بصمتنا الكربونية

موقف الملك تشارلز الثالث المناصر للبيئة ليس جديدًا. فقد دعّم ولا يزال يدعم مشاريع بيئية حول العالم من خلال مؤسسة خاصة أنشأها عندما كان أميرًا لويلز. وكان للمؤسسة دور بارز في ترويج الزراعة العضوية والاستدامة من خلال مزارعه الخاصة. ولم ينس العالم خطابه المؤثر الذي ألقاه في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، عندما دعا قادة الدول إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة تغير المناخ، وشدد على أهمية استعادة المخزون الطبيعي وتعزيز الحلول المستدامة.
ما يهمنا اليوم هو قرار اتخذته العائلة المالكة البريطانية لاعتماد تقنيات تساهم في الحدّ من بصمتها الكربونية. أهمية هذا القرار تكمن في لفت الانتباه إلى البصمة الكربونية للأفراد، بعد أن كان الحديث يركز على البصمة الكربونية للصناعات والمؤسسات الكبرى.
أتى القرار في وقت تكشف فيه التقارير حقائق مفزعة عن التغيرات البيئية، منها أن عام 2024 قد يكون الأكثر سخونة على الإطلاق، بل قد يتجاوز عام 2023 الذي كان حارًا بشكل غير مسبوق. وتقرير آخر صادر عن الأمم المتحدة سلّط الضوء على ما أسماه أزمة كوكبية ثلاثية تشمل فقدان التنوع البيولوجي والتلوث والنفايات.
لإدراك أهمية القرار الملكي ومعرفة مدى مسؤوليتنا كأفراد، يجب أن نعرف بالتحديد ما هي البصمة الكربونية وكيفية حسابها.
نحن نسيء للكوكب الذي ندعي الحرص عليه في الخفاء ثم نبكيه في العلن. ونساهم بشكل أو بآخر في الأزمة البيئية، باستهلاك الطاقة والتنقل واستهلاك الغذاء وإدارة النفايات.
في كل مرة نركب فيها السيارة أو الطائرة أو الدراجة النارية أو وسائل النقل العام، وفي كل مرة نتناول فيها قطعة “ستيك” بدلًا من الخضار والبقول، وفي كل مرة نغسل فيها الأطباق والملابس ونشغل أجهزة التبريد والتدفئة، وفي كل مرة نرمي فيها النفايات، نسيء للكوكب ونضيف إلى بصمتنا الكربونية.
ما العمل إذن ونحن على مدار الساعة نرتكب سلوكيات تزيد من احترار الكوكب؟
هناك الكثير مما يمكن عمله: يمكننا التنقل على الأقدام أو الدراجة الهوائية، يمكننا الامتناع عن الرحلات السياحية بالطائرة، يمكننا تقليص استهلاك اللحوم الحمراء، يمكننا تدوير النفايات، ويمكننا الاقتصاد في استهلاك الطاقة.
قبل الخروج إلى التسوق، فكر في عدد الأكياس والعلب البلاستيكية التي تشتريها، قاطع كل هذه العبوات، لا تشتري طعامًا مغلفًا بالبلاستيك. بدل استهلاك الكهرباء للتدفئة والتبريد، فكر في الألواح الشمسية بديلا. وقبل أن تدير مفتاح سيارتك لتحضر ابنك من المدرسة على بعد 500 متر، أو لشراء رغيف خبز من بقال على بعد شارعين من مكان سكنك، فكر إن كانت الرحلة تستحق استخدام السيارة أو يمكن القيام بها على الأقدام.
معظم الأشخاص الذين يتنقلون بسياراتهم الخاصة تزداد أوزانهم، وتزداد معها احتمالات إصابتهم بأمراض القلب والسكري.
والأهم، تزداد معها بصمتهم الكربونية.
ولأن التغيير، أي تغيير، يبدأ من الفرد ثم ينتقل إلى الجماعة، تكتسب الخطوة التي اتخذها الملك تشارلز والخطوة التي سنتخذها نحن كأفراد أهمية كبيرة.
الكلام وحده لن ينقذ كوكب الأرض ولن يحفظ للأجيال القادمة حقوقها. السؤال ليس كيف، أو هل نستطيع؟ السؤال هو: هل نريد تقليص بصمتنا الكربونية حقًا؟