"الفار" أمام التحقيق في اغتيال "البيدجا" ومخاوف من تورط أطراف سياسية ليبية

أثار اغتيال آمر الكلية البحرية الحربية بجنزور عبدالرحمن سالم ميلاد المعروف بلقب “البيدجا” في ليبيا جدلا واسعا بشأن استمرار التصفية الجسدية، ما قد يغذي أزمة انعدام الأمن والاستقرار في ليبيا ويمهد لتوسع دائرة الصراعات بالبلاد.
تونس - لا يزال اغتيال آمر الكلية البحرية الحربية بجنزور عبدالرحمن سالم ميلاد المعروف بلقب “البيدجا”، يطرح الكثير من الأسئلة في غرب ليبيا ولاسيما حول ظاهرة التصفيات من داخل الأجهزة الحكومية، وما قد يتسبب فيه من مواجهات مفتوحة بين الفاعلين الميدانيين في ظل هشاشة الوضع الأمني وتفكك الروابط الاجتماعية.
وأعلن مكتب النائب العام في ساعة متأخرة من ليل الخميس – الجمعة تسليم آمر فرقة الإسناد الأولى محمد بحرون نفسه طوعا للامتثال للتحقيق معه في واقعة قتل “البيدجا”، وقال في بلاغ للرأي العام أن بحرون المعروف بكنية “الفار”، امتثل لإجراءات بحث واقعة قتل المواطن عبدالرحمن سالم ميلاد.
وأوضح المكتب أن وحدة شؤون الضبط القضائي، بمكتب النائب العام، تسلمت يوم الخميس الماضي المبحوث عنه – آمر فرقة الإسناد الأولى – الذي امتثل طوعا؛ فوُجِّه مأمور الضبط القضائي المكلف بسماع أقوال الممتثل وعرض نتائج الاستدلال على سلطة التحقيق.
وكانت أوساط ليبية قالت إن أصابع الاتهام اتجهت إلى مكتب جهاز مكافحة التهديدات الأمنية في مدينة الزاوية تحت إمرة محمد بحرون الملقب بـ”الفار” الذي ينتمي إليه المتورطون الثلاثة في عملية الاغتيال، بينما أكد مكتب النائب العام أنه وَظّف الأساليب التقنيّة في إدارة إجراءات البحث عن الأدلة، والدلائل الرامية إلى إثبات عناصر الواقعة والظروف التي لابستها لمعرفة واستجلاء هُويات الضالعين في ارتكاب جريمة القتل.
قبيلة أولاد بوحميرة طالبت بتسليم المطلوبين في قضية اغتيال "البيدجا"، مؤكدة على ضرورة تحقيق العدالة ومحاكمة الجناة
وأشار البيان إلى أن إجراءات البحث والتحري أسفرت عن التعرف على المركبة الآلية التي استعملت لتسهيل قدوم الفاعليْن إلى مكان واقعة القتل ومغادرته، مردفا أن سلطة التحقيق تمكنت من الوصول إلى السلاح المشتبه أن الفاعلين استعملاه في تنفيذ ماديات الجريمة؛ إضافة إلى تحديد مشتبهيْن اثنين، أمرت النيابة العامة بضبطهما؛ ووجّهت مكونات وزارة الداخلية بإنفاذ هذا التدبير.
وأوضح مكتب النائب في بيان آخر، أنه أمر بضبط ثلاثة متهمين في واقعة مقتل البيدجا واستمع لأقوال مشتبه سلم نفسه طوعا.
وبيّن مكتب النائب العام عبر صفحته بموقع فيسبوك أنه إلحاقا بتدابير ملاحقة مرتكبي واقعة قتل عبدالرحمن سالم ميلاد أرشدت سلطة التحقيق مأمور الضبط القضائي إلى إجراء سماع أقوال مشتبه سلم نفسه طوعا.
وأمرت النيابة بضبط ثلاثة مشتبهين، أسفر البحث عن إثبات ضلوعهم في الجريمة؛ ووجّهت مكونات وزارة الداخلية بإنفاذ هذا التدبير.
وفي الأثناء، أعلن جهاز مكافحة التهديدات الأمنية، قبول نائب رئيس الجهاز، وآمر قوة الإسناد الأولى الزاوية، محمد بحرون الملقب بـ”الفار”، المثول أمام النائب العام، في التحقيقات بشأن قضية مقتل ”البيدجا”، وقال “لا علاقة لنا بكل الاتهامات بشأن مقتل ميلاد وكل ما يثار حولنا مجرد كذب” ، معتبرا أن كل ما يثار من أكاذيب في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع المأجورة، هدفه تضليل الرأي العام وإعاقة سير العدالة في هذه القضية.
النيابة أمرت بضبط ثلاثة مشتبهين، أسفر البحث عن إثبات ضلوعهم في الجريمة؛ ووجّهت مكونات وزارة الداخلية بإنفاذ هذا التدبير
وأضاف ”لن تنال منّا الأكاذيب والمكائد التي تحاول دومًا تشويه مدينتنا ومنطقتنا، وأهلنا في الزاوية والمنطقة الغربية يدركون هذا الأمر، ووعيهم كفيل بإسقاط هذه المؤامرات”.
ونقلت “وكالة نوفا” الإيطالية عن مصادر مطلعة، أن الموقوفين الثلاثة جميعهم أعضاء في وكالة مكافحة التهديدات الأمنية التي يقودها “الفار”. وفي الليلة التي سبقت تسليم المشتبه بهم إلى مكتب المدعي العام، وردت أنباء عن تحركات عسكرية كبيرة في الزاوية. وكان الوضع مهدداً بالتدهور، لكن تسليم المتهمين الثلاثة إلى السلطات القضائية جعل من الممكن تجنب تصعيد العنف.
وأفادت المصادر نفسها أن المشتبه بهم حاولوا مغادرة البلاد في الأيام الأخيرة لكنهم فشلوا رغم عرضهم أموالا للفرار إلى تونس. ورغم أن الوضع يبدو هادئاً الآن، إلا أن بحرون يتعرض لضغوط كبيرة ومن المعروف أن أحد الأعضاء المعتقلين هو ذراعه اليمنى.
وكان آمر المنطقة العسكرية الساحل الغربي في ليبيا صلاح الدين النمروش كلف مجموعة عمليات خاصة لبسط الأمن ودعم الأجهزة الأمنية بضبط “الفار” قبل أن يقرر تسليم نفسه إلى مكتب النائب العام.
ولقي “البيدجا” مصرعه الاثنين الماضي، إثر استهداف سيارته من قبل مسلحين في منطقة صياد غرب جنزور طرابلس، وهو ما أثار جدلا واسعا في مختلف الأوساط الليبية.
وأكد مصدر من جهاز طب الطوارئ بالزاوية أنه قُتل إثر تعرضه لإطلاق نار من ثلاث سيارات تعرضت لموكبه بعد خروجه من مقر الأكاديمية البحرية بمنطقة صياد.
الصراع على المصالح والتنافس على النفوذ يؤديان إلى احتدام المواجهة بين الفرقاء مختلفي المرجعيات والتوجهات والأجندات
وتخشى أوساط ليبية من إمكانية الكشف عن تورط أطراف سياسية في اغتيال “البيدجا” بما يؤكد وجود مخطط لتصفية أبرز أمراء الحرب في المنطقة الغربية ممن يتم اعتبارهم معرقلين للحل السلمي ومعارضين لمشروع المصالح الوطنية وتوحيد المؤسسة العسكرية وتجاوز حالة الانقسام السياسي والحكومي.
وطالبت قبيلة أولاد بوحميرة بتسليم المطلوبين في قضية اغتيال ابنهم ”البيدجا”، مؤكدة على ضرورة تحقيق العدالة ومحاكمة الجناة. وذكرت القبيلة، في بيانها، عدة مطالب مشددة على ضرورة تسليم جميع المتورطين في هذه الجريمة إلى الجهات القضائية المختصة، دون مماطلة أو تأخير، كما عبرت بوضوح عن استنكارها الشديد تجاه حكومة عبدالحميد الدبيبة، محملةً إياها مسؤولية هذه الجريمة وعواقبها، ومطالبة بحل هذه الحكومة وحلّ الأجهزة الأمنية المتورطة في اغتيال البيدجا، معتبرةً أن الحلول الجزئية لم تعد كافية لتحقيق العدالة.
ودعت القبيلة النائب العام إلى الالتزام بالشفافية التامة في جميع الإجراءات القضائية المتعلقة بالقضية، مشيرة إلى أن هذه القضية أصبحت قضية رأي عام، ولا مجال للغموض أو التلاعب. كما طالبت القبيلة بتعيين ضابط من عائلة البيدجا لمتابعة تطورات القضية عن كثب، مع التأكيد على أهمية اختيار قاضٍ نزيه ووطنّي للبتّ في هذه القضية الحساسة، وأكدت أن العدالة تتطلب في التحقيقات لضمان عدم تمييع القضية أو التساهل مع المتورطين، مشددة على أنها تنتظر بفارغ الصبر كشف الحقائق ومحاسبة كل من تسوّل له نفسه التلاعب بأمن الوطن واستقراره.
وأعاد اغتيال البيدجا فتح ملف التصفيات من داخل مؤسسات الدولة في المنطقة الغربية، لاسيما بعد الإعلان في يونيو الماضي عن محاولة اغتيال عبدالمجيد مليقطة رئيس هيئة السلامة الوحدة التابعة لحكومة الوحدة ومستشار رئيسها عبدالحميد الدبيبة، حيث أكد مكتب النائب العام آنذاك أن “الضابطة القضائية أنجزت تدبيرًا أمرت به سلطة التحقيق في مواجهة عنصرين بإدارة الأمن القومي بجهاز المخابرات الليبية، أسهما في تفجير عجلة مفخخة وُضِعت في طريق سلكه المواطن مليقطة لغرض اغتياله”، ليتم لاحقا القبض على المتهمين في تونس وتسليمها لسلطات طرابلس.
ويرى مراقبون أن الصراع على المصالح والتنافس على النفوذ يؤديان إلى احتدام المواجهة بين الفرقاء مختلفي المرجعيات والتوجهات والأجندات، وإلى التخطيط للتصفيات والاغتيالات كما حدث مؤخرا في قضية “البيدجا” الذي كان يعتبر أحد أهم أمراء الحرب وأباطرة التهريب والاتجار بالبشر ومن المطلوبين البارزين للقضاء الدولي وله منافسون على هذا الصعيد من بينهم “الفار” الذي يشترك معه في الانتماء إلى مدينة الزاوية وفي تجربة الحرب والتهريب والنفوذ الميلشياوي، والذي تلاحقه أكثر من 30 دعوى قضائية من بينها تعاونه مع تنظيم داعش الإرهابي أثناء سيطرته على مدينة صبراتة وصولا إلى اغتيال “البيدجا”.