تكرار التظاهرات وغياب التجديد يعيقان نشر ثقافة الفن السابع في المغرب

إعادة النظر في البرمجة والضيوف تنعش المهرجانات السينمائية المغربية.
السبت 2024/09/07
مشهد من مهرجان مراكش السينمائي عام 2013

تعيش المهرجانات السينمائية المغربية حالة استنساخ، حيث تكرر أغلبها أسماء الضيوف من لجان تحكيم ونقاد وصحافيين، وتختار أفلاما لمخرجين تتكرر أسماؤهم في كل المحافل، ما جعل هذه المهرجانات عبئا ثقيلا وعقبة أمام تقدم السينما المغربية، بعد أن كانت تهدف إلى دعمها وتقريبها من الجمهور.

الرباط - التظاهرات السينمائية منابر للاحتفاء بالفن السابع وتعزيز النقاش الثقافي، لكن تكرار نفس الأفلام ولجان التحكيم ومواضيع الندوات والضيوف يثير تساؤلات حول الهدف الحقيقي من هذه الفعاليات. كما يلاحظ أن إدماج الأدب والشعر والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس في هذه التظاهرات قد يُفهم كحجة للانفتاح والتنوع، ولكنه في الواقع قد يُنظر إليه كخطوة لدخول غير المتخصصين من خلفيات أدبية وتاريخية وفلسفية، أو من مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية الأخرى، إلى المجال السينمائي، حيث يعتبر هذا التوجه محاولة لملء الثغرات التي يُحتمل أن تكون موجودة في المشهد السينمائي المغربي.

وفي هذا السياق تطرح الكثير من الأسئلة حول مدى جدوى هذا التداخل، وما إذا كان يعزز فعلا ثقافة سينمائية حية ومتجددة، أم أنه يعيد إنتاج ما هو مألوف دون تحقيق تقدم حقيقي. فهل تسعى التظاهرات السينمائية إلى تقديم منصة جديدة للابتكار والإبداع، أم أنها أصبحت مجرد مناسبات احتفالية شكلية تعيد إنتاج الأفكار والأسماء المعروفة، ما يفقدها قدرتها على جذب جمهور متعطش للتجديد والتنوع؟

يمكن أن تكون المهرجانات السينمائية منصات حقيقية للإبداع والتجديد، إلا أن تكرار عرض نفس الأفلام واختيار لجان تحكيم وأسماء معروفة يثيران تساؤلات حول مدى التزام هذه التظاهرات بدورها في تحفيز الابتكار السينمائي، فبينما يفترض أن تكون هذه الفعاليات مساحات لعرض أعمال جديدة واكتشاف مواهب غير مألوفة، تنحرف نحو إعادة إنتاج نفس الأفكار والشخصيات، وهذا يحد من قدرتها على جذب جمهور جديد يواكب أنشطتها؛ فكما أن الأفلام التي لا تلقى رواجا في قاعات السينما فاشلة، كذلك المهرجانات السينمائية التي لا يحضرها الجمهور فاشلة أيضا، سواء كان ذلك في زمن التفاهة أو زمن التنوير، ويبقى الجمهور الناقد الأول والأخير والراعي الرسمي للفنون.

إعادة النظر في اختيار ضيوف المهرجانات السينمائية بالمغرب تدعم فاعلية هذه التظاهرات وتعزز قيمتها الثقافية

ويطرح تكرار المواضيع والندوات الأسئلة نفسها حول جدوى هذه الفعاليات في دعم ثقافة سينمائية متجددة، وإذا كانت هذه التظاهرات تكتفي بالاحتفاء بما هو معروف، فإنها بذلك قد تتحول إلى مناسبات احتفالية شكلية تفتقر إلى المضمون والإسهام الفعلي في تطوير الصناعة السينمائية، وبذلك يصبح التحدي الأكبر أمام هذه التظاهرات هو تجديد ذاتها واستقطاب الأصوات الجديدة وتقديم أفكار سينمائية تخرج عن المألوف، لتستعيد دورها كمنابر للتجديد.

وتبرز الحاجة إلى إعادة النظر في أهداف هذه التظاهرات وتوجيهها نحو تعزيز ثقافة سينمائية حية ومتنوعة، إذ ينبغي أن تسعى هذه الفعاليات إلى كسر دائرة التكرار من خلال تبني أفلام وندوات تعكس التنوع الثقافي والفكري، وتشجيع مشاركة لجان تحكيم وضيوف من خلفيات وتجارب مختلفة، بما يعزز فرص التطوير والابتكار في هذا المجال. فقط من خلال هذه المقاربة يمكن للتظاهرات السينمائية في المغرب أن تظل مؤثرة وذات صلة بالمشهد الثقافي مع التقليل من الولائم والضيوف غير المشاركين بأي عمل أو ندوة، وهذا موضوع آخر يحتاج إلى مناقشة واسعة.

وفي جانب الندوات يمكن ملاحظة اتجاه متزايد لإقحام الأدب والشعر والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس في السينما، ليس من أجل الانفتاح على الفنون الأخرى فحسب، بل كمدخل تطفلي مكشوف في هذا الميدان من قبل غير المتخصصين في السينما، وهؤلاء القادمون من مجالات متنوعة مثل الأدب العربي أو التاريخ أو العلوم الاجتماعية والنفسية يسعون إلى توظيف معرفتهم وخلفياتهم الفكرية لترك بصمة مميزة في عالم السينما، وهذا التوجه قد يُثري السينما من خلال إدخال زوايا تحليلية جديدة وأساليب تعبير مغايرة، لكنه أيضا قد يطرح تحديات أخرى، حيث يتطلب من هؤلاء القادمين التكيف مع تقنيات السرد البصري والفني المميزة للسينما، وتجنب إسقاطات نظرية قد تثقل العمل السينمائي وتُبعده عن جوهره الفني.

وتحسن إعادة النظر في اختيار ضيوف المهرجانات السينمائية بالمغرب من فاعلية هذه التظاهرات وتعزز قيمتها الثقافية، إذ يلاحظ أن بعض الضيوف يتكرر حضورهم في الفعاليات رغم عدم وجود أعمال لهم في المسابقة الرسمية أو عدم إسهامهم في الندوات وورشات العمل، حيث يفضي هذا التكرار إلى هدر الموارد، بما في ذلك تكاليف الإقامة والولائم، دون تحقيق قيمة ملموسة للمهرجان، بينما يفضل أن تتم دعوة كل فاعل ثقافي يساهم فعلاً في إثراء المهرجان، بحيث تكون له بصمة واضحة ويخدم المهرجان بشكل فعال، إذ تساهم إعادة تقييم حضور الضيوف وضمان أنهم يضيفون قيمة حقيقية في تحسين جودة المهرجانات وتقليل التكاليف غير الضرورية، وهذا يعزز دورها كمنصة حيوية للإبداع والتبادل الثقافي.

ويمكن القول إن تكرار التظاهرات السينمائية في المغرب دون تحسين أو تجديد ملموس يؤدي إلى عرقلة نشر ثقافة الفن السابع ويحد من تطور الصناعة السينمائية في البلاد. هذه المهرجانات، التي كان يُفترض أن تكون فضاء للإبداع وتبادل الأفكار، أصبحت في الكثير من الأحيان مناسبات تكرر نفسها دون تقديم قيمة مضافة أو محتوى سينمائي جديد يواكب التغيرات الفنية العالمية. هذا الوضع يثير تساؤلات حول غياب الابتكار وأسباب عدم استغلال الإمكانيات المتاحة لتنمية الفضاء السينمائي المغربي.

المهرجانات السينمائية يمكن أن تكون منصات للإبداع والتجديد، إلا أن تكرار عرض نفس الأفلام واختيار لجان تحكيم معروفة يثيران تساؤلات حول مدى التزام هذه التظاهرات بدورها في تحفيز الابتكار السينمائي

وتعتبر هندسة تسيير التظاهرات الثقافية والسينمائية من أهم العوامل التي تساهم في نجاح هذه التظاهرات واستمرارها، فإدارة الفعاليات الثقافية بشكل احترافي تتطلب تخطيطًا دقيقا يتضمن اختيار الأفلام والمحتوى بعناية، وكذلك تنظيم الأحداث المصاحبة مثل الندوات وورشات العمل التي تعزز قيمة المهرجان الثقافية والفنية؛ فإذا كانت المهرجانات تدار بفكر إستراتيجي مبتكر، فإنها ستساهم في جذب جمهور واسع من المهتمين والمهنيين، وهذا يؤدي إلى رفع مستوى التفاعل السينمائي المحلي والدولي.

ويعتمد تسيير المهرجانات السينمائية على رؤية واضحة تهدف إلى تقديم تجربة جديدة ومختلفة في كل دورة، مع مراعاة التنوع في الاختيارات السينمائية والمحتوى المقدم. والتسيير الاحترافي يتطلب أيضا التركيز على الجوانب التقنية مثل جودة العروض، واختيار أماكن العرض المناسبة، فضلا عن توفير الدعم اللوجستي اللازم لجعل تجربة الجمهور سلسة وممتعة. ويضمن تنظيم المهرجان بشكل فعّال، تقديم برامج ثرية ومتنوعة تجذب مختلف الفئات العمرية والاهتمامات.

ولتحقيق نقلة نوعية في المهرجانات السينمائية المغربية، يجب تبني الابتكار في كل مراحل التنظيم والإعداد، وهذا يشمل استقطاب مخرجين ومنتجين من مختلف أنحاء العالم، وعرض أفلام جديدة تعكس تطورات الصناعة، إضافة إلى تنظيم حوارات مفتوحة مع صناع الأفلام والجمهور، كما يمكن للمهرجانات أن تلعب دورا محوريا في اكتشاف المواهب الجديدة ودعم الإنتاج المحلي، وذلك من خلال توفير منصات تمويل وعروض دولية تساعد السينمائيين المغاربة على الانتشار عالميًا.

ولضمان استمرارية المهرجانات وجذب جمهور واسع، من الواجب على المهرجانات السينمائية أن تعمل على بناء جسور قوية مع الجمهور المحلي، وهذا يمكن تحقيقه من خلال تنظيم فعاليات تفاعلية، ودعوة جمهور من فئات مختلفة للمشاركة في النقاشات والورش التي تمكن من التواصل بين الجمهور وصناع الأفلام، فعندما يشعر الجمهور بأن المهرجانات تعبر عن اهتماماته الثقافية والفنية، يصبح لديه انخراط أكبر في هذه التظاهرات، وهذا ما ينقص العديد من المهرجانات السينمائية في المغرب.

14