الجزائريون يريدون برنامج رئيس وليس إجراءات برلمان أو حكومة

الستار أسدل على الحملة الانتخابية في الجزائر بعد ثلاثة أسابيع من الدعاية لبرامج انتخابية لم تخرج عن إطار الوعود ورسائل الغزل مثل الحديث عن رفع الأجر الأدنى ومنحة الطلبة والمعوزين.
الأربعاء 2024/09/04
غابت البرامج وحضر التهريج السياسي

تنافس المرشحون للانتخابات الرئاسية على الوعود والشعارات السياسية، دون الغوص في برامج انتخابية عميقة بإمكانها إقناع الجزائريين بالذهاب إلى صناديق الاقتراع. فمثلاً، أجمع الكل على رفع الناتج الداخلي الخام إلى أكثر من 400 مليار دولار في غضون عامين، لكن لا أحد فصّل في كيفية ذلك، لإسكات الخطاب المتشائم والمثبط للعزائم حسب تقديرهم، الأمر الذي يبقي برامج الدعاية أقرب إلى الشعارات الجوفاء أكثر من قربها إلى الحقيقة.

أسدل الستار على أطوار الحملة الانتخابية في الجزائر، بعد ثلاثة أسابيع من الدعاية لبرامج انتخابية لم تخرج عن إطار الوعود ورسائل الغزل، كأن يكون الحديث عن رفع الأجر الأدنى ومنحة الطلبة والمعوزين والمرأة الماكثة في البيت، وغيرها من الوعود التي يكون بإمكان أبسط حكومة وأبسط برلمان تحقيقها، الأمر الذي يعكس خلوّ ثلاثة أسابيع من الدعاية السياسية من أيّ برنامج انتخابي يمكن أن يتوقف عنده الناخب، لأنه يجد فيه ما يناسب منصب الرجل الأول في الدولة من مهام وصلاحيات وقرارات.

أجمع المتنافسون حول كرسي قصر المرادية على رفع الناتج الداخلي الخام إلى أكثر من 400 مليار دولار، لكن لا أحد أحال الجزائريين على الآليات التي سيعتمدها لبلوغ الرقم المذكور، وتوفير 130 مليار دولار إضافية على الأقل خلال العامين القادمين. كما أن لا أحد من الفرق المقربة تفضل بالرد على المتشائمين من خبراء الاقتصاد، الذين يجزمون باستحالة ذلك، لأن توقعات النمو لا يمكن أن تكون خارقة بالنظر للمعطيات والمناخ الاقتصادي السائد.

◄ الناخب الجزائري كان ينتظر حلولاً وبرامج لأزمات متراكمة ومتشابكة تبدأ من خطة نهضوية واضحة وشاملة، يمكن من خلالها كسب صبر الجزائريين

واللافت أن خطاب توزيع الريع لا زال يتحكم في توجهات المتنافسين على الرئاسة الجزائرية، حتى في ظل الحاجة الماسة إلى تغيير النمط الاقتصادي للبلاد لحمايتها من تقلبات أسعار الطاقة، ووضع مصادر تمويل جديدة حيز الخدمة لضمان حياة الأجيال الصاعدة ومستقبلها. فقد تكلم الجميع عن الزيادة في الرواتب والدخل الأدنى والتحويلات الاجتماعية ودعم المواد ذات الاستهلاك الواسع، لكن لا أحد شرح للناخبين من أين سيغطي التكاليف الجديدة، وكيفية التحكم في التضخم حينها.

الكثير من الملفات الإستراتيجية أحيطت بالكتمان وربما التجاهل، خاصة المتعلقة بالأمن الإستراتيجي للبلاد، في الغذاء والماء والدواء، قبل الأمن والحدود المشتعلة والتوترات القائمة في الإقليم. وإذا كان الرئيس المرشح عبدالمجيد تبون، قد تعهد بنهاية عهد استيراد القمح الصلب بعد العام القادم، فإن المواطن الناخب أضناه التعب للحاق بسعر البطاطا المتعالي في السماء منذ عدة أسابيع، ولا أحد من المرشحين أشار في برنامجه الدعائي لأزمة تذبذب الإنتاج الغذائي والارتفاع المشط للأسعار.

المتابع لخطابات المرشحين لشغل قصر المرادية خلال السنوات الخمس القادمة، لم يلحظ برامج انتخابية وسياسية تليق بمتنافسين على كرسي الرئاسة، بل عاين وعوداً وشعارات تعوّد عليها في حملات الانتخابات التشريعية والمحلية، خاصة أن البعض منهم لازمته عقدة الدعاية للحزب أكثر منها الدعاية لبرنامج سيشمل كل الجزائر والجزائريين، بمن فيهم الأنصار والخصوم، المنتخبون والمقاطعون وحتى الصامتون.

منذ عقود مضت دبت أزمة ثقة عميقة بين الرئيس والمرؤوس في الجزائر، وتراجع بريق العمل السياسي والانتخابي إلى مستويات غير مسبوقة لأسباب مختلفة وتراكمات موروثة، لكن لا أحد كشف أو زعم أنه يملك خارطة طريق تعيد الناخب الجزائري إلى صناديق الاقتراع كما كان حتى زمن الحزب الواحد قبل نهاية ثمانينات القرن الماضي.

وفي كل مرة تعمد السلطة إلى حشد الإمكانيات المادية والبشرية والدعائية لاستمالة الناخب، حتى أن حملة المرشحين تحولت خلال الأيام الأخيرة من فضاء للدعاية الذاتية إلى مناسبة لحث الجزائريين على المشاركة الواسعة في الانتخاب، وهو طلب تكرر عدة مرات، لكن الردود كانت مخيبة، مما يوحي بأن المخبر السياسي لم يعثر بعد على الخلطة السحرية، أو أنه يتجاهلها خوفاً على نفسه، لأن أيّ انخراط شعبي في أيّ استحقاق سياسي سيفضي إلى تغيير حتمي، وذلك لا يتأتّى إلا بتوفر ضمانات يبدو أنها غير متاحة حالياً.

◄ خطاب توزيع الريع لا زال يتحكم في توجهات المتنافسين على الرئاسة الجزائرية، حتى في ظل الحاجة الماسة إلى تغيير النمط الاقتصادي للبلاد لحمايتها من تقلبات أسعار الطاقة

وحتى إن بدا أن الاستحقاق الرئاسي يجري تحت ضغوط أمنية، بعد كشف المصالح الأمنية عمّا أسمته بـ”مخططات لتخريب الانتخابات الرئاسية وبث الفوضى وعدم الاستقرار”، من خلال الكشف عن مساعي “الماكيين” الانفصاليين، و”النجم الساطع”، و”شبكة تجسس مغربية”، كل ذلك من أجل إفساد العرس الديمقراطي، فإن عدم تحمس الشارع للانتخابات برمتها، جعله يعلق بالقول “ما دامت الانتخابات محسومة لصالح مرشح معين، حسب مؤيديه، فلماذا تضييع كل هذا الجهد والوقت والمال في استحقاق شكلي”.

غابت البرامج الرئاسية وغاب التنافس الشديد بين المرشحين، وغابت حماسة الناخب، لكن حضر التهريج السياسي والخطاب المنفر، وتلك هي النيران الصديقة التي تهدد الاستحقاق قبل أن تهدده أصوات المقاطعة المكتومة، فما قام به بعض السياسيين يكفي للطلاق البائن بين الجزائريين والانتخابات، لأن أداء دور المهرج يمكن أن يكون ناجحاً لإسعاد الأطفال، لكنه لا يمكن أن يستغفل أو يستغبي شعباً ويقوده كقطيع إلى حيث يشاء.

من يعرف الشخصية الجزائرية، يؤكد أن الشعبوية لا يمكن أن تصنع لنفسها مكاناً بدل الصراحة والواقعية، فالناخب كان ينتظر حلولاً وبرامج لأزمات متراكمة ومتشابكة تبدأ من خطة نهضوية واضحة وشاملة، يمكن من خلالها كسب صبر الجزائريين شريطة ألا تكذب عليهم أو تخادعهم، وتضعهم أمام الحقائق كما هي بدل أن ترسم لهم صوراً مزيفة.

8