خارطة طريق مغربية لامتصاص البطالة من بوابة القطاع الخاص

التركيز على توفير فرص العمل في الأرياف مع مواكبة المشاريع الصغيرة والمتوسطة على امتداد عشر سنوات.
الأربعاء 2024/08/14
العمل ركن أساسي في التنمية

كشف المغرب عن خارطة طريق جديدة لإنعاش سوق العمل بهدف تقليص معدلات البطالة، التي بلغت مستوى قياسيا، نتيجة أسباب متعددة، مع زيادة زخم دور القطاع الخاص لمعالجة هذه المشكلة، وبالتالي دفع عجلات التنمية كما هو مخطط له.

الرباط- وضعت الحكومة المغربية خطة مرحلية على مدى الخمس والعشر سنوات المقبلة لزيادة التوظيف من بوابة تحفيز المشاريع الخاصة، ضمن إجراءات سيتم تفعيلها بموجب مشروع ميزانية 2025.

وستركز خارطة الطريق التي تم الإعلان عنها مؤخرا بالخصوص على دعم توفير فرص العمل في الأرياف، وإعادة هيكلة البرامج النشيطة للتشغيل، وتعزيز ومواكبة الشركات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة.

وأكد عزيز أخنوش حرص الحكومة على إرساء ركائز الدولة الاجتماعية، فهو مقترن بوعيها التام بأن هذا المجهود الكبير، وما يكلّفه من موارد مالية وبشرية لوجستية وتنظيمية، لا يمكن أن يحقق الأهداف دون توفير بيئة استثمارية تضمن النمو الاقتصادي المستدام. وتستهدف السلطات من وراء هذا الأمر تحقيق التوازن الإستراتيجي بين البعدين الاجتماعي والاقتصادي وفق المسار التنموي.

عزيز أخنوش: الحكومة حريصة على إرساء ركائز الدولة الاجتماعية
عزيز أخنوش: الحكومة حريصة على إرساء ركائز الدولة الاجتماعية

ومن هذا المنطلق، أكد أخنوش أن مشروع قانون المالية لسنة 2025 يعتبر محطة أساسية لتكريس هذا التوجه، وذلك من خلال عمل الحكومة على تنفيذ خارطة طريق واضحة المعالم، تضع سوق العمل على رأس أولوياتها.

وقال إن “الخطة تنبني على تحليل شامل لمعطيات سوق العمل، وكل العناصر المرتبطة به بشكل مباشر، بما في ذلك آليات العرض والطلب والوساطة في التشغيل، وكذا التشريعات والإجراءات المتعلقة بالتوظيف”.

وأثّر الجفاف وتقلبات معدلات التضخم على الأنشطة المحدثة لفرص العمل، ما أدى إلى إفلاس عدد من الشركات، وفقدان الكثيرين لوظائفهم خاصة بقطاعي الفلاحة والصناعة. وحسب إحصائيات رسمية حول وضعية سوق العمل خلال النصف الأول من هذا العام، فقد ارتفع معدل البطالة إلى 13.1 في المئة، وبزيادة 0.7 نقطة مئوية على أساس سنوي.

وزاد حجم البطالة خلال الفترة بين أبريل ويونيو الماضيين، بواقع 90 ألف شخص، منها 48 ألفا في المدن و42 ألفا في الأرياف، ليبلغ إجمالي عدد العاطلين 1.63 مليون فرد، وفق مندوبية التخطيط.

وطرحت الأرقام الصادرة عن مندوبية التخطيط، حول ارتفاع معدل البطالة إلى 13.7 في المئة مجموعة من المخاوف كون أن شبح البطالة أضحى يهدد العديد من الشباب من جهة، ويتعارض مع تطلعات الحكومة التي تراهن على مكافحة هذه المعضلة بكل الطرق.

ورصد تقرير حديث للبنك المركزي أن البطالة لا تزال تُشكّل عقبة رئيسية أمام الاقتصاد المغربي، حيث وصلت نسبتها إلى 13 في المئة في عام 2023، وهو أعلى مستوى لها منذ عام 2001.

وأشار التقرير إلى أنه وعلى الرغم من الجهود الحكومية لتعزيز فرص العمل، إلا أن سوق العمل تقلص بنسبة 3.5 في المئة مقارنة بما كان عليه قبل جائحة كورونا.

ويرى خبراء أن الضرورة تقتضي تسريع وتيرة إطلاق المشاريع ودعم الاستثمار بعد أن فقدت قطاعات الزراعة والعقار العديد من فرص العمل نتيجة للمناخ والظروف الجوية الصعبة.

13.1

في المئة معدل البطالة في النصف الأول من 2024 بزيادة 0.7 في المئة بمقارنة سنوية

وشدّد المحلل الاقتصادي رشيد ساري في تصريح لـ”العرب” على أهمية توفير ديناميكية حقيقية للاستثمار وأن تكون هذه الاستثمارات منتجة، ذات قيمة مضافة وتوفر فرص عمل.

وأشار كذلك إلى تحدي توفير تمويلات للبرامج الاجتماعية التي تطلقها الدولة، خاصة الحماية الاجتماعية والدعم السكني للكثير من الناس.

وتقول الحكومة إنها ستواصل تفعيل الإجراءات التي جاءت بها خارطة الطريق الإستراتيجية 2023 – 2026 الخاصة بتطوير مناخ الأعمال، والتي تنضاف إلى الإنجازات المحققة في ما يتعلق بهذا المسار عبر تجويد منظومة الصفقات العمومية، والتمويل التعاوني.

ولفت أخنوش إلى حرص الحكومة على تفعيل التوجيهات الملكية الهادفة إلى تمكين المغرب من ميثاق تنافسي جديد للاستثمار، قادر على توليد فرص العمل وتحقيق قيمة مضافة عالية وتقليص الفوارق الاجتماعية، عبر تفعيل جزء من الإجراءات التنظيمية المؤطرة لعمليات الاستثمار.

وأوضح أنه سيتم التركيز ضمن خارطة الطريق الجديدة، على دعم النشاط الاقتصادي للنساء وضمان وُلوجهن إلى سوق العمل، لاسيما عبر الاشتغال على برامج تتعلق بتوفير دور الحضانة، وتعزيز وسائل النقل العام بالشراكة مع الجماعات المحلية.

وتتضمن الخارطة أيضا تطوير عملية التدريب المهني، بما يستجيب لمتطلبات سوق العمل، وذلك من خلال استكمال إنجاز مدن المهن والكفاءات وإطلاق أسلاك الدراسة في عدد منها.

رشيد ساري: من الضروري توفير ديناميكية حقيقية لنشاط الاستثمار
رشيد ساري: من الضروري توفير ديناميكية حقيقية لنشاط الاستثمار

وسيترافق ذلك مع إعادة النظر في كل اختصاصات التدريب وتطوير وسائلها، وإرساء إصلاحات هيكلية لتحسين حوكمة القطاع وفاعليته بشكل يتماشى مع احتياجات الشركات.

وفي إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، من المقرر أن تعزز السلطات معاهد التدريب الإستراتيجية على غرار السيارات والطيران والطاقة البديلة والنقل واللوجستيات، بمعاهد أخرى مثل مهن الصناعة الدوائية بالدار البيضاء، ومهن المياه والبيئة في فاس.

وتراهن الحكومة على مساهمة المشاريع الاستثمارية في الرفع من القيمة المضافة وتوفير وظائف مستقرة ولائقة، إلى جانب المشاريع الكبرى التي سيتم إطلاقها في قطاعات سكك الحديد والطيران والطاقة والماء والسياحة والزراعة والنقل الحضري.

وستكون هذه المشاريع في إطار استعدادات المغرب لاحتضان التظاهرات الكروية الكبيرة وفي مقدمتها كأس العالم 2030، وهي كلها مشاريع ستساهم في تعزيز ديناميكية نمو الاقتصاد خلال السنوات القادمة وتوفير المزيد من فرص العمل.

ويعتقد ساري أن تنفيذ أولويات الحكومة في الميزانية الجديدة تواجهه مجموعة من التحديات من بينها التطورات التي يعرفها السياق الدولي من توترات سياسية وغيرها، والإكراهات الداخلية.

وبحسب الخبير المغربي ترتبط هذه الإكراهات أساسا بالقطاع الزراعي، وضمان الأمن المائي والغذائي للمواطنين، إلى جانب أمن الطاقة بالاعتماد على الطاقات المتجددة.

ونوهت الحكومة بالديناميكية والوتيرة المتسارعة التي تعرفها المشاريع الاستثمارية المصادق عليها من قبل اللجنة الوطنية للاستثمارات.

وتظهر التقديرات أن 90 في المئة من هذه المشاريع قد شرعت فعليا في عمليات البناء والتهيئة، إضافة إلى التدفق غير المسبوق الذي عرفته الاستثمارات الأجنبية المباشرة على السوق المحلية.

11