كلمة لا، ما تجيب بلاء

قول لا في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب يجنبنا كثيرا من المشاكل والضغط النفسي، الأمر يحتاج منا إلى شجاعة وترتيب للأولويات وأسلوب لبق.
الأربعاء 2024/07/17
لنفسك عليك حق

“أنا مخطوبة لشخص جيد لكنني لا أطيقه ولم أستطع الشعور بالراحة معه… شكله لا يعجبني والحديث معه يصيبني كل مرة بألم فظيع في معدتي.. لا أعلم سبب ذلك لكن لا يمكنني فسخ الخطبة ورفض إكمال الزواج .. أخاف أن يغضب أهلي إن رفضت.. الجميع سيلومني إن أنهيت علاقتي به ولست مستعدة لأكون في مرمى اتهاماتهم… انصحوني ماذا أفعل”.

فتحت موقع فيسبوك فخرجت أمامي هذه التدوينة لصبية تونسية. وكما يبدو مما جاء فيها أنها ترغم نفسها على إرضاء أهلها إلى الحد الذي يصيبها بالألم الجسدي.

لا أظن أن هذه اللا التي تعجز الصبية عن قولها هي لا واحدة، وإنما هي لا مزمنة رافقتها منذ الصغر، فلو تعلمت منذ طفولتها كيف ترفض وترسم حدودها الخاصة لاستطاعت حماية نفسها من التورط في علاقات لا تتقبلها حتى وإن كان الأمر سيضمن لها رضاء الأهل.

وأنا أقرأ التدوينة وتعليقات فتيات عليها، انقسمن بين من ينصحنها بالرفض وبين من يؤكدن لها أن اختيار الأهل هو الأنسب وبين أخريات رأين أن من الأفضل لها استخارة الله، تذكرت الطبيب النفسي الكويتي يوسف الحسني الذي كثف منذ سنوات محاضراته وكتبه من أجل أن يقنع فتيات الدول العربية بتعلم رسم حدودهن وتعلم الرفض وعدم الدخول في علاقات يختارها الأهل.

في عالم علّم البنات الطاعة العمياء للجد والأب والأخ والزوج، ورغم التحرر الكبير لا تزال بعض الفتيات مكبلات بقيود الماضي، يواصلن تكرار سيناريو الجدات والأمهات بأن يعشن خاضعات.

يقول المثل الشعبي التونسي “كلمة لا ما تجيب بلاء”. صحيح أن الرفض لمجرد الرفض أمر غير صحي لكن أن يتعلم الإنسان الموازنة بين القبول والرفض لتسيير حياته هو إحدى أهم المهارات.

ولحل مشكلة عدم القدرة على الرفض وضع أطباء نفسيون ومدربو تنمية بشرية العديد من الكتب، منها كتاب “فن قول لا: كيف تتمسك برأيك وتحافظ على وقتك وطاقاتك وترفض أن يستخف بك الآخرون؟ (دون أن تشعر بالذنب!)” للمؤلف دامون زاهارياديس.

يقدم هذا الكتاب المهم الحلول لمن يصارعون تحدي قول “لا”. يتناول هذا الدليل العملي الأسباب النفسية وراء صعوبة رفض الطلبات ويزود القارئ بأدوات فعّالة لوضع حدود صحية دون الشعور بالذنب أو خسارة العلاقات الشخصية. من خلال تعلم كيفية قول “لا” بثقة يمكنك استعادة السيطرة على وقتك وطاقتك، وهو ما يمكّنك من العيش بشكل أكثر توازنًا وإنتاجية.

قول لا في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب يجنبنا كثيرا من المشاكل والضغط النفسي، الأمر يحتاج منا إلى شجاعة وترتيب للأولويات وأسلوب لبق.

يمكن أن يمرّن الشخص نفسه بأن يتعلم رفض الأمور الصغيرة التي لا يريدها كأن يرفض طلب أحد منه أو يعتذر عن مشوار أو حضور مناسبة اجتماعية حتى يصبح قادرا على قول لا في القرارات الكبرى.

قول لا لما لا يناسبك في علاقات أو عمل أو حتى لا لوالديك أو لنفسك المندفعة إلى ما لا يناسبها ليس قلة ذوق أو أنانية أو ذنبا بل بالعكس قولها يجنبك ضغطا نفسيا وجسديا ومشاكل كثيرة أخرى أنت في غنى عنها.

إذا كان هناك من ينقل إليك طاقته السلبية فلا تخجل من رفض ذلك لأنه يوما بعد يوم ستصبح تلك المشاعر عبئا عليك. وفي حال هذه الفتاة التي لا تجرؤ على رفض العريس رغم آلامها النفسية والجسدية فقد تجد نفسها في جحيم قفص الزوجية، طائرا مسجونا مع شريك لا تريده بل يريده أبوها وأمها وكل العشيرة.

لنفسك عليك حق.. هذا ما قاله يوما الصحابي سلمان الفارسي وهي عين النصيحة، فلنفسك عليك حق ألا ترغمها على فعل أمر لا تريده بعقلك أو قلبك؛ تعلم قول لا قبل أن يأتيك البلاء.

18