حالة طوارئ غير معلنة في غرب ليبيا خوفا من تقدم الجيش للسيطرة على غدامس

رفعت القوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها من مستوى التأهب في جنوب غرب البلاد استعدادا لـ”هجوم محتمل” للجيش الليبي على مدينة غدامس الحدودية مع الجزائر.
تعيش منطقة غرب ليبيا حالة طوارئ غير معلنة نتيجة مخاوف يصفها مراقبون بالجدية من إمكانية تدهور الأوضاع الأمنية في أي وقت، بسبب رغبة فرقاء سياسيين في إعادة خلط الأوراق للحؤول دون أي تقدم في اتجاه بلورة حل للأزمة المتفاقمة منذ العام 2011.
وأعلنت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي التابعة للمنطقة الغربية عن رفع حالة الاستعداد لوحداتها العسكرية، فيما أكدت مصادر مطلعة أن معاون رئيس الأركان العامة صلاح النمروش أصدر تعليماته لكافة الوحدات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية برفع درجة الاستعداد والجاهزية القصوى، لصد أي هجوم محتمل.
ورغم أن المصادر لم تشر إلى أي مهام أو تقدم تفاصيل عن طبيعة الخطر، إلا أن تقارير إعلامية محلية رجحت إمكانية شن قوات الجيش التي يقودها المشير خليفة حفتر، هجوما على مدينة غدامس الواقعة على بعد 543 كيلومترا جنوب غرب العاصمة طرابلس، وذلك بهدف بسط نفوذها على معبر الدبداب الحدودي المشترك مع الجزائر. وهو ما يعزز سيطرتها على المنافذ البرية للبلاد، عدا تلك المشتركة مع تونس.
وذكرت أوساط ليبية أن تحركات للجيش الوطني سجلت بمنطقة الجنوب الغربي، وأن الهجوم على غدامس سيكون بالتزامن من محوري براك الشاطي والشويرف. وقالت “رئاسة أركان القوات البرية” التابعة للجيش الليبي والتي يتزعمها صدام حفتر، ابن المشير حفتر، إن التحركات تأتي ضمن خطة شاملة لتأمين الحدود الجنوبية.
وتحدثت الأوساط ذاتها عن وجود تحركات عسكرية غير مسبوقة في شمال غرب ليبيا من قبل القوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، وفي مناطق الجنوب الغربي من قبل قوات الجيش، وهو ما ينذر بإمكانية العودة بالبلاد إلى مربع المواجهات العسكرية المفتوحة على مختلف الاحتمالات.
وتعاني ليبيا من انقسامات منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011. وتدير شؤونها حكومتان: الأولى منتهية ولايتها في طرابلس (غرب) برئاسة عبدالحميد الدبيبة، والثانية في شرق البلاد وتحظى بدعم البرلمان والمشير خليفة حفتر. وشن حفتر هجوما واسعا في الفترة من أبريل 2019 إلى يونيو 2020 للسيطرة على طرابلس، لكنه فشل في تحقيق الهدف المنشود. وتم إيقافه على أطراف المدينة من قبل قوات حكومة الوحدة الوطنية المدعومة من تركيا، قبل انسحاب قواته بالكامل إلى الجفرة وسرت وسط ليبيا.
إلى ذلك، قال شهود عيون إن اشتباكات مسلحة اندلعت بين عناصر من زوارة، وقوات إنفاذ القانون، المكلفة بتأمين معبر رأس جدير، ما أدى إلى إغلاق طريق بوكماش المؤدية إلى المعبر، فيما تسعى السلطات الحكومية إلى تحرير أحد عناصرها الذي تم اختطافه من قبل مسلحي زوارة. وتتالت خلال الفترة الماضية الاشتباكات المسلحة بين قوات إنفاذ القانون ومقاتلين أمازيغ من ميليشيات زوارة، لاسيما بعد إعادة فتح معبر رأس جدير في الأول من يوليو الماضي بعد غلقه منذ منتصف مارس الماضي بسبب صراع النفوذ بين السلطات المركزية والقوى المحلية.
◙ معاون رئيس الأركان العامة صلاح النمروش أصدر تعليماته للوحدات التابعة لحكومة الوحدة برفع درجة الاستعداد لصد أي هجوم
ويرى متابعون أن غياب أي أفق لحل الأزمة السياسية يفسح المجال لأجندات هدامة تهدد ليبيا، مشيرين إلى أن الصراع المنتظر على غدامس، يتجاوز البعد المحلي إلى الإقليمي والدولي وهو في علاقة بصراع أشمل له ارتباط بالساحل الأفريقي. ويتزامن التوتر المتصاعد حول غدامس، بتحرك لحكومة الوحدة الوطنية لإعادة تأهيل مرافق معبر غدامس الحدودي، من أجل إعادة فتحه بين البلدين.
وأفادت وزارة الخارجية والتعاون الدولي التابعة لحكومة الوحدة، عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك الاثنين الماضي بأنه “عُقد الأحد بديوان وزارة الخارجية والتعاون الدولي، اجتماع تمت خلاله مراسم التوقيع على مشروع إعادة تأهيل مرافق معبر غدامس الحدودي بين وزارة المواصلات متمثلة في مدير إدارة وتشغيل المنافذ البرية، وبعثة المنظمة الدولية للهجرة، متمثلة في نائب رئيس البعثة بإشراف مدير إدارة المنظمات الدولية وبحضور المدير العام للمنفذ بوزارة المواصلات ومدير إدارة المنافذ بوزارة الداخلية وممثل عن بعثة الاتحاد الأوروبي المعتمد لدى ليبيا”.
ويرى مراقبون أن تحرك الجيش الليبي نحو غدامس سيضع المنطقة على حافة بركان حيث إن الجزائر ترفض أي تواجد لقوات حفتر في المنطقة الحدودية معها. وجددت السلطات الكندية تحذيرها لمواطنيها بتجنب السفر إلى ليبيا، وبررت موقفها بانعدام الأمن المستمر في ليبيا، بما في ذلك الصراع المسلح المستمر، وارتفاع خطر وقوع هجمات إرهابية، والوضع السياسي غير المتوقع ومعدل الجريمة المرتفع، حسب الموقع الرسمي للحكومة الكندية.
وأضافت الحكومة الكندية أنه “نظرا للتدهور الأخير في الوضع الأمني بالقرب من طرابلس، ينصح بالمغادرة عبر الوسائل التجارية بمجرد أن يصبح ذلك ممكنا وآمنا”، وقالت إن “هناك خطرا إرهابيا كبيرا في ليبيا، حيث يمكن أن تحدث الهجمات في أي وقت، ومن المرجح أن تقع هجمات أخرى في المستقبل”، مشيرة إلى أن “الوضع السياسي في البلاد هش للغاية، كما انهارت هياكل الأمن الرسمية للدولة إلى حد كبير، وتواصل الاشتباكات المتقطعة بين المجموعات المسلحة في ليبيا ودون سابق إنذار”.
كما حذرت وزارة الخارجية الهندية مواطنيها من السفر إلى ليبيا، في تعديل جزئي لتحذيرها لعام 2016، الذي يفرض حظرا على سفر المواطنين الهنود إلى الدولة الأفريقية. وقالت الخارجية الهندية “استجابة لتقييمنا الأمني ننصح المواطنين الهنود بتجنب السفر غير الضروري إلى ليبيا، وتوخي الحذر وتجنب السفر بين المناطق الليبية عن طريق البر، والبقاء على اتصال دائم بالسفارة الهندية في طرابلس”. ولا تزال أزمة أكبر حقل نفطي بالبلاد متواصلة بعد غلقه السبت الماضي، وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا حالة القوة القاهرة بحقل الشرارة، اعتبارا من السابع من أغسطس.
وقالت المؤسسة في بيان إن الظروف الحالية التي يشهدها حقل الشرارة النفطي الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 300 ألف برميل يوميا تمنع الشركة من “القيام بعمليات تحميل النفط الخام”، وأضافت أن الظروف ستؤدي إلى توقف العمليات النفطية وستؤثر أيضا في عمليات تصدير النفط من ميناء الزاوية. وكانت المؤسسة أوضحت الثلاثاء أنها قلصت الإنتاج تدريجيا في الحقل الذي يقع في جنوب غربي ليبيا، ويشغله مشروع مشترك بين المؤسسة وشركة “ريبسول” الإسبانية وشركة “توتال إنيرجيز” الفرنسية وشركة “أو.أم.في” النمساوية و”إكوينور” النرويجية.
وأكد المبعوث الأميركي إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند، خلال لقاء مع رئيس مجلس إدارة مؤسسة النفط الليبية فرحات بن قدارة، على ضرورة تجنيب المؤسسة التجاذبات السياسية والمحافظة على المكتسبات التي تحققت في استقرار وزيادة الإنتاج وتحمل الجميع مسؤولياتهم في دعم جهود المؤسسة لاستمرار ذلك.