اتفاقية أضنة في صلب مفاوضات مرتقبة بين سوريا وتركيا

التطبيع التركي - السوري يبقى رهين الاتفاق على من هم الإرهابيون.
الأربعاء 2024/09/04
هل ترفع تركيا الغطاء عن الفصائل المسلحة في الشمال السوري

تعتقد روسيا أن إحياء اتفاقية أضنة قد يشكل مدخلا مناسبا لبناء توافقات جديدة بين تركيا وسوريا بما يسمح بعودة طبيعية للعلاقات بينهما، لكن متابعين يرون أن هناك عقدة على الطرفين تجاوزها وهو الاتفاق على مفهوم مشترك للإرهاب والجهات المعنية بالتصنيف.

دمشق- عادت اتفاقية أضنة الموقعة بين سوريا وتركيا منذ نحو ربع قرن إلى دائرة الضوء، في ظل حديث عن أنها ستكون أحد محاور المفاوضات المرتقبة بين دمشق وأنقرة برعاية روسية، وأنه سيجري البحث في تعديل عدد من بنود الاتفاقية ولاسيما المتعلقة بالملحق الرابع.

وكانت الاتفاقية الموقعة في العام 1998 محل أخذ ورد على مدار السنوات الماضية، ولاسيما إثر العمليات العسكرية التي شنتها أنقرة في الداخل السوري لتحجيم تمدد وحدات حماية الشعب الكردي، وتقول أنقرة إن تلك العمليات تتوافق وروح الاتفاقية، وهو ما تنفيه دمشق.

وترعى روسيا جهودا لإعادة العلاقات بين سوريا وتركيا، وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مؤخرا عن اجتماع قريب سيعقد بين الطرفين. وقال لافروف إن من الضروري التحضير الآن لاجتماع جديد روسي – سوري – تركي – إيراني، وقال “إنه على ثقة من أن هذا الاجتماع سيعقد في مستقبل قريب جدا، مؤكدا اهتمام بلاده بتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة”.

يشار غولر: سيكون من مصلحة البلدين إنهاء بيئة الصراع هذه في أسرع وقت ممكن
يشار غولر: سيكون من مصلحة البلدين إنهاء بيئة الصراع هذه في أسرع وقت ممكن

ونقلت صحيفة “الوطن” المقربة من الحكومة السورية، عن مصدر دبلوماسي عربي رفض الكشف عن اسمه، الثلاثاء، ترجيحه بأن تكون موسكو أنجزت بالفعل جدول أعمال اللقاء المرتقب والمتوقع أن يكون نهاية شهر سبتمبر الجاري.

ولخص المصدر أجندة جدول الأعمال بأنها تتضمن بالضرورة الإشارة إلى تسمية من هم الإرهابيون، وتحديد آلية للتعاون بين دمشق وأنقرة لمكافحة الإرهاب، إضافة إلى تحديد جدول زمني لانسحاب القوات التركية المحتلة من الأراضي السورية، وذلك بعد إنجاز النقاط السابقة الخاصة بمكافحة الإرهاب لضمان أمن الحدود المشتركة.

ولفت المصدر إلى أن إعادة البحث في تعديل اتفاقية أضنة والتي سبق وجرى طرحها كصيغة جديدة للتعاون السوري – التركي لضبط أمن الحدود، قد تكون أيضا على جدول أعمال المباحثات المرتقبة.

وبيّن المصدر الدبلوماسي أن هذه النقاط بحاجة إلى موافقة الأطراف المعنية ولاسيما دمشق، علما أن موسكو كانت حريصة على أن يكون انسحاب القوات التركية أهم بند في جدول أعمال أي مباحثات مرتقبة، وذلك كما تطالب دمشق التي تسعى ومن خلال أي تحرك، لاستعادة سيادتها على كامل أراضيها.

وكشف لافروف وللمرة الأولى في حديث مع “قناة روسيا اليوم”، عن موافقة تركيا على مناقشة الانسحاب من الأراضي السورية، حيث قال إن “المباحثات التي تمكنا من عقدها بشق الأنفس العام الماضي، كانت مفيدة رغم أنها لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق على المضي قدما، إذ تعتقد الحكومة السورية بأن الاستمرار في عملية التطبيع يتطلب تحديد إجراءات انسحاب القوات التركية من سوريا، أما الأتراك، فهم مستعدون لذلك، ولكن لم يتم الاتفاق على معايير محددة حتى الآن”.

وتزامنت تصريحات لافروف مع أخرى صادرة عن وزير الدفاع التركي يشار غولر اعتبر فيها أنه “لا توجد مشكلة لا يمكن حلها بين البلدين، وبعد حل هذه المشكلات، أعتقد بأننا سنكون قادرين على مواصلة أنشطتنا الطبيعية كدولتين متجاورتين”.

ووصف غولر ما جاء في كلمة الرئيس بشار الأسد أمام مجلس الشعب في الخامس والعشرين من الشهر الماضي حول مستقبل العلاقات مع تركيا بـ”الإيجابية للغاية”، مشيرا إلى أن مصلحة البلدين في إنهاء بيئة الصراع الحالية.

واعتبر غولر في المقابلة مع صحيفة “حرييت” أنه “سيكون من مصلحة البلدين إنهاء بيئة الصراع هذه في أسرع وقت ممكن وعودة البلدين إلى أنشطتهما الطبيعية في العلاقات”.

سيرجي لافروف: روسيا اقترحت على تركيا العودة إلى اتفاقية أضنة لمكافحة الإرهابيين في شمال سوريا
سيرجي لافروف: روسيا اقترحت على تركيا العودة إلى اتفاقية أضنة لمكافحة الإرهابيين في شمال سوريا

وأضاف “لا توجد مشكلة بيننا يصعب حلّها.. أعتقد بأنه بعد حل المشاكل، يمكننا مواصلة أنشطتنا الطبيعية كدولتين متجاورتين.. أنقرة ودمشق قادرتان على حل جميع المشاكل”.

ويرى متابعون أن تفعيل اتفاقية أضنة قد يشكل مدخلا مناسبا لإنهاء الخلافات التركية – السورية، مشيرين إلى أن أنقرة تطالب بتعديل بعض البنود ومنها البند المتعلق بمساحة التحرك داخل سوريا، والتي حددتها الاتفاقية في صياغتها الحالية بخمس كلم للقوات التركية.

ويلفت المتابعون إلى أنه قبل ذلك فإن هناك حاجة إلى التفاهم حول مفهوم الإرهاب والمعنيين به، فالحكومة السورية مثلا ترى في فصائل المعارضة المسيطرة على جزء كبير من شمال غرب سوريا وترعاها تركيا، تنظيمات إرهابية، في المقابل فإن أنقرة تعتبر الأكراد في شمال شرق البلاد إرهابيين وجب استئصالهم.

ويقول المتابعون إن السؤالين الملحين هنا هل ستتبنى أنقرة وجهة نظر الحكومة السورية بشأن فصائل المعارضة، وتنزع عنهم غطاء الدعم؟ وهل أن دمشق فعلا مستعدة لاعتبار وحدات الشعب الكردي تنظيما إرهابيا وستتعاون مع تركيا لإنهاء وجوده؟

وكشف وزير الخارجية الروسي في وقت سابق أن بلاده اقترحت على تركيا العودة إلى اتفاقية أضنة لمكافحة الإرهابيين في شمال سوريا، بالتنسيق مع الحكومة السورية. وأوضح لافروف أن الاتفاقية لا تزال سارية المفعول، وتتيح لتركيا دخول الأراضي السورية بعمق معين لمكافحة الإرهاب.

وشكلت اتفاقية أضنة الأمنية، الموقعة في أكتوبر 1998، نقطة تحول حينها في العلاقات السورية – التركية، التي غلب عليها في السابق الكثير من التوتر.

وكان الدعم الذي قدمته دمشق لحزب العمال الكردستاني في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، واحتضانها لزعيمه عبدالله أوجلان، أحد أسباب التوتر الرئيسية.

وقد بلغت الأزمة بين البلدين ذروتها حينما حشدت أنقرة في أكتوبر 1998 قوات كبيرة على حدود البلدين، مهددة باجتياح سوريا إذا استمرت دمشق في توفير ملجأ آمن لأوجلان.

وجرت وساطات إقليمية لاحتواء الأزمة، كان من نتائجها توقيع اتفاق أمني في مدينة أضنة التركية يوم العشرين من أكتوبر 1998، لتشكل بذلك نقطة تحول كبرى على صعيد العلاقات الثنائية، وهو ما ترجمته الاتفاقيات المشتركة التي وقّعت بعدها، لاسيما على المستوى الاقتصادي.

ومن أبرز بنود الاتفاقية، تعاون سوريا التام مع تركيا في “مكافحة الإرهاب” عبر الحدود، وإنهاء دمشق جميع أشكال دعمها للحزب الكردستاني، وإخراج زعيمه عبدالله أوجلان من ترابها، وإغلاق معسكرات الحزب في سوريا ولبنان (كان آنذاك خاضعا للوصاية السورية المباشرة)، ومنع تسلل مقاتليه إلى تركيا.

واحتفاظ تركيا بـ”حقها في ممارسة حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس” وفي المطالبة بـ”تعويض عادل” عن خسائرها في الأرواح والممتلكات، إذا لم توقف سوريا دعمها للحزب الكردستاني “فورا”.

موسكو كانت حريصة على أن يكون انسحاب القوات التركية أهم بند في جدول أعمال أي مباحثات مرتقبة، مثلما تطالب دمشق

وإعطاء تركيا حق “ملاحقة الإرهابيين” في الداخل السوري حتى عمق خمسة كيلومترات، و”اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرض أمنها القومي للخطر”.

لكن الاتفاقية جرى تجميدها بشكل غير رسمي منذ اندلاع الأزمة السورية في العام 2011 حينما قررت تركيا دعم المعارضة، ووقف كل أشكال التعاون مع الحكومة السورية.

ولم يقف الدعم التركي حد البعد الدبلوماسي بل طال مختلف أنواع الدعم للفصائل المسلحة وتدريبها، في المقابل غضت الحكومة السورية النظر عن تنامي حضور وحدات حماية الشعب الكردي في شمال شرق البلاد، حيث كانت ترى أن الأولوية هي التصدي للمناوئين لها.

وقامت تركيا على إثر ذلك بثلاث عمليات عسكرية في الشمال السوري لتحجيم تمدد الأكراد، فيما اعتبرت دمشق الوجود التركي احتلالا.

2