شيوخ الطرب في تونس

اسألوا اليوم نجوم الغناء والطرب في العالم العربي عن أفضل جمهور سمّيع، سيكون الجواب دون تردد: أهل تونس.
الجمعة 2024/08/30
لطفي بوشناق أحد نجوم تونس والعرب الكبار

مهرجان قرطاج لم يبدأ عام 1964. بدأ قبل هذا التاريخ بزمن طويل، في وقت مّا من القرن الثاني قبل الميلاد، في عهد الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر. ومنذ ذلك الوقت ظل المسرح مكانًا تُقدَّم فيه العروض المسرحية والموسيقية والفلسفية.

الحديث عن الفنانين الذين اعتلوا مسرح قرطاج ليس هو الجانب المهم من القصة. الأكثر أهمية هو الحديث عن الجمهور التونسي، عن "سمّيعة تونس".

بالطبع، كلمة "سمّيعة" طالما استخدمت لوصف جمهور الطرب في مدينة حلب السورية. وقصة محمد عبدالوهاب مع حلب مشهورة؛ في أول زيارة له إلى المدينة، وكان ذلك عام 1951، في موعد مُتّفق عليه مع متعهد لحفلتين يومي (الخميس والأحد). في السهرة الأولى حضر أربعون رجلًا من أهل الطرابيش، جالسين على كراس عتيقة من القش. وهنا استغرب عبدالوهاب من قلة الحضور، وعندما تساءل عن السر في ذلك أجابوه: هؤلاء شيوخ السمّيعة الذين سيقررون منحك صك النجاح والغناء على المسرح في اليوم الثاني.

لا جدال أن المدينة التي منحت للفن أسماء مثل صباح فخري، وأديب الدايخ، ومحمد خيري، ونور مهنا، تستحق أن يطلق العملاق محمد عبدالوهاب على أهلها لقب "السمّيعة".

بعيدًا عن المشرق وعن حلب، في المغرب العربي توجد بلاد لا تقل عن حلب أهمية، إن لم تكن تفوقت عليها مكانة، يستحق أهلها لقب "سمّيعة". إنها تونس.. وبالتحديد قرطاج التي دأبت على منح صكوك النجاح للفنانين العرب منذ 60 عامًا.

الفرق بين حلب وقرطاج؛ في الأولى كان هناك 40 شيخَ موسيقى يمنحون الصك للمطرب. وفي الثانية جمهور قرطاج هو من يمنح صك النجاح والغناء.

اسألوا اليوم نجوم الغناء والطرب في العالم العربي عن أفضل جمهور سمّيع، سيكون الجواب دون تردد: أهل تونس.

كنت محظوظًا عندما أتيحت لي فرصة حضور حفلات لنجوم كبار على مسرح قرطاج، وتابعت عن قرب تفاعل الجمهور التونسي معهم. إنها تجربة لا يشعر برهبتها إلا من عاشها.

التونسيون، كما أهل حلب، ليسوا سمّيعة فقط، لقد قدموا لفن الغناء العربي مجموعة كبيرة من أهم الأسماء. لا نتحدث عن أسماء صنعت نجوميتها بعيدًا عن تونس، مثل صابر الرباعي، ولطفي بوشناق، ولطيفة، والرائعة الراحلة ذكرى. بل نتحدث عن أسماء لم تكن محظوظة، عاشت في عصر لم تكن قد وجدت فيه بعد وسائل الاتصال المتاحة اليوم، أمثال: مطربة تونس الأولى وصاحبة أغنية "يا خاينة"، صلحية، وصاحب "تحت الياسمينة في الليل" و"لاموني اللي غاروا مني"، الهادي الجويني، وعلي الرياحي، ومحمد الجموسي، والصادق ثريا وعلي الحطاب.

من الأسماء أيضًا عُليّة، التي بدأت مشوارها الفني في سن الرابعة عشرة. ذكرتها في آخر القائمة عمدًا، لأتحدث عن اسم جديد لمطربة بدأت مشوارها الفني هي الأخرى في الرابعة عشرة من خلال برنامج مواهب، لترى نفسها وهي في العشرين واقفة على مسرح قرطاج، وكان عدد الحضور متواضعًا، الأمر الذي أحزنها.

لهذه الفتاة أقول: العدد المتواضع الذي حضر الحفل هم شيوخ الطرب في تونس، هم من سيمنحونك صك النجاح. القرار لهم وحدهم في أن يسجل اسم "نور قمر" في قائمة نجوم تونس والعرب الكبار.. العرض مازال مستمرًا.

18