الحكومة المصرية تتخذ من الحوار مظلة لتمرير قرارات مثيرة للجدل

تبدي الحكومة المصرية انفتاحا على مناقشة ملفات اقتصادية حساسة في جلسات الحوار الوطني مع المعارضة، وذلك رغبة منها في عدم تحمل مسؤولية اتخاذ قرارات قد تضاعف حجم التململ الشعبي حيالها.
القاهرة - تسعى الحكومة المصرية لإشراك الحوار الوطني في النتائج المترتبة على بعض قراراتها الاقتصادية وأبعادها الاجتماعية للمساهمة في تخفيف الضغوط والانتقادات الموجهة إليها، وبما يدعم استمرار الحوار كآلية سياسية تهدف إلى طرح قضايا شائكة للنقاش داخله دون أن يقتصر على فترة زمنية محددة، وهو ما يظهر عبر طرح ملف التحول في منظومة الدعم من عيني إلى نقدي.
وقال وزير التموين والتجارة الداخلية المصري شريف فاروق إن تحويل الدعم العيني إلى نقدي سيكون تحت الدراسة بعد الاستماع لوجهة نظر الحوار الوطني، والتحدي الأكثر أمام هذا التحول يتمثل في زيادة أسعار السلع، ووجود عوائق أمام المزج بين الدعم النقدي والعيني ووضع الحوار قضية الدعم ضمن الملفات المزمع التطرق إليها في الجلسات المقبلة مع عودته مرة أخرى للانعقاد لمناقشة قضية الحبس الاحتياطي، ومع توجيهه دعوات لشخصيات معارضة حضرت جلستي النقاش.
وسيرسل توصياته للجهات التشريعية والتنفيذية لتطبيقها بعد التوافق على بنود تعديل القانون، ومن المتوقع تكرار ذلك مع قضية الدعم التي تحظى باهتمام مجتمعي واسع.
ويقترن التطرق إلى الدعم المادي باتهامات توجه للحكومة بأنها تسعى للتخلي عن التزاماتها تجاه الفقراء، ولدى الكثير من المواطنين قناعة بأن تراجع قيمة الجنيه المصري يجعل من القيمة التي يتم تحديدها غير مجدية مع ارتفاع معدل التضخم، وعدم قدرتها على السيطرة على أسواق تعاني انفلاتا ولم تفلح الرقابة في التعامل معه.
وتأتي قضية الدعم في مقدمة اهتمامات قطاع من المصريين يعتمدون على المواد التموينية التي يحصلون عليها بداية كل شهر، ورغم أن الحكومة حرصت على تنقية قوائم المستفيدين وأوقفت ضم الأبناء الجدد ووضعت قيودا على مستحقيه، غير أنه يستفيد من الدعم نحو 63 مليون شخص، بحسب إحصاءات نشرتها وزارة التموين، ما يجعل الاقتراب منه أمرا بحاجة إلى حنكة سياسية.
يعد الاعتماد على الحوار الوطني في مثل هذه القضايا تأكيدا من الحكومة على أن قراراتها تحظى بتوافق مجتمعي، وأن عدم توفر التنوع المطلوب في البرلمان يفرض الاستعانة بجهة قادرة على إدارة الحوار بشكل يتسم بالجدية، ويتيح الفرصة للمعارضة للتعبير عن رؤيتها، ما يشي بتعديل أهداف الحوار الذي انطلق بهدف فتح منافذ إيجابية في المجال العام، ويتحول إلى هيئة تلعب دورا في طرح قضايا مختلفة للنقاش المجتمعي.
تكمن الأزمة في أن انسحاب عدد من قادة الأحزاب المنضوية تحت لواء الحركة المدنية المعارضة ترك انبطاعا بأن الحكومة تحاور نفسها، وأن عوامل الجدية قد لا تقنع قطاعات ترى أن البطء في تنفيذ المخرجات وعدم الاستجابة تماما لمطالب المعارضة الخاصة بالإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا جعلا الحوار يقف عند طرح القضايا للنقاش بين شخصيات وقيادات سياسية قريبة من الحكومة والمعارضة.
وقالت نائبة رئيس كتلة الحوار الوطني مارجريت عاوز إن الاستماع لآراء تيارات مختلفة بشأن قضية اجتماعية هامة أمر إيجابي، ويبرهن على أن الحكومة تنفتح على الجميع، ووجود ممثلين عن المجتمع المدني وجمعيات حقوقية وأحزاب عدة يخلق نقاشا أعمق وأوسع مما يتم داخل أروقة البرلمان، كما أن التوسع في الاستعانة بمتخصصين يمنح الحكومة قدرة أكبر على اتخاذ القرار.
وأضافت عاوز في تصريح لـ“العرب” أن استمرار الحوار يدعم مسألة وجود حراك سياسي في المجتمع، وهناك حالة رضاء مجتمعي عما سيتمخض عنه من توصيات، ولذلك يتم فتحه بشكل دائم لإمكانية وضع حلول، ويستهدف ذلك التعامل مع مخاوف تتولد لدى البعض من أن البرلمان يضم أغلبية تقتنع بما لا يأتي على هوى غالبية المواطنين.
وأشارت إلى أن الأمانة العامة للحوار تتشكل من مؤيدين للحكومة ومعارضين لها بالتساوي، ما يخلق فرصة للحوار الجاد والانفتاح على كافة الآراء، وترجمة ذلك في شكل قرارات، ومشاركة شخصيات معارضة في جلسات الحبس الاحتياطي والتوافق بين الموالاة والمعارضة على بنود تعديل القانون وفتح الطريق لتكرار ذلك في قضايا أخرى، وأن استماع الحكومة للمعارضة يساعدها على وضع رؤى خلاقة.
ومع أن الحكومة المصرية لديها توجهات نحو تطبيق الدعم النقدي وتسوق مبرراتها بأنه يسهم في تخفيف العبء المالي على الموازنة العامة للدولة، ما يُتيح لها توجيه المزيد من الموارد لتمويل مشاريع البنية التحتية والتعليم والصحة.
وأكد رئيس مجلس أمناء الحوار الوطني ضياء رشوان في تصريحات إعلامية أنه لن يكون هناك تصور بأي نتائج مسبقة بالتحول نحو الدعم النقدي أو بقاء الدعم العيني، وأنه يحتاج إلى بيانات دقيقة من الحكومة ونظرة اجتماعية – جغرافية من الحوار الوطني.
وأوضح رئيس الحزب الاشتراكي المصري (معارض) أحمد بهاءالدين شعبان أنه يصعب التعويل على حسم أي من المبادرات المطروحة على طاولة الحوار الوطني، لأن التوصيات السابقة لم تجد طريقها نحو التنفيذ، وحدث ذلك من قبل في قضية الحبس الاحتياطي وطبيعة الانتخابات المقبلة والإفراج عن المحبوسين، ورغم أنه كان هناك توافق حول التحرك في الملفات الثلاثة، إلا أنه لم يتحقق.
وذكر بهاءالدين في تصريح لـ“العرب” أن وسائل الإعلام المحلية أبدت اهتماما واسعا بما يتم إثارته في جلسات الحوار الوطني ما ترك انطباعا بجدية تنفيذ مخرجاته، لكن عدم حدوث ذلك سبب إحباطا للمعارضة، مشيرا إلى أن الحكومة تقدم قضية التحول من الدعم العيني إلى النقدي لحاجتها إلى تسريع وتيرة اتخاذ قرار بشأنها استجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي، وليس من الممكن تطبيقه لأنه سوف يترك الفقراء أسرى لجشع تجار وأسواق منفلتة، والتراجع المستمر في قيمة الجنيه.
وأكد أن طول فترة الحوار يؤشر على أنه قد يتحول إلى عملية سياسية مستمرة، وأن المعارضة حاولت إنقاذ الحوار بالوصول إلى نتائج جيدة في مجالات مختلفة مازالت حبيسة الأدراج، ومع انسحاب بعض المعارضين فإن التعويل عليه لتخفيف الضغوط على الحكومة قد لا يتحقق، وأن المواطنين سيحمّلون الحكومة المسؤولية كاملة.
وطالب مشاركون في الحوار الوطني بأن يكون النقاش حول قضية الدعم قائما على ضرورة وصوله إلى مستحقيه، بغض النظر عن شكل الدعم، إلى جانب عدالة التوزيع ويرتبط بالتحديد القاطع لمستحقي الدعم في ضوء التغير الاجتماعي الذي شهدته التركيبة الطبقية مؤخرا جراء انخفاض القوى الشرائية للأفراد.
فضلا عن قيمة الدعم بما يستدعي النفاذ بشكل متعمق في تحديد قيمة السلع والخدمات الواجب دعمها أخذا بالاعتبار مساهمة التغير المتوقع في العملة الأجنبية، وإعادة النظر في فلسفة الموازنة غبر توجيه وتوزيع بعض الموارد وخفض الإنفاق الحكومي وزيادات مقترحة للقوة الشرائية دون تحميل موازنة الدولة المزيد من الأعباء.
اقرأ أيضا:
• توافق حكومي - إعلامي على المكاشفة لتبييض صورة الطرفين في الشارع المصري