رسالة من وارن بافيت لا يمكن تجاهلها

إذا كان المضاربون يتابعون أخبار وارن بافيت لجني أرباح سريعة فإن المؤسسات والشركات الكبرى وحتى الحكومات يجب أن تقرأ المخفي من وراء قراراته فهي إشارات لا يمكن تجاهلها.
الخميس 2024/08/08
مؤشر المضاربين المفضل

الأزمة التي واجهتها أسواق المال في العالم الاثنين الماضي وفقدت بسببها أكثر من 6 تريليونات دولار خلال ساعات قليلة، وأشير إليها بـ”الاثنين الأسود”، ذكرتني بيوم أسود آخر هو “الأربعاء الأسود”، 16 سبتمبر 1992، وكان مسرح الأزمة حينها بريطانيا.

السبب الرئيسي في الأزمة كانت المضاربات المالية ضد الجنيه الإسترليني، حيث حاولت الحكومة البريطانية الحفاظ على قيمة الجنيه ضمن آلية سعر الصرف الأوروبية (ERM). ومع ذلك، لم تستطع الحكومة دعم الجنيه أمام الضغوط المتزايدة من المضاربين، ممّا أدى إلى انسحاب بريطانيا من ERM وانخفاض كبير في قيمة الجنيه.

لوقف انهيار الجنيه الإسترليني اضطرت الحكومة البريطانية إلى رفع سعر الفائدة بشكل كبير. ووصلت نسبة الفائدة في ذروة الأزمة إلى 15 في المئة. وهو ما أدى إلى زيادة تكاليف الرهن العقاري بشكل كبير، مما جعل من الصعب على العديد من الناس تحمل تكاليف السكن.

إذا كان وارن بافيت لا يفكر بالمضاربة والصفقات قصيرة الأمد، وقراراته عادة مبنية على المستوى البعيد، إلا أن المتعاملين بأسواق المال يجدون فيها فرصة للكسب السريع

نتيجة لذلك، انخفضت أسعار المنازل بشكل ملحوظ، واضطر العديد من أصحاب المنازل إلى بيع ممتلكاتهم بسبب عدم قدرتهم على تحمل تكاليف الرهن العقاري المرتفعة. هذا الانخفاض في الأسعار أثّر سلبًا على الاقتصاد البريطاني بشكل عام، حيث تراجعت الثقة في السوق العقاري واستغرق الأمر سنوات للتعافي.

الرابط بين “الاثنين الأسود” و”الأربعاء الأسود” هو المضاربات؛ في الأزمة البريطانية قام الملياردير جورج ساروس وكان حينها مديرا بارزا لصندوق تحوط، بمضاربات ضخمة ضد الجنيه الإسترليني، مما أدى إلى انهيار قيمته، ومعاناة شريحة كبرى من الطبقة الوسطى ودون الوسطى في بريطانيا، أصبحت قيمة ما يمتلكونه من أصول دون الصفر.

الاثنين الماضي وجّه اللوم إلى ضعف في بيانات التشغيل في الولايات المتحدة، ولكن ما أن هدأت الأمور حتى تبين وجود أسباب أخرى للأزمة. ومثلما كانت المضاربة هي سبب أزمة “الأربعاء الأسود”، المضاربة أيضا هي سبب “الاثنين الأسود”.

في أسواق المال يقتفي المضاربون الصغار آثار المستثمرين الكبار، ولطالما اقتفى المضاربون في أسواق البورصة خطوات نجم البورصة وعميد المستثمرين وارن بافيت، الملقب بـ”أوراكل أوماها” بسبب قدرته الاستثنائية على التنبؤ باتجاهات السوق واتخاذ قرارات استثمارية ذكية ومربحة.

قبل يومين من “الاثنين الأسود” أعلنت مجموعة وارن بافيت “بيركشاير هاثاواي”، ومقرها في أوماها بولاية نبراسكا، أنها قلصت كثيراً من مراكزها الاستثمارية، وخفضت حصتها في شركة  أبل، أكبر حيازة في محفظتها. وهي إشارة تلقفها المتعاملون في السوق، وترجمتها، أن الملياردير وارن بافيت يعتقد أن سوق الأسهم ستشهد تدهوراً عميقاً.

هذا كان يوم السبت، اليوم التالي هو الأحد وهو يوم عطلة في أسواق المال، صباح الاثنين فتحت الأسواق للتعامل، وخلال ساعات سالت الدماء وتتالت الخسائر من شرق آسيا إلى أوروبا وصولا إلى الأميركيتين، استنزف خلالها أكثر من 6 تريليونات دولار وفقد مؤشر “إس آند بي 500” نحو 3 في المئة من قيمته، وكانت شركات التكنولوجيا بين أكبر الخاسرين.

وارن بافيت يلقب بـ"أوراكل أوماها" بسبب قدرته الاستثنائية على التنبؤ باتجاهات السوق واتخاذ قرارات استثمارية ذكية ومربحة

ما الذي يفكر فيه بافيت وكيف سيفسر السوق تحركاته؟

أفضل من يجيب على هذا السؤال هو بلومبيرغ، التي كان لها معه لقاء مؤخرا، وقال حينها إن عليهم أن يتوقعوا بالفعل بيع بعض الأسهم. وإنه لا يمانع على الإطلاق “في ظل الظروف الحالية، في بناء مركز استثماري في النقود السائلة، حيث نجد أنها جذابة للغاية عندما ننظر إلى بدائل ما هو متاح في أسواق الأسهم، وإلى تركيبة ما يحدث في العالم”.

لا شيء كان يوحي بأن سهم أبل سيعاني من تراجع على المدى المتوسط، إلا أن بيع بافيت لأسهمها عزز كما تقول بلومبيرغ وجهة النظر القائلة بأن أسهم التكنولوجيا والاتصالات قد أصبحت مرتفعة للغاية.

وإذا كان وارن بافيت لا يفكر بالمضاربة والصفقات قصيرة الأمد، وقراراته عادة مبنية على المستوى البعيد، إلا أن المتعاملين بأسواق المال يجدون فيها فرصة للكسب السريع.

وهو ما حصل. انهيار الأسعار فتح الفرصة أمام المتصيدين لبيع أسهم لا يمتلكونها، وهي في القمة، وإعادة شرائها وهي في الحضيض. وكل ذلك خلال يوم واحد.

ما خسرته الأسواق عند الافتتاح، استردت معظمه قبل الإغلاق بقليل.

وإذا كان المضاربون يتابعون أخبار بافيت لجني أرباح سريعة، فإن المؤسسات والشركات الكبرى وحتى الحكومات يجب أن تقرأ المخفي من وراء قراراته.

حيازة “بيركشاير هاثاواي” الضخمة من الأصول عالية السيولة عادت إلى أعلى مستوياتها قبل الأزمة المالية عام 2008 مباشرة، كما لاحظت بلومبيرغ.. وهذه إشارة لا يمكن تجاهلها.

8