معركة المركزي تتفاقم في ليبيا: قفزة الرئاسي تصطدم برفض مجلسي النواب والدولة

المجلس الرئاسي يعين محافظا جديدا لضمان استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية.
الثلاثاء 2024/08/20
أزمة ستؤثر على الوضعين المالي والسياسي

يجسّد قرار تعيين محافظ جديد وإعادة تشكيل مجلس إدارة المصرف المركزي في ليبيا من ثمانية أعضاء، أحد أوجه المعارك السياسية الجديدة في البلاد بين مجلسي النواب والدولة من جهة والرئاسي في العاصمة طرابلس من جهة أخرى، وسط تحذيرات من تفاقم الأزمة نحو الأسوأ، فضلا عن ارتداداتها السلبية على الوضعين المالي والاقتصادي في ليبيا.

طرابلس - تعتبر معركة المصرف المركزي أحدث معارك ليبيا التي ينتظر أن تكون لها تداعياتها المتعددة والمختلفة في ظل الصراع المتنامي بين مجلسي النواب في بنغازي والرئاسي في طرابلس، وما يمكن أن يتمخض عنه خلال الأيام القادمة من تطورات.

وترى أوساط ليبية أن قرار تعيين محافظ جديد وإعادة تشكيل مجلس إدارة مصرف ليبيا يمثل قفزة في الهواء، ورد فعل غير محسوب على قرار مجلس النواب بإسناد صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة لرئيسه عقيلة صالح بدلا من الرئاسي مجتمعا، وتضيف أن الإطاحة بالصديق الكبير لا يجد غطاء سياسيا أو دستوريا أو أي دعم من أي طرف داخلي أو خارجي باستثناء رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة.

وتضمن قرار المجلس الرئاسي بإعادة تشكيل مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي ثمانية أعضاء بينهم نائبان للمحافظ الجديد محمد عبدالسلام الشكري هما مرعي مفتاح البرعصي وعبدالفتاح الصغير عبدالغفار، وعضوية كل من “وكيل وزارة المالية وفتحي عبدالحفيظ المجبري وأبوبكر محمد الجفال وفاخر مفتاح بوفرنة ووسام الساعدي الكيلاني وحسين مصطفى مادي الشيخ”.

عقيلة صالح: تعيين محافظ جديد للمصرف سيتسبب في تجميد الأرصدة الليبية
عقيلة صالح: تعيين محافظ جديد للمصرف سيتسبب في تجميد الأرصدة الليبية

وصدر قرار أول في الثاني عشر من أغسطس الجاري وهو الخاص بتسمية محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي بدلا عن الحالي، بينما كان مجلس النواب ألغى الجمعة الماضي قراره الصادر قبل ست سنوات بتعيين الشكري محافظا مقابل تثبيت الصديق الكبير في المنصب.

واستند الرئاسي في ذلك إلى قرار سابق صدر عن مجلس النواب هو القرار رقم 3 الصادر في يناير 2018 بتكليف محمد عبدالسلام الشكري محافظا لمصرف ليبيا المركزي، حيث كان شكري أدى بالفعل اليمين القانونية أمام 50 نائبا خلال الجلسة المنعقدة في طبرق بعد انتخابه لهذا المنصب.

أما القرار الثاني الخاص بتشكيل مجلس الإدارة الجديد للمصرف، فينص على أن يمارس المجلس الجديد مهامه إلى حين التوافق على مجلس إدارة وفق خارطة الطريق للحل الشامل واتفاق بوزنيقة، ويلتزم المجلس بالنظم والتشريعات النافذة ذات العلاقة وتنفيذ الترتيبات المالية الطارئة والمؤقتة.

وأعلن المجلس الرئاسي الأحد اتخاذه قرارا بالإجماع بشأن انتخاب محافظ جديد للمصرف المركزي وتشكيل مجلس إدارة جديد، وقال إن هذه الخطوة تهدف إلى “ضمان استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية في البلاد”، معتبرا أن هذه التغييرات “تأتي لتعزيز قدرة المصرف المركزي على القيام بمهامه بكفاءة وفعالية، بما يضمن استمرارية تقديم الخدمات المالية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي”.

وعقد محافظ المصرف الصديق الكبير بمكتبه اجتماعا موسعا مع عدد من مدراء إدارات مصرف ليبيا المركزي وذلك لمتابعة سير عمل إدارات المصرف المركزي، وعودة منظوماته إلى العمل، بعد الإفراج عن المهندس مصعب مسلم مدير إدارة تقنية المعلومات بعد ساعات على اختطافه صباح الأحد.

ويتساءل مراقبون عما سيكون مصير القرار الصادر عن المجلس الرئاسي والذي لا يحظى بأي دعم داخلي أو خارجي، ويمكن أن تكون له ارتدادات سلبية على الوضع المالي والاقتصادي في البلاد، كنتيجة لما يصفه البعض بمحاولة فرض السلطة التنفيذية في طرابلس نفوذها الكامل على مصرف ليبيا المركزي مقابل سيطرة سلطات المنطقة الشرقية على مصادر الثروة من حقول وموانئ نفطية.

قرار تعيين محافظ جديد وإعادة تشكيل مجلس إدارة مصرف ليبيا يمثل قفزة في الهواء

وأكد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أن “اختصاصات المجلس الرئاسي محددة حصرا، وأن تشكيل المناصب السيادية يكون بالاتفاق بين مجلسي النواب والدولة”.

وأضاف صالح خلال جلسة مجلس النواب الاثنين أن “خطوة الرئاسي بشأن تغيير محافظ مصرف ليبيا المركزي يمكن أن تكون سببا في تجميد الأرصدة الليبية، وانهيار العملة المحلية”، مشيرا إلى أنه “ليس من اختصاص المجلس الرئاسي تعيين أو إقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي”، مردفا أن “كل ذلك أمر مرفوض، باعتباره مجلسا منتهي الولاية”.

وتابع صالح “نذكر بأننا قررنا في الجلسة السابقة انتهاء السلطة التنفيذية، ونعتبرها فاشلة ويمكن تبديلها”، لافتا إلى أن “مجلس النواب لم يلغ الاتفاق السياسي”، ومشددا على أن “البلاد تحتاج إلى سلطة تنفيذية توحدها وتجري الانتخابات”.

واعتبر صالح أن “العبث والتغيير الذي يقوم به المجلس الرئاسي حاليا في ما يخص مصرف ليبيا المركزي، قد يؤثر على إيرادات النفط، ويؤدي إلى المزيد من انهيار العملة الليبية”، وتابع أن “العبث بهذه المؤسسة خطير وله تداعيات أخطر، وأن القرار الصادر عن المجلس الرئاسي ضار بالشعب الليبي، ولا يمكن القبول به”.

وفي السياق، أكد مجلس الدولة استمرار الكبير محافظا لمصرف ليبيا المركزي إلى حين البت في المناصب السيادية، معتبرا قرار المجلس الرئاسي تسمية محمد عبدالسلام الشكري محافظا جديدا قرارا “منعدما ولا قيمة له ولا يعتد به”.

الوضع المالي والاقتصادي الهش مرشح للمزيد من الانهيار نتيجة المغامرات غير محسوبة العواقب التي يتخذها المجلس الرئاسي أو مجلس النواب

واستند مجلس الدولة في موقفه إلى أحكام الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي والتفاهمات السياسية بين مجلسي النواب والدولة في أبوزنيقة وقرارات مجلس الأمن الدولي.

ورفض المجلس اعتماد المجلس الرئاسي على قرار مجلس النواب رقم 3 للعام 2018 في تسمية الشكري، “لمخالفته المادة 15 من الاتفاق السياسي الليبي، حيث لم يكن هناك توافق بين المجلسين لتعيين محافظ المصرف المركزي، وكذلك رفضته في حينه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لذات السبب”.

ورأى مجلس الدولة أن المادة 15 من الاتفاق السياسي تنص على أن صلاحية البت في المناصب القيادية للوظائف السيادية والتي منها محافظ مصرف ليبيا المركزي، من حيث الإعفاء والتعيين، تكون بالتوافق بين مجلسي النواب والدولة، ولا علاقة للمجلس الرئاسي بها، وأضاف أن أحكام المادة الثانية من مخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي نصت على اختصاصات المجلس الرئاسي في الشؤون التنفيذية ومنحته بشكل حصري تعيين وإقالة شاغلي مناصب “رئيس جهاز المخابرات، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للمصالحة، وباقي رؤساء الأجهزة التابعة لرئاسة الدولة وفق التشريعات النافذة”.

وأدان حراك السابع عشر من فبراير للإصلاح ومقاومة الفساد، اختطاف مدير إدارة التقنية بالمصرف المركزي وتهديد حياته، وحمل الرئاسي مسؤولية أي اختلال أمني في طرابلس ما قد يؤدي إلى نشوب أي حرب، وأعلن في بيان وقوفه مع مجلس إدارة المصرف لاتخاذ جميع الإجراءات القانونية لحماية أموال الليبيين، داعيا النائب العام لتقديم الجناة إلى العدالة.

ورفض حراك السابع عشر من فبراير للإصلاح ومقاومة الفساد، التحركات العسكرية الأخيرة ومحاولة أطراف جر العاصمة إلى حرب وفرض الواقع بقوة السلاح، وأبرز أن الأولى توجيه هذه الأرتال المسلحة لفرض الأمن في المناطق التي أصبحت خارج سيطرة الدولة بسبب جرائم القتل والسطو والتهريب، بدل توجيه السلاح في وجه المؤسسات السيادية، داعيا الرئاسي إلى الدفع بجميع الأطراف نحو الالتزام بروح الحوار والتفاهم لتفادي نشوب أي حرب.

كما طالب الحراك مجلسي النواب والدولة والبعثة الأممية والمجتمع الدولي بتحمل مسؤولياتهم التاريخية للحفاظ على استقرار المؤسسات السيادية وعدم تهديدها باعتبارها تخدم جميع الليبيين.

وتحدثت وكالة بلومبيرغ الأميركية عن “مواجهة سياسية جديدة” في ليبيا يجري التمهيد لها بعد إعلان المجلس الرئاسي استبدال محافظ مصرف ليبيا المركزي ومجلس الإدارة، مشيرة إلى أن “قرار المجلس الرئاسي سيغذي التوترات في ليبيا، العضو في منظمة أوبك والتي لم تشهد سوى الفوضى لأكثر من عقد من الزمان”، وإلى “انقسام البلاد بين حكومتين متنافستين في شرق وغرب البلاد، مع تكرار اندلاع اشتباكات مسلحة، على الرغم من اتفاق الهدنة الموقع تحت رعاية الأمم المتحدة بالعام 2020”.

واعتبرت بلومبيرغ أن المصرف المركزي وقع “ضحية للتوترات السياسية المستمرة” في ليبيا، في ظل التنافس بين فرعي المصرف في طرابلس وبنغازي للسيطرة على الثروة النفطية للبلاد، حيث ورغم إعلان توحيد فرعي المصرف المركزي العام 2021، والذي نظرت إليه القوى الدولية على أنه “علامة فارقة في مسار المرحلة المضطربة في ليبيا”، إلا أنه “لم يجر إحراز سوى تقدم ضئيل في مسار تحقيق التوافق بين الحكومتين المتنافستين والمجموعات المسلحة الموالية لكل منها”.

ويرى محللون محليون أن الوضع المالي والاقتصادي الهش مرشح للمزيد من الانهيار نتيجة المغامرات غير محسوبة العواقب التي يتخذها المجلس الرئاسي أو مجلس النواب في سياق سياسة لي الذراع المعتمدة من الطرفين في سياق معركة مصالح وصلاحيات مرشحة للاتساع أكثر، لاسيما أن هناك قوى عدة تدفع بالرئاسي إلى التجرؤ وإصدار قرار بحل مجلسي النواب والدولة بما يفاقم الأزمة أكثر ويقطع الطريق أمام محاولات العمل على تجاوز النزاع.

 

اقرأ أيضاً:

4