تخيلوا عالما بلا قهوة

الأمر الواضح الذي لا خلاف عليه، أن القهوة هي العامل المشترك الوحيد بين شعوب الأرض. وإن اختلفت طرق إعدادها لها وتقديمها.
الجمعة 2024/08/09
رمز التواصل والتفاعل الاجتماعي

كعادتي كل صباح، استيقظت لأتجه إلى المطبخ، أعد لنفسي فنجان قهوة ساخنة، يساعدني على ترتيب أفكاري، وأستمتع برائحة البن تتسلل إلى أنفي وتملأني بالحيوية والطاقة.

لكن، في هذا اليوم كان هناك شيء مختلف. ما إن مددت يدي إلى علبة القهوة حتى لاحظت أنها فارغة. بحثت في كل مكان، في الخزائن والأدراج، ولكن لم أجد أثرا للقهوة. فقررت الخروج إلى مقهى على بعد خطوات من المنزل.

عندما وصلت إلى المقهى، كانت هناك لافتة كبيرة على الباب تقول “نعتذر، لا توجد قهوة اليوم”. دخلت وسألت عن السبب، فأجابني النادل بحزن “لقد نفدت إمدادات القهوة في جميع أنحاء العالم. لا أحد يعرف متى ستعود”.

خرجت من المقهى وأنا أشعر بالصدمة وأكاد لا أصدق. كيف يمكن أن يكون هناك عالم بلا قهوة؟

بدأت أتخيل كيف ستتغير حياتي وحياة الآخرين. في المكتب، كان الجميع يبدو متعبا ومرهقا. الاجتماعات كانت بطيئة ومملة، والإنتاجية كانت في أدنى مستوياتها.

في المساء، جلست مع أصدقائي في المقهى المعتاد، ولكن بدلا من الحديث عن الأحداث اليومية المألوفة، كان الجميع يتحدث عن افتقاد القهوة. كانت الأجواء حزينة وكئيبة.

مع مرور الأيام، حدثت تداعيات أخرى. المقاهي بدأت تغلق أبوابها، والمزارعون الذين كانوا يعتمدون على زراعة القهوة بدأوا يبحثون عن محاصيل بديلة. العالم كان يتغير بسرعة، ولكن ليس للأفضل.

لأول مرة في حياتي، شعرت كم للقهوة مكانة كبيرة في حياتنا، لم ندركها إلا عندما افتقدناها. ورحت أسترجع في ذهني قصتها وعلاقة الناس بها، والمآخذ التي أُلصقت بها، والفوائد التي نُسبت إليها.

قصتها تعود إلى إثيوبيا، في القرن التاسع. ويُعتقد أن راعي غنم يُدعى كالدي لاحظ أن ماعزه أصبحت أكثر نشاطا بعد تناولها ثمارا حمراء من شجرة معينة. جرب كالدي هذه الثمار بنفسه ولاحظ تأثيرها المنشط، فقام بإحضارها إلى رئيس الدير المحلي الذي صنع منها مشروبا ساعده على البقاء مستيقظا خلال صلوات الليل الطويلة.

من إثيوبيا، انتقلت القهوة إلى اليمن. ومن هناك، انتشرت إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبحلول القرن السادس عشر وصلت القهوة إلى تركيا، وبلاد فارس، ومصر، ومن ثم إلى إيطاليا إلى أن وصلت إلى أقصى الشمال في فنلندا والنرويج وهولندا، الدول الثلاث التي تتصدر قائمة أكثر الشعوب استهلاكا للقهوة.

الأمر الواضح الذي لا خلاف عليه، أن القهوة هي العامل المشترك الوحيد بين شعوب الأرض. وإن اختلفت طرق إعدادها لها وتقديمها.

طالما تباهى الناس بالطريقة التي تُعد بها القهوة في بلدهم: من قهوة “بونا” في إثيوبيا، إلى قهوة “الجذوة” التركية، إلى قهوة “كافيه زيني” في البرازيل أكبر منتج للقهوة، إلى “كافيه سوا دا” التي تُقدم مع الثلج في فيتنام، إلى القهوة “المرة” في دول الخليج العربي، وصولا إلى “الإسبرسو” الإيطالية الأوسع انتشارا في العالم.

استيقظت على صوت قرع على الباب، فتحت عينيّ ورحت أفركهما. يا له من كابوس. اتجهت مسرعا إلى المطبخ. وجدت علبة القهوة مليئة.

أخيرا اكتشفت أن القهوة ليست مشروبا عاديا، بل هي جزء من حياتنا اليومية وثقافتنا ورمز للتواصل والتفاعل الاجتماعي، ولحظات الاسترخاء والتأمل.

18