ثالث أكبر مدن غرب ليبيا خارج سيطرة الدولة

لا تزال مدينة الزاوية أكبر مدن الغرب الليبي تعيش على وقع حالة من عدم الاستقرار والانفلات الأمني المتواصلة منذ سنة 2011، ما جعلها خارج سيطرة الدولة، فضلا عن كونها مركزا رئيسيا لعدد من المجموعات الإجرامية المنظمة التي تهيمن على الأنشطة غير القانونية.
اعترف وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عماد الطرابلسي بأن مدينة الزاوية خارج سيطرة الدولة، وقال إن وزارته مستعدة لتنفيذ خطة أمنية بالمدينة إذا اتفق المسلحون على وقف الاشتباكات، مؤكدا أن الحكومة لا تملك أية سيطرة على الأوضاع في ثالث مدن غرب البلاد.
ورأت أوساط ليبية مطلعة، أن تصريحات الطرابلسي كشفت عن طبيعة الأوضاع الأمنية في مدينة الزاوية الواقعة إلى الغرب من العاصمة طرابلس بـ 48 كلم والتي تعيش حالة فلتان أمني منذ العام 2011 بسبب الصراع بين ميلشياتها حول مواقع النفوذ المالي والاقتصادي وخاصة فيما يتعلق بمسارات تهريب البشر والوقود والسلع التموينية وغيرها.
وتنعكس حالة الفلتان الأمني في الزاوية سلبا على استقرار المنطقة الغربية لاسيما أنها تطل على البحر الأبيض المتوسط ومنها يعبر الطريق الساحلي في اتجاه الحدود المشتركة مع تونس، كما أن ميلشياتها تنشط في أغلب المدن المجاورة مثل صرمان وصبراتة والعجيلات. وأعربت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا عن عميق قلقها من اندلاع الاشتباكات المسلحة بمدينة الزاوية بين تشكيلات مسلحة، على نحو يٌعرض ممتلكات وأرواح الناس للخطر.
وأكدت المنظمة في بيان لها، الثلاثاء، أنه في ظل حرمان سكان مدينة الزاوية من الحماية والرعاية التي تفرضها قواعد حقوق الإنسان بموجب الإعلان العالمي والبروتوكولات الملزمة لصياغة حق الحياة فإنها تستنكر تقاعس وعدم تحرك وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية لفض النزاع المسلح ولوضع حد لهذه التشكيلات المتشرذمة.
ودعت المنظمة العربية لحقوق الإنسان كل من المجلس الرئاسي، وحكومة الوحدة الوطنية إلى العمل معاً وتكثيف جهودهما من أجل تهدئة النزاع المسلح واستعادة الأمن بالمدينة وضواحيها، وحماية المدنيين وممتلكاتهم.
وأكدت المنظمة أن التحشيد والتحركات العسكرية الواسعة لطرفي النزاع بالمدينة وضواحيها ستؤدي إلى خسائر بشرية غير محدودة، خصوصا مع انتشار السلاح على نحو واسع، وانتشار الميليشيات المسلحة التي يعاني جميعها من نقص في الانضباط، داعية المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته، وإلى ضرورة العمل على إدراج أسماء مرتكبي الجرائم الفظيعة ومساعديهم على لائحة العقوبات بمجلس الأمن الدولي تنفيذاً لقراري مجلس الأمن الدولي رقم (2174) و(2259).
◙ لا يكاد يمر أسبوع دون تسجيل اشتباكات مسلحة في الزاوية في ظل صمت الحكومة العاجزة عن التدخل لإعادة الهدوء
ولا يكاد يمر أسبوع دون تسجيل اشتباكات مسلحة في الزاوية في ظل صمت الحكومة العاجزة عن التدخل لإعادة الهدوء، والتي عادة ما تترك المبادرة لأعيان ووجهاء المدينة والزعماء القبليين. وشهدت الزاوية اشتباكات مسلحة يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، انتهت بتنفيذ آمر قوة الإسناد الأولى الزاوية ونائب رئيس جهاز مكافحة التهديدات الأمنية محمد بحرون الملقب بـ”الفار” هجوما على منطقة العريوي ببلدية أبوصرة على رأس قوة كبيرة بسطت سيطرتها على مقر تابع لحسن أبوزريبة نائب رئيس جهاز دعم الاستقرار وقامت بإزالته بالكامل.
ومحمد بحرون، المعروف باسم “الفار”، كان برز كفاعل أساسي نيابة عن حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، خلال العمليات العسكرية في الزاوية حيث تولى وظيفة رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في المنطقة الغربية، وعمل مباشرة تحت إمرة مكتب رئيس الوزراء منذ يوليو 2023. وتتضح الصورة أكثر عندما نعلم أن حسن أبوزريبة هو شقيق عضو مجلس النواب علي بوزريبة ومن أبرز المقربين من وزير الداخلية بحكومة البرلمان اللواء عصام أبوزريبة المتحدر بدوره من الزاوية.
وكان تقرير صادر عن لجنة الجزاءات الدولية المعنية بليبيا المكلفة من مجلس الأمن الدولي أكد “انخراط بحرون الملحوظ دلل على أن العملية استهدفت بشكل أساسي مجموعة أبوزريبة ونفوذ حلفائها، بما في ذلك شبكة الزاوية. ويعد علي أبوزريبة عضوا مؤثرا في مجلس النواب، وحسن أبوزريبة، شقيق علي، يقود جهاز دعم الاستقرار في الزاوية، ويوجد تنافس مباشر بينه ومحمد بحرون على السيطرة على الطريق الساحلي”.
وبحسب التقرير، فإن مدينة الزاوية مركز رئيسي لعدد من الشبكات الإجرامية المنظمة التي تهيمن على الأنشطة غير القانونية في المدن على طول المنطقة الساحلية غرب العاصمة طرابلس، بما في ذلك زوارة وصبراتة وورشفانة. وأوضح التقرير أن مصادر الدخل الأساسية لتلك الشبكات تنبع من تهريب الوقود والمهاجرين، والاتجار بالبشر والمخدرات.
أما الجهات الفاعلة الرئيسية التي تقف وراء هذه الشبكات الإجرامية فـهي الجماعات المسلحة التي اكتسبت ما يشبه الشرعية من خلال تفويضات أمنية ممنوحة لها من الحكومة، مما يسمح لها بالعمل مع الإفلات من العقاب، مشيرا إلى التشابك المتزايد بين القوات الأمنية والنشاط الإجرامي في الزاوية منذ العام 2020، والمثال على ذلك سوق “سيفاو” لبيع مخدر الحشيش والذي يرتبط به محمد سيفاو، رئيس وحدة مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية في الزاوية، ارتباطا علنيا وواضحا.
وتقول مصادر محلية، إن سلطات طرابلس غير قادرة على بسط نفوذها في مدينة الزاوية الخاضعة لسيطرة ميلشيات تتنافس على التحكم في مسالك الهجرة غير النظامية نحو الضفة الشمالية للمتوسط، وتهريب النفط، والتحكم في إنتاج أكبر مصفاة للنفط بالمنطقة العربية والتي تتولى تمرير 120 ألف برميل يوميا.
وتضيف المصادر أن اعتراف وزير الداخلية بعدم السيطرة على الزاوية جاء متأخرا، ولكنه في نفس الوقت يهدف إلى تبرئة ذمة الحكومة من الجرائم التي تشهدها المدينة وخاصة في علاقة بتدفق المهاجرين غير النظاميين محو الجزر الإيطالية.