تقليد الدراما التركية يفقد المسلسلات العربية هويتها

الدراما العربية تحاول نسخ أيديولوجيات الدراما التركية.
الخميس 2024/07/18
نسخة عربية من مسلسل "حب للإيجار"

تنساق شركات الإنتاج العربية نحو إعادة وتعريب العديد من الأعمال الدرامية التركية غير مبالية بتأثيراتها الكبيرة في المجتمعات العربية وقدرتها على تغيير ملامح هويتها، فهذه المسلسلات وإن حققت لها نجاحا جماهيريا وأرباحا مالية مهمة إلا أنها تنجح في خدمة أيديولوجيات تركيا وإستراتيجيتها في التسويق لصورتها الخارجية.

الرباط- يعكس تقليد الدراما العربية المتزايد للدراما التركية تحولا كبيرا في صناعة الإعلام العربي حيث تشق الدراما التركية طريقها بسرعة نحو قمة شعبية هائلة في العالم العربي، ما أدى إلى انتشار واسع لنمطها السينمائي والسردي في معظم القنوات الفضائية العربية، لكن هذه الظاهرة لم تأت بدون نقد وتساؤلات حول تأثيرها على الهوية الثقافية العربية وعلى الإنتاج الدرامي العربي.

ومن بين إحدى النقاط الرئيسية في هذا السياق هو فقدان الأصالة والتميز في الدراما العربية التي تلجأ إلى تقليد الأساليب والقصص التركية بدلا من إبداع مضمون يعبر عن الواقع والتراث العربي الغني، فمع تزايد انتشار هذا النمط تشعر بعض الأصوات الفنية والإعلامية بأن الدراما العربية تخسر ميزتها التنافسية وقدرتها على إثراء المشهد الفني بما هو فريد ومميز.

بوكس

ويثير تقليد المسلسلات العربية للدراما التركية تساؤلات حول تأثيره على الهوية الثقافية للمجتمعات العربية، فالدراما ليست مجرد تسلية بل هي أداة تثقيفية وتأثيرية تلعب دورا في بناء الوعي وتعزيز الهوية الوطنية والثقافية، بالتالي فإن استمرار التقليد دون تطوير وتنويع يمكن أن يؤدي إلى تقليل هذا الدور الحيوي للدراما في المجتمعات العربية.

وعلى الجانب الآخر، يمكن اعتبار تقليد الدراما العربية للدراما التركية خطوة إستراتيجية اقتصادية وتجارية، إذ إن النجاح الهائل الذي حققته الدراما التركية قد يكون مغريا للمنتجين العرب الذين يسعون لتحقيق أرباح مالية كبيرة من خلال اقتناص الشعبية الجارفة لهذا النوع من الإنتاج، إذ يظل تقليد الدراما العربية للدراما التركية ظاهرة متناقضة تجمع بين الفرص الاقتصادية والتحديات الثقافية، ومن المهم أن تبقى الدراما العربية قادرة على الاستفادة من التجارب الناجحة الأخرى دون أن تفقد هويتها وأصالتها، ما يتطلب جهودا مستمرة للابتكار وتقديم محتوى يعبر عن تنوع وغنى الثقافة العربية، لكن ما هي الإستراتيجية التي يمكن اتباعها لضمان نجاح الدراما التركية في العالم العربي؟ وكيف تستمر الحكومة التركية في الدراما؟ وإلى أي حد وصل الصراع الدرامي العربي – التركي؟

حققت المسلسلات التركية إيرادات هائلة وصلت إلى مليار دولار خلال العامين الأخيرين ما يعكس نجاحها الكبير على المستوى العالمي، وقد سخّرت تركيا كل الوسائل الفنية من ديكورات ضخمة وطبيعة ساحرة ومواقع أثرية وعناصر أخرى لتسويق مسلسلاتها في أكبر عدد من البلدان، معتمدة على شركات الدبلجة لترجمتها إلى مختلف اللغات، وهذا النجاح لم يمر مرور الكرام على منتجي الدراما العربية الذين بدورهم طمعوا في أن ينالهم ما غنمه زملاؤهم الأتراك من مال وسوق مفتوحة نحو قنوات العشرات من العواصم.

ومن أبرز الأمثلة على محاولة الدراما العربية تقليد نظيرتها التركية، هو مسلسل “ستيلتو” الذي بثته مجموعة “أم.بي.سي” والذي يعد اقتباسا مباشرا عن المسلسل التركي “جرائم صغيرة”، إذ ركز هذا المسلسل اللبناني – السوري على عناصر الإبهار البصري مثل الأزياء والماكياج والإضاءة، محاولا تقليد نظيره التركي إلى درجة طمس نكهة الدراما العربية الأصلية، وهذا التقليد أثار التساؤلات حول الفائدة من إعادة تصوير مسلسل تركي بوجوه عربية خاصة وأن الجماهير العربية قد شاهدت النسخة التركية مدبلجة باللهجة السورية.

بوكس

وهذا الاتجاه نحو تقليد المسلسلات التركية أثار حيرة وخيبة أمل في أوساط الكتّاب والمبدعين العرب، حيث عبرت الكاتبة السورية رانيا بيطار عن استيائها من هذه الظاهرة بإعلان اعتزالها الكتابة، موضحة أنها لن تسرق فكرة عمل تركي أو كوري أو مكسيكي لإرضاء شركات الإنتاج، ولن تكتب عن الخيانة والعلاقات المحرّمة لتبرير أفعال غير أخلاقية، كما أعربت عن حبها للمرأة العربية ورفضها لإظهارها كجسد جميل دون عقل وهدف، مؤكدة أنها لن تكتب إلا ما يشبهها.

ورغم الانتقادات، انتشرت موجة تصوير نسخ عربية من المسلسلات التركية وهي موجة مستمرة، مع أمثلة مثل “ألف ليلة وليلة”، “حرب الورود”، و”حب للإيجار”. والميزانيات الهائلة التي تُصرف على إعادة تكرار الدراما التركية تثير التساؤلات حول إمكانية استثمارها في إنتاج مسلسلات عربية بروح عربية وقضايا قريبة من الجمهور العربي، ويبرز هذا مسألة التقليد كعائق أمام تطوير دراما عربية ذات هوية خاصة، لأن النجاح التركي في مجال الدراما ليس مجرد إبهار بصري، بل هو انعكاس لتقديم قصص تلامس الواقع والقضايا المحلية بصدق. لذا، تحتاج الدراما العربية إلى الابتكار والتجديد بدلا من التقليد الأعمى لتحقيق نجاح حقيقي ومستدام. ولكن ماذا عن الدراما التركية التاريخية وأهدافها السياسية؟

تُعتبر الدراما التاريخية التركية إحدى الأدوات الفعالة التي تستخدمها تركيا لتعزيز هويتها الوطنية وخدمة أهدافها الإستراتيجية من خلال إنتاج مسلسلات تاريخية مثل “قيامة أرطغرل”، “الملحمة”، “ألب أرسلان”، “المؤسس عثمان”، و”بربروس”، حيث تسعى الحكومة التركية لتوحيد الرأي العام الداخلي وتعزيز صورتها على الساحة الدولية.

وتعتمد هذه الأعمال على تصوير مراحل مهمة من تاريخ تركيا بدءًا من ما قبل الإسلام حتى فترة الهيمنة العثمانية، مشيرة إلى القيم البطولية والنبل والشجاعة التي تميزت بها الشخصيات التاريخية وتُظهر تفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية للمجتمعات التركية في تلك الحقب الزمنية، مسلطة الضوء على النزاعات والصراعات التي واجهتها القبائل التركية ضد الأعداء من الداخل والخارج.

بالإضافة إلى الإخراج المتقن والتمثيل المتميز، إذ ترتكز جاذبية هذه الأعمال على قدرتها على إحياء اللحظات التاريخية المهمة وإثارة مشاعر الفخر والاعتزاز بالماضي، كما تقدم الدراما التركية رسائل قومية قوية، حيث تُمجّد الأمة التركية وتبرز التضحيات التي قدمها أجدادهم في سبيل توحيد البلاد والدفاع عن قيمهم، بينما يؤكد الدعم الحكومي الكبير لهذه المسلسلات سواء من خلال التمويل أو الدعم اللوجستي والمعنوي أهمية هذه الأعمال في تعزيز الهوية الوطنية وتصدير الثقافة التركية إلى العالم، إذ تُعبر هذه المسلسلات عن الوحدة والقوة التي يمكن تحقيقها في مواجهة الصعوبات والتحديات، مما يترك أثرا قويا في نفوس المشاهدين ويجعلها تحظى بشعبية واسعة على المستوى المحلي والدولي.

تقليد الدراما التركية يثير تساؤلات حول تأثيره على هوية المجتمعات العربية فالدراما ليست مجرد تسلية بل هي أداة تأثير

فهل تستمر الدراما العربية في نسخ الثقافة التركية من خلال دراما لا تمثل الشعوب العربية، لا من حيث الهوية ولا من حيث الثقافة ولا من حيث النهج السياسي ولا الديني ولا الاقتصادي؟ وهل يدرك كتاب سيناريو الدراما مدى الخلل الذي يتركونه في نفوس المراهقين العرب أم أن همهم الربح المادي ونسب المشاهدات فقط؟ وهل يعلمون حجم الكوارث التي تورطت فيها فتيات العالم العربي بسبب الدراما التركية؟ إذا كانت تركيا تروج لثقافتها وهويتها ومدى قوتها الاقتصادية والسياسية والدينية، فما شأن الدول العربية؟ ولماذا لا تقوم الدراما العربية بنفس الإستراتيجية حتى يكون لها شأن؟

نحن في المغرب مثلا لا نستوعب كيف يمكن لأم مغربية أن تقع في غرام زوج ابنتها، أو أن يتزوج أخوها بعشيقة أخيه، أو أن يكون الأب معجبا بزوجة ابنه، إن هذه القصص التي يتم عرضها تحت مظلة الدراما التركية تعتبر هراء، وتستفيد منها مدونات الأسرة والمحاكم العائلية والقضاء والمحامون بسبب التأثير المستورد لمختلف وسائل الإعلام بما في ذلك المسلسلات التلفزيونية.

14