حوادث أمنية غامضة تربك حكومة الدبيبة

سلطات غرب ليبيا عاجزة عن احتواء ظاهرة حمل السلاح بين المدنيين.
الأربعاء 2024/07/31
الوضع خارج السيطرة

تواجه سلطات غرب ليبيا حالة من الإرباك غير المسبوق نتيجة الحوادث الأمنية المتلاحقة والغامضة التي تم تسجيلها خلال الأيام الماضية.

وتعمد حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة إلى التنصل من المسؤولية حيال تلك الحوادث والادعاء بعدم معرفة من يقف وراءها كما حدث في قضية المواطنين الليبيين المعتقلين في جنوب أفريقيا بتهمة التدرب على السلاح من دون ترخيص رسمي وبشبهة الانتماء إلى تنظيم إرهابي.

ونفت حكومة الدبيبة أي صلة لها بالمجموعة التي ألقت جنوب أفريقيا القبض عليها في “قاعدة للتدريب العسكري” شرق جوهانسبورغ.

وقالت الحكومة في بيان، إنها تنفي بشكل قاطع وواضح تبعية هذه المجموعة لها، وأن لا صلة لها بإجراءات إرسالها أو تكليفها بأي مهمة كانت تدريبية أو غيرها، مشيرة إلى أنها كلفت “المدعي العام العسكري وسفارتها المعتمدة في جنوب أفريقيا بالتواصل مع السلطات المعنية لمتابعة ملابسات هذه القضية”، مبدية استعدادها “للمشاركة في التحقيقات لكشف ملابسات ما جرى، والجهات التي تقف وراءه”.

والجمعة الماضي، أعلنت شرطة جنوب أفريقيا اعتقال 95 ليبيا، في عملية مداهمة لمزرعة كان يُفترض في الأساس أن تكون معسكرا لتدريب شركة أمنية تم تحويله، على ما يبدو، إلى قاعدة للتدريب العسكري، وقالت إن “الأفراد الـ95 الذين تم اعتقالهم هم جميعا ليبيون وتستجوبهم حاليا السلطات المختصة”.

وأعلنت وزارة الداخلية بجنوب إفريقيا أن الليبيين المحتجزين في قضية المعسكر السري قد تحصلوا على التأشيرات في تونس العاصمة، مشيرة الى أنها ألغت تأشيراتهم وتدرس جميع الخيارات بما ذلك ترحيلهم إلى بلادهم.

ذهاب 95 ليبيا إلى جنوب أفريقيا للتدرب على حمل السلاح وحرب العصابات يعد لغزا يحتاج حله إلى جهود كثيرة

وطرحت قضية القبض على عشرات الليبيين وهم بصدد التدرب على حمل السلاح والقتال في جنوب أفريقيا جملة من الفرضيات من بينها السعي إلى الدفع بالبلاد إلى دوامة الحرب والفوضى من جديد، في ظل تفاقم حالة الصراع الداخلي على السلطة والثروة والتي تغذيها التدخلات الخارجية.

ويعد ذهاب حوالي 100 ليبي إلى جنوب أفريقيا للتدرب على حمل السلاح وحرب العصابات، لغزا يحتاج إلى الكثير من الجهد لحله والبحث عن خلفياته بالتعاون مع سلطات كيب تاون.

إلى ذلك، أصدر الدبيبة تعليماته للمدعي العام العسكري بفتح تحقيق في حادثة الانفجار الذي وقع فجر الجمعة الماضي بمنطقة كادوش في مدينة زليتن، عندما استمرت أصوات الرصاص والانفجارات الناجمة عن الانفجار فترة من الوقت، وأدت إلى إصابة شرطي يدعى عبدالمولى الأشهب، كأولى حالات الإصابة نتيجة الحادث.

وقال المجلس البلدي بالمدينة إن اللجنة المكلفة من عميد البلدية باشرت في حصر أضرار المواطنين جراء الانفجار، فيما أكد شهود عيان حصول عدة انفجارات وقعت بإحدى ورش صيانة السيارات التابعة لقوة الإسناد بمنطقة كاوش، وتم استعمالها كمخزن مؤقت لمخلفات الحرب في انتظار التخلص منها.

وفي حادثة أخرى، كشفت النيابة العامة الليبية بالعاصمة طرابلس الخميس، أن جهاز دعم الاستقرار بمدينة نالوت تحصل على معلومات تفيد بحصول نشاط غير قانوني على الحدود الغربية لليبيا مع تونس ويديره شخصان يحملان الجنسية التونسية. وأوضحت النيابة العامة أن أحد الأشخاص قام بتسليم نفسه وأشار إلى تحوز رفيقه على مجموعة من الأسلحة والمفرقعات التي كانت مخبأة في محل بعيد عن التجمعات السكنية.

ولفتت النيابة إلى أنه عند تحول الوحدات الأمنية إلى المكان، قام المشتبه به بإطلاق النار على عناصر الأمن لترد الأخيرة وترديه قتيلا، وقالت إنه تمت مباشرة الأبحاث الأمنية اللازمة للكشف عن تفاصيل الواقعة. ولم تكشف السلطات المعنية تفاصيل أكثر عن الحادثة، أو عن طبيعة الشخص وانتماءاته التنظيمية وعلاقاته بالجماعات المسلحة، لاسيما أن الموضوع يرجح أن يكون في علاقة بشبهة إرهاب عابر للحدود.

وكانت وزارة الدفاع التونسية أعلنت أواخر يونيو الماضي، مقتل جندي في هجوم نفذه مسلحون أطلقوا النار على دورية عسكرية بمنطقة رمادة جنوب شرق البلاد بالقرب من الحدود الليبية. ومن دون أن تحدد الوزارة هوية مطلقي النار، أضافت أنه تمّ فتح بحث تحقيقي في الحادثة بإذن من وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية العسكرية بصفاقس.

والأربعاء الماضي، أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية الليبية، عن تمكن السلطات التونسية، من القبض على المتهمين بمحاولة اغتيال عبدالمجيد مليقطة مستشار رئيس حكومة الوحدة ورئيس هيئة السلامة الوطنية الحكومية في عملية وقعت يوم 14 يونيو الماضي بطرابلس قبل أن يتمكن المتورطون في الفرار الى تونس.

وفي الثاني من يوليو الجاري، أعلن مكتب النائب العام الليبي عن إحباط محاولة اغتيال استهدفت مليقطة، من خلال تفجير عجلة مفخخة وضعت في مساره.

فشل الفرقاء في التوصل إلى حل سياسي، وإصرار الدبيبة على التمسك بالحكم، يؤدي بالضرورة إلى المزيد من الفوضى بالمنطقة الغربية وخاصة في مناطق غرب طرابلس

وقام المحققون بمعاينة موقع التفجير وجمع الأدلة فيما تولى قسم ضبط شؤون المعلوماتية والاتصالات بمكتب النائب العام تحليل المعلومات التي كشفت عن تحركات المشتبه بهم قبل وبعد تنفيذ الجريمة.

وكشفت التحقيقات أن عنصرين من إدارة الأمن القومي بجهاز المخابرات الليبية تورطا في العملية، وتمكنت قوات جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة من القبض على المشتبهين الرئيسيين فيما تستمر الجهود لملاحقة المتورطين الآخرين خارج البلاد بالتعاون مع الجهات الدولية.

وبحسب بلاغ لمكتب النائب العام، فقد أنجزت الضابطة القضائية تدبيرا أمرت به سلطة التحقيق في مواجهة عنصرين بإدارة الأمن القومي بجهاز المخابرات الليبية أسهما في تفجير عجلة مفخخة وضِعت في طريق سلكه مليقطة لغرض اغتياله.

وعلى صعيد متصل، سجلت الأيام الماضية حلقة جديدة من حلقات الصراع الدموي في مدينة الزاوية التي أكد وزير داخلية الوحدة، عماد الطرابلسي، أنها خارج عن سيطرة الدولة.

كما سجلت دائرة اختصاص مديرية أمن صبراتة المجاورة للزاوية، واقعتي قتل راح ضحيتها شابان في مقتبل العمر نتيجة الاستخدام الخاطئ للأسلحة النارية.

وقالت المديرية عبر مكتبها الإعلامي إنه وبالرغم من اختلاف الواقعتين من حيث الملابسات لوحظ أن السبب واحد وهو الاستعمال الخاطئ للسلاح وعدم تعمد القتل من قبل الجناة.

وحذرت المديرية من انتشار وتزايد ظاهرة حمل السلاح داعية الأهالي لممارسة رقابة شديدة على أبنائهم ومنعهم من اقتناء أو استعمال السلاح تحت أي مسمى؛ وذلك لتجنب تحميلكم المسؤولية القانونية حيال ما يقوم به أبناؤهم، وفق المديرية.

ويرى مراقبون، أن هذه الحوادث وغيرها باتت تطرح الكثير من الأسئلة حول موقع الدولة ودور الحكومة مما يجري، لاسيما مع استمرار الاشتباكات المتواترة بين ميلشيات محلية من مدينة زوارة وقوات إنفاذ القانون التابعة للحكومة في الجانب الليبي من معبر راس جدير الحدودي مع تونس.

ويضيف المراقبون، أن فشل الفرقاء في التوصل إلى حل سياسي، وإصرار الدبيبة على التمسك بالحكم، واستمرار الميليشيات والجماعات المسلحة في التنافس على المصالح، وعجز الدولة على بسط سيادتها وجمع السلاح المنفلت، يؤدي بالضرورة إلى المزيد من الفوضى بالمنطقة الغربية وخاصة في مناطق غرب طرابلس، مبرزين أن أطرافا قوية ومؤثرة تسعى إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه، وتعتقد أنها بذلك فقط تحافظ على مصالحها الحالية وطموحاتها المستقبلية.

4