حرب مفتوحة بين الفرقاء الليبيين دون صدام عسكري

يتفاقم الصراع على عائدات النفط في ليبيا وبات أشبه بحرب مفتوحة يضع فيها كل طرف يده على ما يستطيع الوصول إليه مع تجنب الصدام العسكري المباشر.
وتوقفت الاثنين خدمات مصرف ليبيا المركزي، في ما أعلنت حكومة أسامة حماد المدعومة من قبل قائد الجيش المشير خليفة حفتر عن غلق الحقول والموانئ النفطية في شرق البلاد وجنوبها ووسطها.
ويدور صراع منذ سنوات على الثروة زادت وتيرته مؤخرا مع محاولات لإقالة محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير بعد أن ضيق النفقات على السلطات في طرابلس (المجلس الرئاسي وحكومة عبدالحميد الدبيبة).
في المقابل يدعم مجلس النواب، ومن ورائه الحكومة المنبثقة عنه والقيادة العامة للجيش، خصمهم السابق الصديق الكبير ويرفضون تعيين محافظ ومجلس إدارة جديدين للمصرف من خارج دائرة الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري.
وتعيش العاصمة طرابلس على صفيح ساخن مع ظهور نذر المواجهات المسلحة بين القوى الميدانية ذات الولاءات المتناقضة، بالتزامن مع إعلان الكبير فرض القوة القاهرة على جميع خدمات المصرف المركزي داخل ليبيا وخارجها، ومع اعتذار المصرف عن تقديم خدماته مؤقتا بسبب الظروف الاستثنائية القاهرة التي تحول حاليا دون مواصلته لنشاطه المعتاد.
وفي 18 أغسطس الجاري، أعلن المجلس الرئاسي الليبي قرراه بالإجماع تعيين محمد الشكري محافظا جديدا لمصرف ليبيا المركزي وإعادة هيكلة مجلس إدارة المصرف.
وأكد مجلس الإدارة الجديد الالتزام بالإجراءات المطلوبة لضمان عملية انتقال سلسة، وتجاوز كل محاولات التشويش التي سعت الإدارة السابقة إلى افتعالها، مشددا على الالتزام الكامل بالأولويات والتعهدات التي أعلنها في بيانه الأول والسعي لإنقاذ الاقتصاد، ومعالجة آثار الأزمات المفتعلة التي تحمّل المواطن عبئها.
واتسعت دائرة الأزمة بالإعلان عن قيام عناصر مسلحة مجهولة بخطف مدير مكتب محافظ مصرف ليبيا المركزي راسم النجار وثلاثة موظفين بالمصرف، وبظهور حالة احتقان بين الجماعات المسلحة في طرابلس ومصراتة والزاوية، واستمرار إغلاق معبر رأس جدير الحدودي مع تونس من قبل ميليشيات محلية.
وأعلنت الحكومة المكلفة من مجلس النواب حالة “القوة القاهرة” على جميع الحقول والموانئ والمؤسسات والمرافق النفطية، وإيقاف إنتاج النفط وتصديره إلى حين إشعار آخر.
وقالت الحكومة في بيان مصور تلاه رئيسها أسامة حماد “إن هذا القرار جاء رداً على الاعتداءات على قيادات وموظفي وإدارات مصرف ليبيا المركزي من قبل مجموعات خارجة عن القانون وبتحريض ومساعدة من المجلس الرئاسي منتحل الصفة”.
واعتبرت الحكومة التابعة للجيش الذي يبسط نفوذه على شرق البلاد وجنوبها ووسطها، أن قرارها جاء من واقع المسؤولية القانونية والاجتماعية الملقاة على عاتق الحكومة الليبية في حفظ المال العام وصيانته، والحفاظ على قوت الليبيين وأموالهم واحتياطاتهم لدى مصرف ليبيا المركزي، وما سيتم تحصيله من إيرادات النفط من الوقوع تحت تصرف ثلة خارجة عن الشرعية، وتستهدف الاستحواذ عليها وتبذيرها.
وقالت شركة الواحة للنفط التابعة للمؤسسة الوطنية للنفط إنها تعتزم خفض الإنتاج تدريجيا وحذرت من توقف الإنتاج تماما.
وجاء في بيان للشركة على موقعها على الإنترنت “تحذر شركة الواحة للنفط من أن استمرار الاحتجاجات والضغوط سيؤدي إلى إيقاف إنتاج النفط، وأن الشركة ستبدأ في التخفيض التدريجي للإنتاج وتطالب الجهات المختصة بالتدخل للمحافظة على استمرار إنتاج النفط”.
وقالت شركة سرت للنفط، التابعة أيضا للمؤسسة الوطنية للنفط، إنها ستخفض الإنتاج أيضا. وأضافت في بيان على الموقع الرسمي للشركة “نتيجة استمرار الاحتجاجات والضغوط التي تطالب بإيقاف إنتاج النفط فإن شركة سرت لإنتاج وتصنيع النفط والغاز ستبدأ في التخفيض التدريجي للإنتاج وتطالب الجهات المختصة بالتدخل للمحافظة على استمرار إنتاج النفط”.
وتقع معظم حقول النفط تحت سيطرة القائد العسكري خليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي).
وإذا توقف الإنتاج في الشرق، فسيصبح حقل الفيل في جنوب غرب ليبيا هو الوحيد الذي يعمل في البلاد وتبلغ طاقته الإنتاجية 130 ألف برميل يوميا.
وارتفعت أسعار النفط نحو 3 في المئة، خلال تعاملات الاثنين، بعد تقارير عن وقف شبه كامل للإنتاج في ليبيا، مما أضاف إلى مكاسب سابقة نتيجة مخاوف من أن يؤدي تصعيد الوضع في الشرق الأوسط إلى اضطراب إمدادات النفط من المنطقة.
وقبل ذلك، استنكر مجلس النواب الليبي ما حدث صباح الأحد من محاولات لاقتحام المقر الرئيسي لمصرف ليبيا المركزي في العاصمة طرابلس بالقوة بموجب قرارات ولجان من جهات فاقدة للشرعية وغير ذات علاقة وفقًا للقانون بتعيين أو إعفاء محافظ مصرف ليبيا المركزي أو نائبه أو مجلس إدارته.
وأشار المجلس إلى ما أقره في جلسته الرسمية يوم الثلاثاء الماضي، وقراره رقم 7 لعام 2024 بشأن إلغاء قراره رقم 3 لعام 2018 في شأن تعيين محمد عبدالسلام الشكري محافظا لمصرف ليبيا المركزي، واعتماد قرار هيئة رئاسة المجلس رقم 12 لعام 2024 بشأن استمرار الصديق عمر الكبير محافظًا لمصرف ليبيا المركزي ومرعي مفتاح البرعصي نائبًا للمحافظ.
وحمّل المجلس اللجان والجهات كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية أمام الشعب الليبي والمجتمع الدولي عن مثل هذه الأعمال الخارجة عن القانون وما يترتب عليها من أضرار على المواطن الليبي واقتصاد البلاد، داعيا النائب العام إلى التحقيق وبشكل عاجل في هذا الاعتداء وإحالة المسؤولين عنه إلى العدالة.