سامي سعدالله لـ"العرب": اشتغلت في "بوريوس" على الفضاء الفارغ وسيكولوجية البشر

دراما تغوص في أعماق النفس البشرية والمبادئ المتضادة.
الثلاثاء 2024/08/20
مخرج يركز على الممثل وأبعاده الشخصية

حازت فرقة الدمليج للثقافات والفن عن مسرحية "بوريوس"، في إطار فعاليات مهرجان الفنون الدرامية للشباب المنظم من طرف مقاطعة الفداء بالدار البيضاء، على جائزتي أحسن إخراج وأحسن سينوغرافيا لسامي سعدالله الذي يشرح لـ"العرب" موضوع العمل وتقنياته الخاصة في الإخراج وتجربته التي امتدت لسنوات.

الرباط- شرعت فرقة الدمليج للثقافات والفن خلال شهر أغسطس الجاري في عرض عملها المسرحي “بوريوس” للمخرج المغربي سامي سعدالله بمدينة الدار البيضاء.

تعتبر المسرحية عملا سيكولوجيا دراميا يهتم بجوانب النفس البشرية، وتعكس حقيقة الأحاسيس والمشاعر من خلال مسار رحلة بحث لشخصين، تتخللها حكاية سفر روحي تتمازج فيه الأضداد بين النور والظلام، الحقيقة والخيال، الخير والشر.

العمل من سينوغرافيا وإخراج سامي سعدالله، وتأليف عبدالمجيد سعدالله، وتشخيص كل من سامي سعدالله ومحمد بنان وزكرياء حسن، ومساعد المخرج أيوب بنهباش، وتصميم الإضاءة وموسيقى العرض توفيق بلخضر، وتقني الإضاءة إلياس موتان، والمحافظة العامة المهدي لدري، وملابس وإكسسوار جميلة مصلوحي، والتوثيق وإدارة الخشبة سعيد بعيش، والإعلام والتواصل ياسمينة الشريبي.

بوكس

وفي هذا السياق يقول الممثل والمخرج المغربي سامي سعدالله لـ “العرب” إن المسرحية “تعالج قضية المرض العقلي، حيث أسعى من خلالها إلى تسليط الضوء على المعاناة التي يواجهها أصحاب الأمراض العقلية. كما تتطرق المسرحية في الوقت نفسه إلى العديد من المواضيع الاجتماعية والإنسانية مثل الحب والخيانة والكراهية، انطلاقا من الشخصية الرئيسية التي تدور حولها القصة وهي شخص ثوري يرغب في تغيير الكثير من الأمور في قبيلته، لكن شيخ القبيلة يمنعه من ذلك. فالرسالة التي أود إيصالها هي أن المبادئ الإنسانية لا تتغير، فهي ثابتة في الحب والكراهية والخيانة والصداقة والمعاناة وغيرها من القيم، كما أحاول من خلال هذه المسرحية أن أطرح تساؤلاً على الجمهور: هل مازالت المبادئ الإنسانية قائمة كما كانت في السابق أم أنها تغيرت؟”.

ويوضح “أما تصوري الإخراجي في هذه المسرحية فهو ينبثق من تجاربي المسرحية السابقة، بدءا من  مسرحية ‘طلاميس’ الأولى التي قمت بإخراجها دون إدراك كامل للتوجه الذي كنت أسلكه، فاشتغلت بعدها على تطوير تقنية العمل على الفضاء الفارغ ثم انتقلت إلى الروحانيات والتحليل النفسي، فبدأت أطور تجربتي خاصة بعد إخراجي لمسرحية ‘المجذوبية’، وتلتها مسرحية ‘طار لفريغ’، وأخيرًا ‘بوريوس’، وهذه المسرحية تجسد تصورات إخراجيّة مستمدة من جميع تجاربي السابقة تقريبًا، بدءًا من مركزية الممثل وأبعاده الشخصية، مع الاعتماد على ما هو روحاني مستمد من الموروث الثقافي المغربي، كالحضرة وطقوس عيساوة والسادات وغيرها”.

ويضيف “كما أحب الاشتغال على الثنائيات المتضادة مثل النور والظلام والحقيقة والخيال في الإخراج، فعادة أحاول العمل على التناقضات مثل الحب والخيانة والطلاق، ثم الاحتكاك بين المبدأين المتضادين، فعلى سبيل المثال نحن نبدأ المسرحية بإظهار الخيانة كمبدأ سائد في الحياة، ولكن عندما نتعمق نجد صراعًا بين الحب والكراهية، ما يحدث تشويشا ويضفي جمالا على مستوى الخيال، وهذا يظهر بشكل واضح في تموضع الشخصيات وتفاعلاتها”.

وفي حديث عن العراقيل التي واجهها خلال عملية الإخراج وكيف تغلب عليها، يقول المخرج المغربي “واجهت العديد من التحديات، من بينها وفاة الفنان الشاب محمد قابة الذي كان من المقرر أن يلعب الدور الرئيسي، حيث أن هذه الخسارة شكلت صدمة للفريق وتوقفنا عن العمل لفترة، ثم استأنفنا المشروع مع الفنان محمد بنان. كما واجهنا الكثير من العراقيل المادية والزمنية، لكننا تغلبنا عليها بفضل جهود الجميع وتمكنا من إنجاز هذا العمل، والشكر موصول لكل أعضاء الفريق التقني والفني”.

ويتابع “أما السينوغرافيا والتصميم الفني لرؤيتي للمسرحية فهما يعتمدان أساسًا على الفضاء الفارغ في مسرحية ‘بوريوس’، حيث لا يوجد ديكور فعلي، بل يتم الاعتماد على الإضاءة لتحديد الأزمنة والأمكنة، والموسيقى لتكملة الجو العام. وفي الحقيقة كان هناك خلاف حول بعض الجوانب التقنية لكن في النهاية تمكنا من التوصل إلى توافق بين رؤية المخرج والتصور الفني والتقني للنص”.

ويوضح سعدالله أن “لكل شخص دورا هاما، فتوفيق بلخضر ساهم بشكل كبير في موسيقى المسرحية وهو دور مهم جدًا، وأنا أشكر كل من أضاف لمسته الفنية في مسرحية ‘بوريوس’، وبالنسبة إلى أيوب بنهباش فهو مساعد المخرج واشتغل معي في أربع مسرحيات سابقة، ما جعله جزءًا لا يتجزأ من نجاح العرض، إذ أن كل لحظة في المسرحية تحمل تأثيرًا سواء من الجانب العاطفي أو الإنساني، خاصة أنني ممثل أيضًا في العمل، وهذا يخلق انطباعات إنسانية بيني وبين الفريق الفني والتقني، إذ أن هذه اللحظات لا تُنسى أبدًا، وخصوصًا لحظة وفاة محمد قابة الذي شارك معنا قبل وفاته بفترة قصيرة، حيث كانت ردود الفعل جميلة جدًا، إذ أن الجمهور في البداية كان مركزًا على الأحاسيس واللحظات الإنسانية، وبعد انتهاء المسرحية كانت هناك تصفيقات لكنها محملة بتساؤلات حول طريقة التناول التي أفصحت عن ردود الفعل التي كنت أتمنى حدوثها”.

◄ هذه المسرحية تجسد تصورات إخراجيّة مستمدة من تجارب المخرج السابقة، بدءًا من مركزية الممثل وأبعاده الشخصية
هذه المسرحية تجسد تصورات إخراجيّة مستمدة من تجارب المخرج السابقة، بدءًا من مركزية الممثل وأبعاده الشخصية

ويرى المخرج المغربي أن “المسرح يتطلب الكثير من الصبر، ويجب أن نسامح ونمضي قدمًا، لأن هذه الأعمال الفنية ليست سوى جزء من مجال ضيق لا يسمح بالخلافات، بينما المهنية مطلوبة دائمًا، وتُعتبر السيكولوجيا من الأساسيات في المسرحية، حيث تبنيت التوجه النفسي المستوحى من اللاشعور الخاص بي لإخراج مسرحية ‘بوريوس'”.

وتجدر الإشارة إلى أن المسرحيات التي تتناول التحليل النفسي للشخصيات تعتبر من أبرز الأعمال الفنية التي تسهم في تعميق فهمنا للطبيعة البشرية، فالمسرح لا يقتصر على كونه وسيلة للترفيه، بل يمثل أداة قوية لاستكشاف أعماق النفس البشرية وفهم صراعاتها الداخلية، ومن خلال تقديم شخصيات معقدة تعيش صراعات نفسية واجتماعية، تسهم هذه المسرحيات في الكشف عن الجوانب الخفية من الذات الإنسانية وتقدم رؤى جديدة حول التحديات النفسية التي يواجهها الأفراد.

ويتيح هذا النوع من المسرحيات للمتفرج فرصة لاكتشاف وفهم جوانب من نفسه ومن حوله، وهو ما يساعد على التعامل مع الصراعات الداخلية بشكل أفضل. كما أن تحليل الشخصيات المسرحية المعقدة يوفر مجالا لاستكشاف تأثير العوامل النفسية والاجتماعية على تصرفات الإنسان، ما يساهم في تشكيل هوية الفرد وفهم أزماته النفسية.

وتتشابك الصراعات النفسية غالبا مع الصراعات الاجتماعية في هذه المسرحيات، الأمر الذي يعزز الوعي بأهمية الظروف المحيطة بتشكيل الحالة النفسية للأفراد، إذ تساهم هذه المسرحيات في تعزيز التعاطف من خلال تقديم تجارب معقدة لشخصيات تعاني من صراعات نفسية، ما يساعد المتفرج على تطوير فهم أعمق للأشخاص من حوله.

وتسهم المسرحيات التي تتناول التحليل النفسي في تنمية الوعي النقدي لدى المتفرج، حيث تعزز قدرته على تقييم سلوكياته وسلوكيات الآخرين بشكل موضوعي. وبهذا الشكل يكون الاشتغال على مسرحيات ذات طابع تحليلي نفسي من المجالات الغنية التي تدعم فهمنا للنفس البشرية، وتساهم في تحسين التفاعلات الاجتماعية وتعزيز الوعي الثقافي والنفسي.

14