روائية مغربية تعيد قراءة علاقة الغرب بالشرق من خلال قصة حب

حنان درقاوي لـ"العرب": لا أثر للفلاسفة ولا للأدباء في مجتمعاتنا.
الاثنين 2024/07/22
العلاقة بين الشرق والغرب علاقة موبوءة

في الأدب العربي هناك الكثير من الأقلام المميزة التي لا تتوفر لها الشهرة، وذلك بسبب واضح هو انتشار ظاهرة الشلل الثقافية التي تعلي من ذاك وتهمش الآخر، وهذا ما ترفضه الكاتبة المغربية حنان درقاوي. “العرب” كان لها هذا الحوار معها حول تجربتها الأدبية وآرائها في بعض القضايا الثقافية.

تخترق رواية “العشيق الفرنسي” للكاتبة المغربية حنان درقاوي علاقة الشرق والغرب وبنيتيهما المختلفتين، من خلال قصة حب بين كاتبة عربية وفنان فرنسي، حيث تتناول الفروقات الجوهرية بين الشرق والغرب، معتمدة في ذلك رؤى فكرية ومشاهدات حسية، وتبرز الصور النمطية عن الشرق والغرب، وكيفية تجاوزها في أفق بناء علاقات وطيدة بين الشرق والغرب، لا تنزاح نحو الدونية ولا الانبهار بالآخر، وتدعو إلى الحوار والنقاش وبناء آصرة للتفاهم والتعاون في سبيل بناء مجتمع عالمي يؤمن بالاختلاف ويعزز التعددية الثقافية والفكرية والدينية.

درقاوي التي تقيم في فرنسا تعد من الوجوه البارزة في الكتابة النسائية بالمغرب، كان أول نص كتبته بعنوان “لحظة ويكون احتراقي” وأول نص نشرته اسمه “رحيل طريق أخرى” وهو نص فازت عنه بجائزة الطلبة الباحثين في الأدب بالرباط. صدرت لها خمسة مجاميع قصصية وخمس روايات، من مجموعاتها القصصية “طيور بيضاء” و”تيار هواء” و”بنت الرباط” و”حياة سيئة.. نساء سعيدات” و”الخصر والوطن”، ومن الروايات “جميلات منتصف الليل” و”جسر الجميلات” و”العشيق الفرنسي”، وهذه الأخيرة صدرت هذا الأسبوع عن دار العالي وفيها تنهل من معين الشعر والفلسفة والتصوف وعلم النفس وتخوض في إشكاليات العالم العربي الراهنة.

الشرق والغرب

بوكس

في حوارها مع “العرب” توضح درقاوي أن رواية “العشيق الفرنسي” تحكي عن قصة حب بين كاتبة عربية وفنان فرنسي وما يرافقها من متع ومحن. ومن خلالها يتم رصد التشابهات والاختلافات بين الشرق والغرب. إنها تحكي عن تجربة حب صوفية فيها من الانخطاف الوجداني والروحي ما لا يمكن التعبير عنه، وتتخللها مرجعيات غربية وشرقية من فلسفة وشعر وحكمة الشرق الأقصى.

تخرجت درقاوي في شعبة الفلسفة والعلوم الإنسانية بالرباط واشتغلت أستاذة فلسفة في المغرب قبل هجرتها إلى فرنسا، تقول “في فرنسا درست علم النفس العيادي إلى حدود الماستر، كما حصلت على دبلوم العلاج بالتنويم المعناطيسي، وحاليا أشتغل كمحللة نفسانية وكمدربة كتابة استشفائية ومعالجة بالتنويم المغناطيسي، بالإضافة إلى هذا التكوين المزدوج فأنا قارئة نهمة في الآداب والتاريخ والأديان والأساطير. كل هذه الأنواع من المعارف تغني انعكاساتها نصوصي القصصية والروائية”.

وحول الجديد الذي تحمله روايتها “العشيق الفرنسي” ويشكل إضافة لما أنجزه الروائيون العرب مثل توفيق الحكيم وسهيل إدريس والطيب صالح في كتاباتهم عن العلاقة بين الشرق والغرب، تشير إلى أن الجديد هو أن البطلة هنا امرأة تتعلق برجل غربي في ظرفية جديدة هي تصاعد ظاهرة الإرهاب الإسلامي واليمين المتطرف، حيث يبدو حوار الحضارات صعبا بل مستحيلا، يحاول العاشقان تجاوز الكليشيهات والتعايش مع أطفالهما الخمسة في بيت واحد، لكن الإرث الشرقي يلاحقهما بالتقاليد والأعراف ويضغط على التعايش العائلي ما يؤدي إلى محن كثيرة يتجاوزانها إلى أن تأتي فلسفة الشرق الأقصى على جذوة الحب والاهتمام عند العشيق الفرنسي.

وتؤكد درقاوي على أن “العلاقة بين الشرق والغرب علاقة موبوءة، فالشرق استعمر الغرب في العصور الوسطى، وأقام إمبراطورية إسلامية قوية ووصل حتى حدود بواتيي في فرنسا، والغرب استعمر الشرق وسرق ثرواته، ومن ثم فإن التواصل بينهما في ظل هذا الإرث الاستعماري صعب، بالإضافة إلى الآراء المسبقة والكليشيهات التي تحكم علاقتهما، فالشرق شهواني في عصر ازدهاره مقابل الزهد المسيحي أو هكذا يراه الغربيون، ثم إنه روحاني في رواية ‘عصفور من الشرق’ لتوفيق الحكيم وإليه يهرب الغربيون من أجل خلاص أرواحهم، ثم هو الآن رمز للإرهاب وقوى الشر، في حين أن الغرب هو قائد الحداثة وقيم حقوق الإنسان الكونية، لكن الحرب الإجرامية على قطاع غزة وتحالف الغرب مع الصهيونية المتطرفة ضد شعب أعزل أسقطا شعارات الغرب وحقوق الإنسان الكونية”.

وتتابع “الغرب يعامل المجتمعات الشرقية باعتبارها مستعمراته القديمة، وقد خلق فيها طبقة متعاونة معه ضد مصالح بلدانها، في حين أن الشرق يرى أن الغرب آيل إلى الاندحار ومنحل أخلاقيا ويفتقد الروحانيات. الغرب يمتلك العلوم والتقنيات وأحدث أنظمة الحكم والتربية، والشرق يستهلك تقنيات الغرب، لكنه لا يريد أفكاره، لا يريد حرية المعتقد وحرية التعبير والحريات الفردية التي تدعم الفرد في رحلة التقدم والاختراع والعيش الرغيد”.

وتضيف “الغرب والشرق عالمان متوازيان لا يلتقيان إلا على أرضية نهب الثروات والعمالة، إن ظهور وتنامي ظاهرة الإرهاب أديا إلى نشوء نزعة معاداة الإسلام عند اليمين المتطرف الذي يبحث عن كبش فداء لمشاكل الغرب، فبعد أن كان اليهودي لفترة طويلة هو كبش الفداء صار المسلم الآن هو السبب في كل مشاكل الغرب. ملاحظتي كمهاجرة من الشرق نحو الغرب أن المسلمين لا يريدون الاندماج ولا يريدون العلمانية، ويريدونها دولا إسلامية ولكن المجتمعات الغربية في نفس الوقت لا تسعى إلى إدماج المسلمين، وهذا يتبدى من سياسة المدينة حيث المسلمون والمهاجرون عامة معزولون في أحياء ‘غيتوهات’ لا تصلح للعيش في مجتمعات تدعي التقدم وضمان العيش الرغيد لمواطنيها. مازلنا منذ الحملة الفرنسية على مصر نطرح سؤال الغرب والشرق، وسيبقى مطروحا إذ الغرب ماض في فتوحاته العلمية وسياسته الاستعمارية، فيما الشرق غارق في الخرافة والجهل المقدس والعمالة والاستبداد”.

تجربة الكتابة

حنان درقاوي: الغرب يعامل المجتمعات الشرقية باعتبارها مستعمراته القديمة، وقد خلق فيها طبقة متعاونة معه ضد مصالح بلدانها
حنان درقاوي: الغرب يعامل المجتمعات الشرقية باعتبارها مستعمراته القديمة، وقد خلق فيها طبقة متعاونة معه ضد مصالح بلدانها

بدأت درقاوي بكتابة الشعر بالفرنسية ثم كتبت القصة القصيرة وبعدها الرواية، وكل ذلك كان في ظل دراستها لعلم النفس، وهنا تلفت إلى أنها “كتبت الشعر باللغتين العربية والفرنسية في مرحلة الإعدادي، وفي السنة الأولى من التعليم الثانوي كتبت أول نص قصصي بعنوان “لحظة ويكون احتراقي”، تقول “هو يصف لحظة وضعت يدي في المدفأة، كنت أعيش بإيفران واحترقت واحترق جسدي كله وصرت ذرات مسافرة في الكون، كنت أحدس موتي الشخصي ولم أكن خائفة، فأنا ذرة من ذرات الكون منه أتيت وإليه أعود. كان يمكن أن أنشر ذلك النص في صفحة شبابية، لكنني كنت أعيش في مغرب الهامش ولا علم لي بالجرائد وكيف ينشر الكتاب فيها. بعدها توالت نصوصي القصصية إلى أن نشرت مجموعة ‘طيور بيضاء’ في سن السادسة والعشرين من عمري. نشرتها على نفقتي”.

استمرت في كتابة القصة القصيرة ونشرت بالملاحق الثقافية وفي مجلات عربية ومغربية إلى أن هاجرت إلى فرنسا. وقد شاركت في مسابقة دار الصدى بدبي وفازت بالمركز الأول عربيا، وصدرت لها بدبي مجموعتها الثانية “تيار هواء”. وفي الصويرة شرعت درقاوي في كتابة رواية عن وضعية السود في المغرب على خلفية موسيقى غناوة وأسمتها “ألوان”. بقيت الرواية في أسطوانة إلكترونية حتى عام 2012 وعادت إليها وبدأت نشرها في موقع دروب الإلكتروني تحت عنوان “الحارات المجاورة”.

 بعدها اشتغلت عليها وأرسلتها إلى صندوق “منحة آفاق”، وفازت بالمنحة التي مكنتها من التفرغ بعض الوقت إلى أن أتمت الرواية تحت عنوان “الخصر والوطن”، ونشرتها بدار أفريقيا الشرق، ووصلت إلى اللائحة الطويلة لجائزة الشيخ زايد عام 2014، وكتب عنها الكثير من النقد والقراءات. وفي نفس السنة نشرت عن دار النايا روايتين ومجموعة قصصية كما نشرت مجموعة عن دار المعرفة، وكانت تلك السنة سنة انفجار سردي لديها كما تقول.

تقول “لم أخطط ولم أع أن نشر عدة كتب في نفس السنة يجعلها تغطي على بعضها البعض، ولكني هكذا أسير اعتباطا ولا أخطط لشيء، فقط أنصت لهدير دمي وضروراتي الداخلية في الكتابة والنشر. نشرت فيما بعد رواية ومجموعة قصصية عن دار الفاصلة بطنجة، والآن تصدر لي رواية ‘العشيق الفرنسي’ عن دار العالي ببغداد”.

وتتابع درقاوي “هناك تكافؤ بين الرواية والقصة في كتابتي وأعمالي، نشرت خمسة مجاميع قصصية وخمس روايات، كما أنني اشتغلت على ترجمة كتابين فلسفيين عن اللغة الفرنسية صدر أحدهما عن دار مؤمنون بلاحدود، أما الثاني فلا يزال حبيس دار نشر أفريقيا الشرق. ظلت كتابتي ترشح بالشعر حتى وأنا أكتب النثر، وفي بعض أعمالي استوجب الأمر مني استعمال لغة وظيفية تقريرية كما في رواية ‘جميلات منتصف الليل’ التي تحكي يوميات إجهاض سري بمغرب التسعينات. أنا مدمنة على قراءة الشعر العربي والعالمي، وأعتبر أن الرواية يجب أن تمتح من الشعر لغتها، ومن الفلسفة وعلم النفس والتاريخ والأساطير متنها”.

وفيما يتعلق بالعلاقة بين الفلسفة والإبداع وانعكاس أحدهما على الآخر في مجمل تجربتها، توضح درقاوي “لتكويني الفلسفي أثر كبير على كتابتي، فالفلسفة فتحت كتابتي على أفق الدهشة والسؤال. في كل ما أكتبه أطرح إشكاليات فلسفية لم يتح لي أن أخوض فيها نظريا ومفاهيميا. الفلسفة أثرت أدبي بالكثير من المرجعيات الفكرية وأقوال الفلاسفة وآرائهم ففي كل أعمالي تجد أثرا للفلسفة منذ مجموعتي ‘طيور بيضاء’ حتى ‘العشيق الفرنسي’ التي تطرح سؤال الشرق والغرب، العلمانية والدين، التعايش واحترام الآخر”.

وترى أن هناك الكثير من المشتغلين بالفلسفة والمروجين والمبسطين لمفاهيمها، لكننا نفتقد إلى فلاسفة يبتكرون أفكارا ومفاهيم وأنساقا، لا أثر للفلاسفة في مجتمعاتنا ولا للأدباء، مجتمعاتنا يتحكم فيها رجل الدين، الإمام والفقيه، والعشاب وصاحب الرقية الشرعية. مجتمعاتنا مجتمعات خرافة وجهل مقدس، ونحن ككتاب وكمشتغلين بالفلسفة نؤذن في مالطة إلى أن نموت، ولن تتغير مجتمعاتنا لأنها لا تعترف بجهلها وهزيمتها الحضارية، بل تظل تسرد أمجاد الماضي الذي حكمنا فيه العالم بحد السيف وبالغزو. مجتمعات البدو والصحوة الإسلامية لا تخلق فلاسفة، نحن نفتقر إلى الفلسفة للأسف.

وتؤكد أن هناك روائيات مغربيات يكتبن بمهارة وتقنيات سردية عالية وراكمن تجارب مهمة، مثل عائشة البصري وفاتحة مرشيد وزهرة رميج، وهناك من لا نسمع عنهن رغم أنهن متميزات مثل زكية خيرهم من النرويج وهي صاحبة تحفة روائية عنوانها “نهاية سري الخطير”، للأسف إعلام الشلل الأدبي يحجب أسماء ويبرز أسماء. لا أعرف لمصلحة من تهمش أصوات قوية ويتم التركيز إعلاميا على بعض التجارب فقط. الكاتبات المغربيات يكتبن عن قضايا مجتمعية ويكتبن عن معاناة المرأة داخل مجتمع محافظ يحاول أن يسير نحو الحداثة.

 

13