انقسام مجلس الدولة يعمق الأزمة السياسية في ليبيا

تولي المشري رئاسة مجلس الدولة يمثل ضربة قاصمة لحكومة الدبيبة.
الخميس 2024/08/08
أنا الرئيس الفعلي والشرعي

يزداد المشهد السياسي في ليبيا تعقيدا مع بروز خلاف جديد داخل المجلس الأعلى للدولة ما ينذر بانقسامه إلى واجهتين: الأولى برئاسة خالد المشري والثانية بقيادة محمد تكالة، ويبدو أن المستفيد الأبرز من الوضع الراهن هو رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة.

احتدم الصراع حول منصب الرئيس المنتخب لمجلس الدولة، حيث رفض خالد المشري ما أعلنه محمد تكالة عن تحديد يوم العشرين من أغسطس الجاري موعدا لإعادة جولة انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة، واصفا ما جرى عقب جلسة التصويت بـ”البلطجة السياسية”، وهو ما يهدد بانقسام المجلس.

وتقول أوساط ليبية مطلعة إن حالة الانقسام داخل مجلس الدولة باتت تعكس حجم التشظيات السياسية والاجتماعية والعقائدية في البلاد، وهي تطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل العملية السياسية.

وبحسب الأوساط ذاتها، فإن الأمر يتعلق بلعبة سياسية في سياق التوازنات التي يفرضها الواقع الليبي والتجاذبات بين الفرقاء الأساسيين، لاسيما أن وصول المشري إلى سدة رئاسة المجلس يمثّل ضربة قاصمة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة وفريقه الداعم بقوة لتكالة.

وأكد المشري أنه الرئيس الفعلي والشرعي لمجلس الدولة وفق نتيجة الاقتراع في الجولة الثانية التي أظهرت فوزه برئاسة المجلس، وقال إنه سيمارس عمله على هذا الأساس، وأنه متمسك بحقه برئاسته للمجلس، وأنه سيتواصل بصفته رئيسا للمجلس الأعلى للدولة بكافة الجهات المحلية والأجنبية.

وأشار إلى إحالة تكالة الخلاف على ورقة التصويت إلى القضاء رغم معرفته المسبقة بعدم اختصاص القضاء بهذا النزاع، موضحا أن اللائحة الداخلية للمجلس تنص على اختصاص اللجنة القانونية للمجلس بحل هذا النزاع.

حسن الصغير: واهم من يعتقد بأن عبدالحميد الدبيبة حزين لما حصل
حسن الصغير: واهم من يعتقد بأن عبدالحميد الدبيبة حزين لما حصل

وأكد أن هذه الإحالة ما هي إلا محاولة لكسب الوقت ليس إلا، مبرزا أن الجميع “شاهد بثا مباشرا لعملية التصويت، والتي كان فاز فيها بعدد أصوات 69 صوتا مقابل 68 صوتا لمحمد تكالة وبحضور مراقبين ممثلين عن المرشحين أمام صناديق الاقتراع”.

وقال المشري إن تكالة ليس رئيسا للمجلس حتى يدعو إلى عقد جلسة أو غير ذلك، لافتا إلى أن النظام الداخلي للمجلس ينص على أن مدة ولاية مكتب رئاسة المجلس هي فقط سنة واحدة من تاريخ انتخاب مكتب الرئاسة، وبالتالي فقد انتهت مدة ولاية تكالة بالانتخاب وبالمدة القانونية.

واعتبر المشري الكتابة على ورقة التصويت المعتمدة من الخلف، تعد علامة تمييز واضحة، وهذا مخالف للائحة الداخلية، مشيرا إلى أن مراقب تكالة وافق أثناء الفرز على رفض الورقة، إلا أنه تراجع لاحقا بعد معرفة أن فارق الأصوات هو صوت واحد.

وقال المشري إن المحكمة العليا غير معنية بالفصل في انتخابات هيئة رئاسة المجلس، وعلينا الفصل في الأمر داخل المجلس، لافتا إلى أن تكالة رفض إحالة الموضوع إلى اللجنة القانونية بالمجلس بحجة أن رئيسها كان أحد المرشحين للرئاسة، في إشارة إلى عادل كرموس.

وجاء موقف المشري بعد أن حدد تكالة يوم العشرين من أغسطس الجاري موعدا لإعادة جولة انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة إذا لم يفصل فيها القضاء.

وأضاف أن اختياره لهذا الموعد يأتي بهدف عدم ترك الزمن مفتوحا يستغله من يحاول فرض حالة الانقسام على المجلس، معتبرا أن ذلك حل وسط يحافظ على المكتسبات وينأى عن الانقسام، وذلك بعد التشاور مع أعضاء المجلس.

وأوضح تكالة أن إعادة عملية الاقتراع فرصة حقيقية للجميع لإثبات جدارتهم في ثقة أعضاء المجلس، وقال إن من يعتقد في نفسه أنه الأجدر عليه ألا يخشى من جولة إعادة أخرى، في إشارة إلى المشري، الذي أعلن في مؤتمر صحفي صحة عملية انتخابه، وأنه يعتبر نفسه رئيسا للمجلس الأعلى للدولة.

ولا يستبعد مراقبون أن ينقسم مجلس الدولة إلى مجلس برئاسة خالد المشري وآخر برئاسة محمد تكالة، وذلك نظرا لاعتبارات عدة أبرزها أن المشري يناهض بقوة حكومة الدبيبة، ويدعم دعوة مجلس النواب إلى الإطاحة بها من أجل تشكيل حكومة موحدة تبسط نفوذها على كامل مناطق البلاد تمهيدا لتنظيم الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية والرئاسية وفق خارطة الطريق التي كان قد تم الإعلان عنها رسميا وتبناها مجلس الدولة في يوليو 2023 قبل أن ينقلب عليها تكالة نزولا عند رغبة الدبيبة المتمسك بالبقاء في الحكم إلى أجل غير مسمى.

حالة الانقسام داخل مجلس الدولة باتت تعكس حجم التشظيات السياسية والاجتماعية والعقائدية في البلاد

واعتبر المرشح الرئاسي السابق سليمان البيوضي أن تصعيد حكومة الدبيبة في أزمة انقسام مجلس الدولة الاستشاري سيضاعف من خسارتها، وقال إن “حكومة الدبيبة متضررة بشكل مباشر من انقسام مجلس الدولة ومضيها في تصعيد سياسي سيضاعف من خسارتها”، مضيفا أن أزمة انقسام مجلس الدولة لها بعد دولي وإقليمي ولن يسمح للحكومة وحلفائها المحليين والإقليميين بالتلاعب والعبث بأحد أركان الاتفاق السياسي الليبي والذي سيؤثر مباشرة في التوازنات الدولية.

ورأى البيوضي أن “هناك أكثر من طرف إقليمي ودولي متضرر مما حدث، وهناك مخاطر تتهدد المصالح الإستراتيجية لتلك الأطراف في ليبيا، خصوصا إذا ذهبت المعارضة لتشكيل حزام سياسي مساند وداعم لخالد المشري وبينت أنها مستعدة للمضي نحو التصعيد السياسي والدخول في لعبة العبث بالتحالفات”.

وقال “حينها ستتدخل القوى المتضررة بكل نفوذها لاحتواء الموقف ودعم الطرف الأقوى سياسيا، فالدول لا تغامر بمصالحها لأجل سلطة فقدت زخمها وخسرت حواضنها الشعبية ولا تملك حزاما سياسيا حقيقيا مقابل كتلة سياسية متماسكة”.

واعتبر وكيل وزارة الخارجية الأسبق حسن الصغير أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية يعمل على تفتيت مجلس الدولة الاستشاري عبر نزاع تكالة والمشري على منصب رئيس المجلس.

وأضاف الصغير “واهم من يعتقد بأن الدبيبة حزين بما حصل، بالعكس تماما بالنسبة للدبيبة أنهى وللأبد مجلس الدولة، حيث سيظل تكالة ينازع المشري الشرعية ووجد الدبيبة وغيره ضالتهم في تفتيت مجلس الدولة وإلى الأبد” و”بهذه الطريقة يرى الدبيبة أن أحد أطراف ما يسمى بالحوار أو الشركاء السياسيين غير موجود أو معطل ولا مناص بالنسبة له من البناء على حكومته لمن يرغب في توحيد الحكومات وإنهاء ما بات يعرف بالانقسام السياسي”.

مراقبون لا يستبعدون أن ينقسم مجلس الدولة إلى مجلس برئاسة خالد المشري وآخر برئاسة محمد تكالة

وشدد “في أسوأ أحوال الدبيبة فإن ما حدث هو نهاية ما سمي بفتح باب الترشح من البرلمان، فلا جهة متفق عليها غربا لإحالة التزكيات إلى البرلمان، ولا رئاسة لمجلس الدولة موحدة لتبت في الترشيحات”.

ولا يخفي فريق المشري خشيته من أن يتم فتح مزاد لشراء الأصوات لفائدة تكالة في حالة الإعلان عن فسح المجال أمام جولة انتخابية ثالثة، مبرزا أن المال السياسي يبقى فاعلا أساسيا في المشهد الليبي، وكان له دور كبير في تحديد خيارات النواب بما في ذلك خلال ملتقى الحوار السياسي الذي كان وراء الدفع بالسلطات الحالية إلى منصة الحكم منذ فبراير 2021.

واستنكر رئيس الحريات العامة لحقوق الإنسان بنقابة المحامين محمد العلاقي الخلاف الحاصل بين المشري وتكالة على رئاسة مجلس الدولة بعد الانتخابات على منصب رئيس المجلس، وعبّر عن إدانته “محاولة اغتيال الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة من قبل بعض أعضاء مجلس الدولة، والتي دفع فيها شباب هذا البلد أعز ما يملك من خلال التمسك بورقة انتخابات بان عوارها للجميع وبشهادة كل من تابع عملية انتخاب رئيس لمجلس الدولة”.

وأعرب العلاقي عن “أسف اللجنة لمحاولة أحد كبار الوزراء بالحكومة المؤقتة (في إشارة إلى وليد اللافي وزير الشؤون السياسية والاتصال بحكومة الدبيبة) التأثير في الانتخابات لأحد المرشحين، ويتضح ذلك حاليا من خلال المكالمات المسجلة والمسربة عن طريق وسائل التواصل”.

وحث العلاقي رئيس المجلس الذي أنهى ولايته، والذي لم يحالفه الحظ في الفوز بمنصب الرئيس، على إصلاح ذات البين، وتسليم السلطة للرئيس المنتخب الجديد، وتجنيب البلد أي خلافات جديدة وأي انقسامات أخرى فوق ما بها، داعيا النائب العام إلى رفع الحصانة على كل من له علاقة بعرقلة الانتخابات وإجهاض الديمقراطية الوليدة والتحقيق في ما من شأنه أن يشكل جرائم جنائية.

وأوضح عضو مجلس الدولة صالح جعودة أن النتيجة التي انتهى بها تصويت اختيار رئاسة المجلس تنبئ بانقسام المجلس بين مشروعين، مشيرا إلى أن الرئيس الجديد أمام مهمة صعبة للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف.

وقال جعودة إن “المادة 2 في اللائحة الداخلية للمجلس تنطبق على الورقة المتنازع حولها، لأن المادة تنص على أن في حالة وجود أي إشارة خارج سياق التصويت تلغى تماما”، مردفا “اقترحت على تكالة القبول بالنتيجة ثم الطعن فيها، لأننا حينها سنلجأ إلى القضاء الذي تعودنا منه على النزاهة والحكم بما يرضي الله، وأن نمضي قدما في انتخاب النائبين الأول والثاني، ووكيل محمد تكالة أخطأ عندما سكت عن اعتبار الورقة ملغية ثم عاد من جديد وطالب باحتسابها كورقة تصويت شرعية لأنه احتاج إلى ذلك عندما انتهى التصويت”.

ويعتبر الدبيبة المستفيد الأول من حالة الانقسام في مجلس الدولة، حيث إن تعطيل أعمال المجلس يعتبر تجميدا للعملية السياسية بما في ذلك مبادرة مجلس النواب بفتح باب الترشح لاختيار الشخصية المؤهلة لتشكيل حكومة موحدة، ويقول محللون إن الدبيبة لا يعترف إلا بحل من اثنين وهو إما بقاء تكالة في منصب الرئيس أو تجميد نشاط المجلس بما يزيد من تعميق حالة الانقسام السياسي التي تبقى أفضل فرضية للممسكين بمقاليد الحكم في طرابلس.

4