ماذا لو أسكتنا أفكارنا

يقول الدكتور إبراهيم الفقي إن “كل كلمة وكل فكرة تعد بمثابة طاقة روحية تقوم بتنشيط قوى الحياة في داخلك، سواء كانت ذات طبيعة سلبية أو إيجابية”.
وكلما اقترب عيد ميلادي كلما هاجمتني الكثير من الأفكار، أدخل في موجة تقييم للعام الذي مضى وأحيانا الأعوام التي سبقته، وأبدأ في استباق ما يمكن أن أفعله في العام الجديد.
الأكيد أن الكثير من الناس يعيشون مثل هذه الحال، وعوض أن يبتهجوا ببدئهم عاما جديدا ومرحلة مختلفة من الحياة، يدخلون في لحظات اكتئاب خاطفة، تذكرهم بأشياء كثيرة فعلوها وندموا عليها.
المشكل هنا، اكتشفت أنني لم أفعل شيئا أندم عليه، ولا شيء مختلفا عما أفعله منذ نحو 4 سنوات. جاءت جائحة كورونا لتسجننا في المنازل، وتحولها إلى مكاتب نمارس منها مهننا. الأمر مريح جدا، لكنه حوّل حياتي إلى بيت وعمل وقراءة مع الرياضة. ولولا السفر خارج البلاد بين الحين والآخر لجننت ربما.
كل شيء في نفسي تغير، لكن لا شيء من حولي تغير، وهنا بيت الداء.
سجنت نفسي منذ 2020 في روتين متكرر، كنت أراه في السابق مشكلا يعكر مزاجي ويصيبني بالتوتر والعصبية، ثم تدريجيا غيرت نظرتي إليه. اخترت أن أقرأ وأتعلم أكثر وأفهم نفسي بدرجة أولى، ورأيت أن مثل هذا الروتين هو نوع من محبة الإنسان لنفسه. ولأكمل الروتين، راقبت كل ما أتابعه على مواقع التواصل الاجتماعي، فحذفت كل ما من شأنه أن يصيبني بعدوى “القطيع” فأتابع ما يتابعونه وأقضي يومي بين أسوار عالم افتراضي يملأ جيوب الناس بالمال ويفرغ عقلي وروحي.
أربع سنوات كانت كافية لتغيرني جدا، لم أعد أنا ذات الشخص الذي أعرفه جيدا، لا منذ 2020 ولا حتى منذ أسبوع. التغيير سُنّة كونية، وصار أيضا سُنّة في حياتي.
هذا العام، قررت أن أسكت أفكاري وصوتي الداخلي، وتحديدا صوت الناقد والمكتئب، عملا بنصيحة الدكتور النفسي عصام الخواجة، بأن صوتنا الداخلي يتحكم في 90 في المئة من مزاجنا وسلوكنا وقراراتنا وعلى المرء أن يتعلم ماذا يقول لنفسه وكيف يحاورها ومتى يسكتها.
والقصد هنا ليس أن يتحول المرء إلى ببغاء تنمية بشرية يكرر على نفسه أوهاما وأفكارا دون السعي لتحقيقها، وإنما ألاّ يطلق على نفسه الأحكام والصفات جزافا.
ركزت في أهم الدروس التي تعلمتها، ومنها أن حب النفس رحلة وليست وجهة، كذلك معرفتك لنفسك وإيمانك بها، إنها رحلة تخوضها منذ الولادة حتى الممات، تعيش فيها لحظات وضوح وضياع، ضعف وقوة، دون أن تتخلى عن نفسك.
تعلمت أيضا أننا في “رحلة من الشك إلى الشك أيضا”، وهنا أقتبس عنوان كتاب صديقي الكاتب مصطفى شهيب “رحلتي من الشك إلى الشك برضه”، فالحقيقة المطلقة والقناعة التي لا تهتز ليست من خصائص الحياة وعالم البشر.
وأدركت أنني عشت دائما بحكمة “عندما تعلو عن الصغائر تبتعد الصغائر عنك، فحاول ألا تكون مغناطيسا للصغائر تجتذبها ثم تشكو وتبكي من ثقل الحياة”.
وبهذه المناسبة، أود أن أشكر الكتب وأصدقاءنا من “المعلمين والحكماء والمفكرين” والموسيقى والرياضة. أنا ممتنة أيضا للصمت، الذي أصبح فنا أمتهنه، وللصبر والهدوء اللذين علّماني أن كل شيء قد يكون على ما يرام لو تعلم المرء الصبر على ما لم يحط به خبرا بينما الجميع يغلي ويثور.
والشكر الكبير لنفسي التي انشغلت بنفسها مدركة أنه “من لم يكن نورا لنفسه لن تسعفه كل أضواء المدينة”.