغوط على الحكومات المحلية والدولية لاتخاذ إجراءات فعالة للتعامل مع هذه الظاهرة، فمن جهة، تتزايد الدعوات إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المناطق التي تعد بؤرا للهجرة، ومن جهة أخرى، تبرز الحاجة إلى تعزيز التعاون الأمني بين المغرب وإسبانيا لمكافحة شبكات التهريب وحماية الحدود.
وفي هذا السياق، وجه النائب البرلماني عن دائرة تطوان منصف الطوب أسئلة كتابية ليونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، ورياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، مفادها أن هذا الوضع سببه “ضعف مواكبة القطاع الحكومي الوصي لمجال التشغيل، والبحث عن فرص الشغل الحقيقية وشروط التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة، وذلك نظرا لضعف السياسة القطاعية الموجهة لمجال التشغيل من أجل الحد من آفة البطالة التي تدفع شباب المنطقة إلى الهجرة بحثا عن لقمة العيش، بعد انسداد أفق التشغيل بالمنطقة”.
وتتواصل عمليات تنسيق بين السلطات المغربية والإسبانية لإعادة المهاجرين الذين يتمكنون من الوصول إلى سبتة، وفق ما أكدته مصادر أمنية، لـ”العرب”، إلى جانب التحقيق في ملفات التحريض على الهجرة واستغلال القاصرين، بالإضافة إلى ملاحقة الشبكات الإجرامية التي تستغل أوضاع المهاجرين لأغراض غير مشروعة.
وعلى الضفة الشمالية للمتوسط، كشفت صحيفة “إل فارو دي سبتة” أن المغرب عزز من تواجده الأمني والعسكري على الحدود مع سبتة، ورفع من عدد القوارب البحرية التي تراقب عمليات الهجرة السرية بالفنيدق إلى ست قوارب، مع استقدام تعزيزات أمنية كبيرة على طول الرصيد البحري بين الفنيدق وسبتة.
وفسرت صحيفة “إل فارو دي سبتة” محاولات دخول سبتة رغم المراقبة المكثفة، بأنها “تحدي الوصول إلى سبتة مهما كانت الظروف، إذ في المنتديات يتم نشر مقاطع فيديو تشجع على المرور، ويتم تشجيع الناس على الاستمرار والمواجهة إذا لزم الأمر”.
وكثفت سلطات سبتة المحتلة من إجراءاتها الأمنية بشكل ملحوظ، حيث قامت بتعزيز وحدات الحرس المدني بعناصر إضافية، إلى جانب وحدات من القوات البحرية الإسبانية، ووحدات متخصصة في الإنقاذ البحري، بهدف السيطرة على تدفق المهاجرين عبر البحر. وفق المصدر ذاته.
كما أعلنت “جمعية الحرس المدني الموحد” أن الحرس المدني في سبتة المحتلة أطلق “إنذارا” بسبب “انتشار مقاطع فيديو تشجع على محاولة عبور الحاجز البحري في منطقة تراخال سباحة، في الساعات الأولى من صباح يوم الأحد”.
ولفت مرصد الشمال لحقوق الإنسان بالمغرب أن موضوع الهجرة غير النظامية نحو مليلية وسبتة يظل تحديا معقدا يحتاج إلى معالجة شاملة تأخذ بعين الاعتبار الأسباب الجذرية التي تدفع الشباب والقاصرين إلى القيام بمثل هذه المخاطرات، فالحلول الأمنية وحدها لن تكون كافية للحد من هذه الظاهرة، بل يجب أن تترافق مع إستراتيجيات تنموية طويلة الأمد تستهدف تحسين جودة الحياة في المناطق المتأثرة.